“الوقت حان لمهاجمة مفاعل ديمونا”، التهديد الايراني الذي دوّى يوم أمس الأحد لم يكن مجرّد تصريح عابر، بل تصعيدٌ خطير في نبرة الخطاب بين طهران وتل أبيب، وسط نزاع إقليمي آخذٍ في الاشتعال. فقد أعلن أحد أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الايراني أن أي استهداف إسرائيلي للمنشآت النووية الايرانية لن يمرّ من دون رد، واضعاً مفاعل ديمونا الاسرائيلي في صلب التهديدات المباشرة.
هذا التهديد أثار قلقاً واسعاً في الأوساط الاقليمية والدولية، خصوصاً في ظلّ التصعيد المتبادل بين الطرفين، وتكرار الحديث الاسرائيلي عن احتمال ضرب منشآت إيران النووية في نطنز أو أصفهان. لكن التهديد بالرد الايراني على مفاعل ديمونا يُعدّ سابقة من حيث العلنية، ويفتح الباب على واحد من أخطر السيناريوات: استهداف منشآت نووية في قلب الشرق الأوسط.
ماذا لو استهدفت إيران ديمونا؟
يقع مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب جنوب إسرائيل، وتحديداً على بُعد نحو 240 كيلومتراً من الحدود اللبنانية. وعلى الرغم من أنه محصّن جزئياً داخل منشأة عسكرية شديدة الحراسة، فإن أي إصابة مباشرة أو حتى شبه مباشرة، قد تتسبب في تسرّب إشعاعي، خصوصاً أن المفاعل قديم ويعود إلى ستينيات القرن الماضي.
بين المزاح والرعب.. انتشار إرشادات وقائية
في خضم هذه التهديدات النووية العلنية، برزت على وسائل التواصل الاجتماعي موجة من إرشادات السلامة العامة التي تراوحت بين المزاح الأسود والجدّ. انتشار منشورات تتحدث عن كيفية حماية النفس من الإشعاع بـ”بطانيات ثقيلة” أو الاحتماء في أقبية المباني، وتداول البعض قوائم “ما يجب أن تحتويه حقيبة الطوارئ النووية”، وصولاً إلى نكات تتخيل “أول انفجار نووي على وقع أغنية وطنية”.
لكن خلف هذا المزاح المرّ، هناك خوف حقيقي بدأ يتسرّب إلى النفوس: ماذا لو حصل السيناريو الأسوأ؟ ماذا لو وجدنا أنفسنا نعيش في زمن الحرب النووية؟ كيف سيكون المشهد حينها؟
خطر الاشعاع ليس مزحة.. وتحذير طبي
وفي ظلّ التصعيد المتسارع، لا يبدو الحديث عن خطر نووي محض تهويل إعلامي، بل هو قلق علمي وصحي مشروع. ووفق ما أكّده رئيس قسم الجراحة في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور غسان سكاف، لموقع “لبنان الكبير”، فإن “الخطر الأكبر والمتوقع اليوم يتمثل في خطورة حدوث أي إشعاعات نووية سواء من إيران أو إسرائيل، ويجب على القيادات في العالم أخذ الموضوع بجدية، وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أجل التنبه الى خطورة الأمر، بدل الانشغال بمن هو رابح أو خاسر، أو إن كان من المجدي الذهاب إلى مفاوضات أم لا”.
وأشار سكاف الى أن ما يُطرح اليوم من إرشادات وتحذيرات لا يدخل في خانة التهويل، بل هو تعبير عن خوف حقيقي من خطر جدّي، معتبراً أن “الاحتمال الفعلي وارد في حال تسربت مواد نووية مشعة نشطة من المفاعل، أو نفايات نووية غير مؤمنة”.
وحذّر من تسرب شعاع Gamma باعتباره الأخطر، إلى جانب احتمال تسرب مادة اليورانيوم، لما تخلّفه من انبعاثات طويلة الأمد تطال الأجيال القادمة صحّياً وبيئياً.
وأوضح أن حركة الرياح هي التي تحدد اتجاه هذه الانبعاثات ومدى خطورتها وحدتها، ما يضع عدّة دول في دائرة الخطر المباشر في حال وقع أي استهداف للمفاعلات النووية.
•في حال تعرّض مفاعل ديمونا الاسرائيلي لضربة، فإن لبنان وسوريا والعراق تُعدّ من أكثر الدول عرضة للتأثر.
•أما إذا استُهدفت منشآت إيران النووية، فالدول المهددة بتسرب الإشعاعات تشمل: العراق، الكويت، السعودية، البحرين، قطر والامارات.
ورأى سكاف أن هذه الدول يجب أن تبدأ بإجراءات رصد فوري للإشعاعات واتخاذ اجراءات وقائية، بينما في لبنان لا نملك أجهزة رصد إشعاعي متطورة، ما يعني أنه في حال وقوع الحادث، يجب التواصل بسرعة مع الدول الغربية لطلب أجهزة متخصصة بالمراقبة والرصد، ومن ثم تأمين ما هو مطلوب صحّياً لحماية اللبنانيين.
لا بيان من “الصحة”.. والموقف “أكبر من وزارة واحدة”
وفي موازاة التحذيرات العلمية والطبية، برز غياب واضح لأي موقف رسمي لبناني يُواكب التهديدات المتصاعدة. وأوضح المكتب الاعلامي الخاص بوزارة الصحة لموقع “لبنان الكبير” أن “لا بيان رسمياً خاصاً أو موقفاً محدداً بشأن هذا الموضوع في الوقت الحالي”، مؤكداً أن “المسألة ليست في إطار إصدار إرشادات صحية فحسب، لأن الأمر أكبر من أن يُعالج ضمن نطاق وزارة الصحة وحدها”. واعتبر أن “الوضع في غاية الخطورة ويتطلب تنسيقاً على مستوى الدولة بأكملها”.
وفي وقت لا تزال فيه غزة تحترق منذ أشهر، ويتوسّع الاشتباك ليطال لبنان وسوريا واليمن، تبدو فكرة استهداف مفاعل نووي بمثابة “نقطة اللاعودة”، التي قد تُخرج الصراع من إطاره السياسي والعسكري إلى كارثة إنسانية وبيئية واسعة النطاق.