كل أزمة في بلد ما، أو إقليم، أو على صعيد العالم هي انعكاس لأزمة الطبقة المهيمنة وتداعياتها، فكل طبقة تطبع البنية المعنيّة بطابعها، أي تحليل لا ينطلق من هذه الحقيقة سيكون تحليلاً مبتسراً وعاجزاً عن تفسير ما يجري تفسيراً صحيحاً، أو مشوهاً عن سابق قصد على يد مراكز أبحاث صناعة الوعي، وثقافة بسطات سوق الجمعة في الفضاء الالكتروني.
2
يبدو إن العالم بات على كف عفريت فعلاً، وهذه ليست المرة الاولى في التاريخ التي يحدث فيها كل هذا الاضطراب والتوتر في العلاقات الدولية: (الحروب، بؤر التوتر، الافقار، النزوح والهجرة.. ) في العالم اليوم: (اكثر من 30 بؤرة توتر متفجرة او قابلة للانفجار في اية لحظة، وهي بمجموعها تشكل حرب عالمية غير معلنة – خلال 2024 كان هناك ما يقارب 70 مليون نازح – اغنى 1%من سكان العالم يملك اكثر من 50% من ثروات العالم، 26 شخص يمتلكون ثروة تعادل ثروة نصف سكان العالم، تتبخر المليارات في أيام معدودة أو ساعات أحياناً، افلاس يومي في الشركات).
واذا اخذنا المئة عام الأخيرة مقطعاً زمنياً سنجد أوضاعاً مشابهة: الحربين العالميتين الاولى والثانية، الذي ذهب ضحيتهما ما يقارب 100 مليون انسان، ودماراً شاملاً في أوربا وكوارث لاتعد و لا تحصى، كانت انعكاساً لأزمة المنظومة السائدة، التي اقتصرت خياراتها على الحرب للخروج من حالة التأزم.
وعليه، فمن يريد أن يفهم حقيقة التوتر غير المسبوق في العالم المعاصر- الحرب الدائرة على ايران وحولها أحد تجلياته- ينبغي ان يعود الى القاسم المشترك بين مراحل تناوب هذا الزلازال الكوني، أي أزمة الطبقة المهيمنة اما من ينطلق من زاوية مصالح بلد أو طائفة أو قومية أو دين فقط، بما فيه نموذج المحامي الفاشل الذي يدافع عن قضية عادلة، ويبني رؤيته على هذا الأساس، سيجد نفسه خارج المعادلة أو سيصبح في المحصلة فرق عملة في الصراع الدولي المحتدم.
3
شعار حملة ترامب الانتخابية (أمريكا اولاً- الحمائية) كان تعبيرا عن ازمة النموذج الاقتصادي النيوليبرالي ومأزقه الوجودي، ولم يعد سراً إن مركز نمو قطاعات الاقتصاد الحقيقي (صناعة زراعة تجارة خدمات والمواد الخام) ينتقل الى الشرق والصين بالدرجة الأولى، ذلك هو المحور الذي تدور حوله كل أزمات العالم المعاصر، وهو سر الاستقطاب المتسارع في اية قضية إقليمية وتحولها الى صراع بين الكبار، بدءاً من الانقسام الداخلي الأمريكي، وحرب الرسوم الجمركية التي لم ينج منها لا صديق ولا عدو، ومروراً بالحرب العالمية الجارية على الأرض الأوكرانية، وصولاً الى الصراع الدائر على إيران وحولها واحتمالات توسعها.
4
أكثر ما يزعج قوى الحرب هو ان الطرف الصيني يحاول ان يتجنب الحرب، والتقدم بالنقاط، ويحقق يوما بعد يوم تفوقاً في مجال من المجالات – نسب النمو – الييزان التجاري، المعادن النادرة، صناعة الرقائق، الذكاء الاصطناعي، وربط اقتصادات العالم بما يؤدي الى نموذج تنموي معولم قائم على الابداع والإنتاج والشراكة والتعاون، بدلاً عن الاستفراد والهيمنة كشرط لديمومة النوذج الآخر.
أحد اهم شعارات ترامب الذي وصل الى السلطة بعد صراع مرير كان الانكفاء والكف عن الحروب العبثية على حد زعمه، ولكن ها هو يهدد ويتوعد بحرب تفوق في ابعادها حروب الإدارات السابقة.. وبغض النظر ان كان جاداً ام لا، فانه يحاول ان يرضي بعض أجنحة المنظومة، والتي تعتبر الحرب خياراً من خياراتها عندما تنعدم الأدوات الأخرى لاستمرار الهيمنة.