هل كان عبقرياً بالفعل أم أنه سرق مجهودات غيره؟ ولماذا تساق انتقادات له بأنه كان رجل أعمال أكثر منه عالماً؟

لم يكن توماس إديسون طفلا نبيها في سنواته الأولى (غيتي)

حين يذكر اسم  اديسون  يذهب العقل دوماً إلى المصباح الكهربائي، باعتبار إديسون مكتشفه، غير أن ما يغيب عن الأذهان هو أن الرجل له ما يفوق الـ1000 براءة اختراع، تجعل منه قصة شبه أسطورية وسط مخترعي الغرب في نهايات القرن الـ19.

لم يكن إديسون بحال من الأحوال الكتكوت الفصيح، إذ لم يصح مبكراً في بواكير حياته، بل على العكس من ذلك كان على الدوام شريد الذهن بالمدرسة، إذ وصفه أستاذه بأنه “فاسد”.

بعد ثلاثة أشهر من الدراسة النظامية استدعى ناظر المدرسة والدة إديسون، ليخبرها بأن مستوى ابنها العلمي لا يرقى إلى إكمال دراسته، فما كان من الأم إلا أن دافعت عنه دفاع الأبطال وآلت على نفسها أن تكمل تعليمه بنفسها.

في وقت لاحق كتب إديسون يقول “والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي، حينها شعرت بأن لحياتي هدفاً، وشخصاً لا يمكنني خذلانه”. كانت والدته تقوم بتدريسه في المنزل، وأسهمت قراءته كتب العلم والفيزياء والكيمياء لمختلف العلماء الأوروبيين والأميركيين السابقين، في جعله شخصية مغايرة، سيكون لها يوماً ما عظيم الشأن في مجال المخترعات.

رحلة كفاح لصبي ضعيف السمع

ترجع أصول إديسون إلى جذور هولندية، وقد كانت رحلة حياته نوعاً من أنواع الكفاح والمثابرة مع الحياة الصعبة الخشنة، لا سيما أنه في وقت مبكر عانى مشكلات في السمع، وإن ظل السبب غير محدد، فهناك من مؤرخي حياته من قال إن “الحمى القرمزية” هي السبب، والبعض الآخر عزا الأمر إلى قيام سائق قطار بإلقائه هو ومعمله الصغير من القطار بعد أن اكتشف وجود النيتروغليسيرين معه، وهي مادة قابلة للانفجار، غير أن إديسون نفسه تحدث ذات مرة فقال إن السبب هو قيام عامل القطار بمساعدته على الركوب برفعه من إذنيه.

بدأت مسيرة حياته في ولاية ميتشيغان في أوائل ستينيات القرن الـ19، حين باع الحلوى والصحف في القطارات، ولاحقاً الخضراوات لتعزيز دخله.

على أن ما يثبت موهبته المبكرة، أنه فيما كان يفعل كذلك لم يهمل تعليم وتثقيف نفسه، فدرس التحليل النوعي، وهو أحد الفروع الرئيسة في علم الكيمياء، وأجرى تجارب كيماوية في القطار إلى أن وقعت حادثة حظرت القيام بمزيد من تلك الأعمال.

بدا الصبي إديسون قادراً على تطوير نفسه بنفسه بدرجة كبيرة، فعبر المشاركة مع بعض الأصدقاء حصل على الحق الحصري لبيع الصحف، ثم لم يلبث أن أصدر نشرة أسبوعية، لم تنفك تتحول إلى صحيفة محلية.

كانت هذه إشارة البدء لدخوله إلى عالم الأعمال، التي بدأت صغيرة ومتواضعة، لكنها لم تلبث أن تحولت في نهاية المطاف إلى 14 شركة، بما فيها شركة جنرال الكرتيك “، التي لا تزال إحدى كبرى الشركات المساهمة في العالم.

كانت مدينة بوسطن في ستينيات القرن الـ19 بمثابة محور للثقافة والعلوم، وعندما حل إديسون بها أثناء العمل بشركة “ويسترن يونيون”، كان يزور مصنعاً لإنتاج أجهزة التليغراف، وهناك تعلم تبادل الأفكار مع شخصيات اتسمت بالذكاء، وفي عام 1868 تمكن من تسجيل أول براءة  اختراع  باسمه، وكانت عبارة عن جهاز لتسجيل الأصوات الانتخابية كهربائياً للإسراع من عملية التصويت بالضغط على أزرار.

رفض الكونغرس الأميركي اختراع إديسون، والمدهش أن المخترع الشاب لم يصب بالخيبة، بل تعلم من ذلك درساً مفاده “لا تهدر وقتك في اختراع شيء لا يمكنك بيعه الناس”، وفي ضوء هذا السيناريو بنى منهجيته التي تربط بين مخترعاته وكسبه المال.

مسيرة النجاح… إيمان مبكر بالعلم

آمن إديسون بأن العلم هو المفتاح الحقيقي لطريق المخترعات، ولهذا استغل وجوده في بوسطن، ليشارك في الاستماع إلى محاضرات تلقى في “بوسطن تك” الذي تأسس عام 1861، وتحول عام 1916 إلى معهد “ماساتشوستس” التكنولوجي، حيث تعلم أفكاراً وتوسع في دراسة إمكانات تليغراف.

أثقلت الديون كاهل إديسون، وكان على حافة الطرد من وظيفته في شركة “ويسترن يونيون” ولهذا اقترض 35 دولاراً ليشتري تذكرة على سفينة بخارية متجهة إلى نيويورك.

حين وصل إلى “مدينة التفاحة” بدا كأنه على موعد مع الموت جوعاً حرفياً وليس مجازياً، غير أن مصادفة قدرية أنقذته وفتحت له أبواب المستقبل.

كان إديسون قريباً من المركز المالي للمدينة، حيث وجد أحد مديري شركات الوساطة المالية يعاني الهلع عندما تعطل أحد أجهزة رموز الأسهم.

هنا سنحت الفرصة لإديسون لإصلاح الآلة ونجح في ذلك.

تلقى إديسون مكافأة من مدير الشركة، وعرض عليه وظيفة إصلاح الآلات في شركته براتب 300 دولار شهرياً، أي ضعف ما كان يتلقاه في شركة الكهرباء في المدينة حينها، ليخرج من براثن الجوع والفقر إلى التعافي والرخاء.

واصل إديسون أعماله التجارية، وأيضاً إصلاح آلات رموز الأسهم وكانت إحداها خاصة بشركة “غولد أند ستوك تليغراف”، ليكافأ بمبلغ 40 ألف دولار، وقد كانت مكافأة سخية بالنسبة إليه، ومن شدة انبهاره، وضع المال على فراشه، وبات يحصيه مرة تلو المرة، غير مصدق ما حدث.

بدأت مسيرة إديسون تتعاظم، واسمه ينتشر في الآفاق، مستثمراً سمعته الطيبة وتجاربه في إصلاح الأعطال، حتى استحوذت عليه “ويسترن يونيون” عام 1871.

بعد نحو ثلاثة أعوام قدم إديسون للعالم نوعاً جديداً من التليغراف الكهربائي تحت اسم “كوادرو ويلكس تليغراف”، إذ يمكن الأشخاص من بث واستقبال إشارات منفصلة بسلك واحد تلقائياً، واتفق على بيع براءات اختراعه لـ”ويسترن يونيون” مقابل مبلغ كبير من المال.

كان هذا الحصاد النقدي الخطوة التي دفعت إديسون إلى تمويل أعماله، وبناء معمل أبحاث كان يحلم به، وقد أدرك ذلك بالفعل في منطقة “نوآرك” بولاية نيوجيرسي عام 1876.

أراد إديسون المنافسة مع غراهام بل مخترع الهاتف، الذي أبهر العالم بجهاز يحول الموجات الصوتية إلى إشارات كهربائية، وكان ولا يزال جهازاً ثورياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى وغير شكل الاتصالات على مستوى العالم.

عمل إديسون جاهداً على ابتكار أجهزة لتيسير بث واستقبال الإشارات، ففي ذلك الوقت استغل إديسون فكرة الهاتف وإرسال الموجات الصوتية، وتحويلها إلى إشارات كهربائية في اختراع جهاز لتسجيل تلك الموجات الصوتية، وهو “الفونوغراف” عام 1877 الذي دفعه إلى تأسيس شركة “إديسون سبيكنغ فونوغراف” لبيع الجهاز الجديد وتسويقه لأغراض مختلفة كتسجيل الموسيقى والكتب للمكفوفين ولأغراض التعليم والمحادثات المسجلة.

نوآرك وطريق المصباح الكهربائي

هل كانت في حياة إديسون تجربة شخصية دفعته إلى المضي في طريق تطوير المصباح الكهربائي؟

الشاهد أن حالة صحية طارئة ألمت بوالدته، كادت تذهب بها ما لم يتوافر الضوء الكافي لإجراء عملية جراحية، كانت هي السبب في تفكير الصبي إديسون في تطوير نوع قوي من الضوء يبدد ستر الظلام ليلاً.

على أن جواب السؤال المتقدم هو أن إديسون لم يخترع بالفعل أول مصباح كهربائي، ولكنه اخترع أول مصباح متوهج عملي من الناحية التجارية، فقد سبقه عديد من المخترعين في صناعة المصابيح المتوهجة، بما في ذلك هنري وودوراد وماثيو إيفانز، وكان هناك مخترعون آخرون سبق لهم صنع المصابيح الكهربائية المتوهجة لكنها غير عملية تجارياً. كانت عيوب تلك المصابيح أنها قصيرة الأجل للغاية وذات كلفة إنتاجية عالية، كما تسحب كثيراً من التيار الكهربائي مما يصعب تطبيقها على نطاق تجاري واسع.

بعد 900 تجربة فاشلة قام بها إديسون، وتقول مصادر إنها 10 آلاف تجربة، تمكن أخيراً من اختراع أول مصباح كهربائي مفيد في الاستخدامات اليومية، وذلك في الـ21 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1879، وكان عمره آنذاك نحو 32 سنة.

كانت هناك براءة اختراع مسجلة باسم “إليساندرو فولتا”، قبل ولادة إديسون بست سنوات، ولكنه كان مبهراً لدرجة أنه كان يمكن أن يسبب العمى للناظرين.

طور إديسون مصباح الكهرباء بفرق جهد منخفض قدره 110 فولتات ومقاومة مرتفعة، واستمر عمل أول مصباح نحو 13.5 ساعة، ثم عكف لاحقاً على تطويره حتى سجله كعلامة تجارية عام 1883 في أميركا.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ابتكر منظومة تعتمد على مصدر مركزي للطاقة، ثم بحث بشكل مكثف تطوير أول مولد كهربائي وأطلق عليه اسم “لونغ ويستد ماري آن”، وقدرته 100 كيلوواط ساعة.

هل سرق إديسون اختراعات تسلا؟

هل كان إديسون لص مخترعات عتيداً؟ هذا التساؤل لا تنفك الأجيال تردده، بدءاً من الحديث عن اختراعه المصباح الكهربائي، وصولاً إلى باقي المخترعات التي تبلغ نحو 1093 اختراعاً.

يبدو الرقم في واقع الأمر مهولاً، ويحتاج إلى حيوات رجالات كثر، لا لحياة رجل واحد، مما يدعونا إلى التفكر في حقيقة الأمر.

 

والحقيقة غالب الأمر أن توماس إديسون لم يكن صاحب كل تلك المخترعات، وإنما صاحب معمل “نوآرك” الذي يعمل فيه المئات من الباحثين الصغار الذين لا يعرفهم أحدهم، وقد استغل إديسون أفكارهم وسجلها باسمه، وعلى رأسهم وليام ديكسون الذي اخترع “الكينتو سكوب”، أو ما يعرف بجهاز عرض الأفلام، وسجله إديسون باسمه، ونال عنه وسام “ألبرت للجمعية الملكية للفنون” في بريطانيا العظمى، كما حصل عن هذا الاختراع على الميدالية الذهبية من الكونغرس عام 1928.

ينسحب الحديث إلى المصباح الكهربائي كذلك، وكيف أن المهندس الصربي العبقري تسلا “، هو من قام فعلاً بالعمل الأهم في فكرة المصباح الكهربائي وليس إديسون.

بدأت القصة حين ارتحل تسلا من مصنع إديسون في أوروبا إلى الولايات المتحدة، حيث كان إديسون في أزمة مع شبكة الكهرباء في مدينة نيويورك، التي اعتمدت على التيار الكهربائي المستمر، مما سبب حرائق وحوادث وانقطاعات للخدمات، كما كان من الصعب نقل التيار الكهربائي المستمر لمسافات طويلة من طريق الأسلاك النحاسية، ولهذا السبب لجأت مؤسسة إديسون لتثبيت مولد كهربائي كل كيلومترين أيضاً، وبسبب اختلاف الجهد الكهربائي بين المنازل والمصانع أجبر إديسون على اعتماد خطوط كهربائية مختلفة لنقل الكهرباء.

في هذا التوقيت كان لدى تسلا رؤية جديدة نحو التيار المتردد الذي كان يدعوه “بتيار المستقبل”، غير أن إديسون رفض الاستماع إليه… لماذا؟

السبب هو خوف إديسون من خسارته العوائد المالية لبراءة اختراعات التيار المستمر التي كان يجنيها، إلا أنه كان يحاول أن يثبت وجهة نظره نحو التيار المستمر والمتردد بشكل علمي.

خلال صيف سنة 1884، رفض إديسون اقتراح تسلا، وطلب منه في المقابل العمل على تحسين أداء المولدات الكهربائية  واعداً إياه بمكافأة تقدر بنحو 50 ألف دولار، إن نجح في مرامه.

بعد أشهر من التعب تمكن نيكولا تسلا من إنجاز مهمته، ولهذا طالب إديسون بمكافأته، لكن بدل ذلك رفض إديسون تقديم أي مبلغ لمهندسه الصربي مؤكداً أن الأمر لم يكن سوى مزحة أميركية، وبدل ذلك عرض عليه زيادة أسبوعية لراتبه بنحو 10 دولارات فقط.

كان ذلك أكبر خطأ مهني في تاريخ إديسون، إذ سيكلفه غضب تسلا كثيراً، ذلك أنه سيرحل عن شركته، ليلتقطه لاحقاً المهندس ورجل الأعمال الأميركي جورج ويستينغهاوس، ليوظفه في شركته المنافسة، ومن هنا تبدأ ما عرف بـ”حرب التيارات”، التي سيربح فيه تسلا ويخسر إديسون.

هل كانت هذه هي القصة الخلافية الوحيدة في مسيرة إديسون، أم أن هناك قضية أخرى ترددت أخيراً عن علاقته، بإحدى الحضارات القديمة، وما قيل عن سرقته اختراع الكهرباء منها؟

إديسون وكهرباء المصريين القدماء

في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ظهرت صورة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وسرعان ما اكتسبت زخماً شديداً، وقد كانت تظهر نقشاً لمصباح كهربائي، قيل إن المصريين القدماء اخترعوه واستخدموه قبل آلاف السنين من توماس إديسون.

الصورة تظهر ثعباناً داخل أنبوب، وقد كتب من حوله “المصباح الذي كثيراً ما كان يضيء مصر قديماً”.

حملت وسائل الإعلام أقوالاً من نوعية أن “المصابيح صنعت قديماً جداً، وأن القول باختراع إديسون الكهرباء، أو حتى سرقته الفكرة من تسلا، لم تكن سوى كذبه ملأت الكتب والمقررات”.

هل كان هذا الادعاء بشكل أو بآخر صحيحاً؟

الجواب في واقع الأمر يعود بنا إلى دائرة البحث المعمق، لا سيما أن هناك كثيراً من الكتابات البحثية التي ترجع قصة تسلا والتيار الكهربائي المتردد، إلى جذور مصرية قديمة، حيث كانت له قراءات حول الأهرام كمولدات للطاقة تسري في الكون.

لم تكن الصورة التي راجت إعلامياً حقيقية عن المصباح الكهربائي الفرعوني، بل مجرد نقش رمزي يجسد نظرية خلق الكون وفقاً للمعتقدات المصرية القديمة، إذ يظهر ثعباناً داخل زهرة اللوتس.

الثعبان يشير إلى الإله سماتاوي، بحسب أستاذة علم الآثار المصرية إيمان أبو زيد، وهو موجود داخل زهرة اللوتس كناية عن “أن الأرض كانت مغطاة بالماء ثم ظهر التل الأزلي، ثم ظهر الإله الخالق وبدأت عملية الخلق. ويمثل التل الأزلي في النقش زهرة اللوتس”.

غير أن هناك دراسات بحثية معمقة أخرى تثبت استخدام المصريين القدماء المصابيح في بعض المدن التي لم تسكن لفترات طويلة، مما يدل على استخدام المصابيح في الإضاءة المنزلية، ومن أهم هذه المدن اللاهون ودير المدينة وتل العمارنة، حيث عثر في أحد منازل تلك الأخيرة على عديد من الأواني الصغيرة التي استعملت كمصابيح.

ويرصد خبير الآثار، مدير عام البحوث والدراسات العلمية والنشر العالمي بمناطق آثار جنوب سيناء عبدالرحيم ريحان معالم تؤكد أن المصري القديم ترك مناظر المصابيح مصورة على أحد مقابر تل العمارنة، وهي مقلدات للمصابيح التي كانوا يستعملونها في المنازل والقصور، حيث صورت العائلة الملكية في تل العمارنة في منظرين متماثلين وهي تتناول وجبة العشاء في القصر الملكي، ويلاحظ بجوارهم مصابيح وضعت على حوامل مرتفعة للانتفاع بضوئها إلى أقصى حد.

من هنا يدور الحديث مجدداً على مثلث “إديسون – تسلا – الفراعنة”، وإن يحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات الخاصة لسبر أغوار هذه الجزئية كما كثير من النقاط المثيرة، وربما المبهمة في حياة ومسيرة إديسون العلمية، وربما منها الجانب النفسي والاجتماعي الذي لم يتحدث كثر عنه حتى الساعة، ماذا عن ذلك؟

منهج إديسون العقلي للنجاح والإبداع

من أشهر وأهم العبارات التي تركها إديسون للآتين من بعده قوله “إن العبقرية واحد في المئة إلهام، وتسعة وتسعين في المئة جهد وعرق وتعب وكفاح”.

والثابت أن إديسون ترك ما يمكن أن نعتبره اليوم بلغة التنمية البشرية منهجاً وبديلاً للنجاح يساعد المرء على تحقيق أهدافه، إذ لم ينتقل من محاولة فاشلة لأخرى عشوائياً، بل كان يعدل تصميماته ويحسن أفكاره ليصل إلى التصميم المثالي.

ذكر إديسون في حديث لمجلة “هاربر” عام 1890 “أصيغ عادة نظرية وأشرع في رسمها على الورق حتى تظهر عيوبها، وأرى أنها بلا جدوى، فأصرف النظر عنها على الفور وأطور نظرية غيرها”.

كان إديسون في كل خطوة يتخذ قرارات ذكية متلافياً العيوب التي اكتشفها في التصميمات السابقة ومستفيداً من النجاحات الطفيفة التي تحققت فيها.

وأشارت دراسة جديدة نشرت في دورية “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم” إلى أن هذه الطريقة في التفكير قد يستفيد منها أي شخص لتحقيق أهدافه أياً كانت.

تناولت الدراسة إحدى السمات التي اتصف بها إديسون، وهي “العقلية الاستراتيجية” أو “القدرة على استخدام التفكير الاستراتيجي في مواجهة التحديات”.

تنطوي العقلية الاستراتيجية، كما تجلت في حياة ومسيرة إديسون، على الميل إلى التحليل وتحسين الطريقة التي نستخدمها لحل المشكلات التي تواجهنا. وفي وقت يخط فيه البعض لأنفسهم مساراً معقداً ومتشابكاً ويصرون على انتهاجه إلى النهاية فإن أصحاب العقلية الاستراتيجية يبحثون دوماً عن طرق مختصرة وأكثر فاعلية نحو الهدف.

تقول باتريشيا شين، من جامعة سنغافورة الوطنية، إن هذه الطريقة في التفكير تساعد أمثال إديسون على توجيه جهودهم بكفاءة من دون هدرها، وقد أثبت بحث جديد أجرته تشين أن نجاح المرء أو فشله مرهون بطريقة التفكير.

ما الذي لا نعرفه عن إديسون؟

أول شيء، هو أن اسمه “إديسون”، وليس “أديسون” لا سيما أن الأخير هذا رجل طب شهير في تاريخ بريطانيا وليس المخترع الشهير.

تزوج إديسون مرتين في حياته، زوجته الأولى توفيت، وأنجب ستة أولاد، من مفارقات القدر أن اثنين فقط منهم أظهرا علامات النبوغ والتفوق، واحد سجل 80 اختراعاً، وكأنه كان يستلهم روح والده في عالم المخترعات والمكتشفات، فيما الثاني وصل إلى منصب حاكم ولاية نيوجيرسي في أميركا، في حين بقي الأربعة الآخرون من دون أي إنجازات يذكرها التاريخ.

هل كان إديسون مسيحياً مؤمناً كعدد وافر من علماء الغرب؟

هنا تبدو الحقيقة مغايرة، فقد كان إديسون “ربوبياً”، أي يتبع المذهب الذي يقول بوجود رب وخالق للكون، وأن هذا أمر منطقي، ومن دون الحاجة إلى أديان أو أنبياء ورسالات سماوية، أو مذاهب وضعية، وهي جزئية مثيرة في الداخل الأميركي، المجتمع المؤمن والمتدين بطبيعته.

كانت علاقته بالمال والأعمال مثيرة، مما طرح علامة استفهام: هل كان إديسون رجل أعمال أم مخترعاً؟

مؤكد أن رغبته في تحصيل الأموال الطائلة لم تكن توارى أو تدارى مما جعل سهام النقد توجه إليه، باعتباره رجل أعمال منبت الصلة عن الاختراعات.

أما هو فوجهة نظره، التي يرى البعض فيها كثيراً من الوجاهة، أن الأموال لازمة لتساعد على إنتاج مزيد من المخترعات.

توفي إديسون ثرياً جداً، على عكس تسلا الذي مات فقيراً، وبقي الصراع بينهما على الأرض موصولاً حتى الساعة.