Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • تهافت كل انحياز يوسف بزي….المصدر: موقع المدن
  • مقالات رأي

تهافت كل انحياز يوسف بزي….المصدر: موقع المدن

khalil المحرر يونيو 20, 2025

 

بديهية معاداة إسرائيل، التي كلما قويت كلما انسحق الشعب الفلسطيني، وتوارت أي عدالة سياسية. إسرائيل بلا رادع تعني استباحة لبلادنا وحدودنا، بل لجغرافيتنا كلها ومصالحنا وطموحاتنا ومناعتنا الوطنية. والعداء معها انحياز لحقوقنا ولحقوق شعب فلسطين المعذب، ولمستقبل بلا ظلم. عداء قائم على طلب العدالة والحق لا على الإبادة والظلم.

لكن ذلك لا يعني انحيازاً آلياً وأعمى لكل من يعارض أو يخاصم أو يتلفظ بعداوة إسرائيل.

إذ كان من المخجل جداً الانحياز إلى صدام حسين في غزوه الكويت باسم فلسطين. فبضعة صواريخ سكود التي أطلقها على إسرائيل، لم تحجب حقيقة أننا أمام نظام ديكتاتوري وحشي قتل مئات الآلاف من العراقيين، وحاول إبادة الكرد بالسلاح الكيماوي، وشن حرباً عبثية على إيران دامت ثمانية أعوام، أهلكت نحو مليون إنسان، وقوضت قدرات العراق. أما كذبة أن طريق فلسطين تمر عبر الكويت، فهي أفضت إلى خراب الكويت والعراق معاً، وأهدرت مئات مليارات الدولارات واستجلبت القوات الأميركية والأطلسية إلى المنطقة، وأكسبت إسرائيل دعماً هائلاً منحها المزيد من القوة. وكانت تلك آخر “مغامرات” القومية العربية وخلاصاتها القاتلة.

الخاتمة المأسوية أتت بعد 12 عاماً من الموت البطيء للعراق، كان فيها صدام حسين يكثر من أنصابه وقصوره وهذيانه العظامي منجزاً مذبحته الكبرى بحق شعبه، خصوصاً الشيعة والكرد. وبدل تحرير فلسطين كان احتلال العراق.

والأكثر مدعاة للخجل، الانحياز للنظام الأسدي (الأب والإبن)، الذي باسم فلسطين أيضاً، حكم سوريا بالكثير من الدم والنار وفتك بالسوريين واللبنانيين والفلسطينيين أضعاف ما فعلته إسرائيل أحياناً. سجلُّ هذا النظام البائد هو الأسوأ ربما في تاريخ الأنظمة الاستبدادية العربية وأشدها تخريباً. كان الأكثر تمرساً في استثمار كلمة فلسطين على نحو خبيث ومؤذ لقضيتها. إلى حد أن السوريين الذين تحرروا أخيراً من الأسدية كفروا بكل القضايا جملة وتفصيلاً.

اليوم، يُطرح الانحياز إلى إيران، وفق المعادلة البائسة إياها: “كل من يُشهر عداءه لإسرائيل ننحاز إليه”. تماماً كما فعلت “جماهير” و”نخب” على امتداد 70 عاماً، فكان الوله بالقذافي وعمر البشير وبشار الأسد وصدام حسين والحوثي وأسامة بن لادن.. وصولاً إلى حسن نصرالله وعلي خامنئي.

وإيران الخمينية، ولاستدامة شرعيتها وبحثاً عن أداة تصدير ثورتها، وجدت ضالتها في فلسطين، شعاراً لحرب دينية (ومذهبية). فكان تفتيت العراق وخراب سوريا وتحطيم لبنان وتشظية اليمن، وإنهاك الدول العربية وترهيبها وابتزازها، وتصديع مجتمعاتها.

تاريخ وتذكير
شهد الشرق الأوسط تمدداً هائلاً للنفوذ الإيراني، عسكرياً وسياسياً، لا يمكن تجاهله أو نكرانه. بل أن إيران نفسها كانت تتباهى بمدى توسع هيمنتها وتأثيرها على دول وجماعات في المشرق العربي ومنطقة الخليج. وغالباً ما يظهر هذا “الحضور” الإيراني في الدول العربية مصحوباً باضطرابات سياسية داخلية وباشتعال حروب أهلية وطائفية، أو بنشوء ميليشيات فئوية وطائفية موالية لإيران تساهم في إضعاف الدولة الوطنية وفي تفاقم الانقسامات الأهلية والدينية.

وفي المقابل، أجج هذا التدخل الإيراني المتعدد المستويات، مشاعر قومية ووطنية عربية كما المشاعر المذهبية، المناهضة لإيران وللشيعة. وبالتالي، بين العداء والولاء، باتت الجغرافيا العربية أرض فتنة تنبش الماضي السحيق بكل ما فيه من ضغائن وثارات وأساطير، لا تُبقي بشراً ولا حجراً.

فما الذي كانت تسعى إليه إيران من وراء هذا التدخل الواسع؟ هل هو مشروع قومي يستأنف طموح نظام الشاه السابق لجعل إيران دولة إقليمية كبرى؟ أم هو مشروع ديني أصولي يحلم باستعادة الامبراطورية الإسلامية الممتدة من الصين إلى الأندلس؟ أم هو مشروع الأيديولوجيا الخمينية في “تصدير الثورة” إلى دول الانتشار الشيعي؟ أم أن إيران – حسب شعاراتها – سعت إلى تحرير الشعوب الشرق الأوسط من التبعية للغرب ومن هيمنة الامبريالية الأميركية وتجد الطريق نحو القدس وتزيل دولة إسرائيل؟ أم ببساطة، النظام الإيراني يختلق عداوات خارجية لإدامة سلطة الملالي و”حرسها الثوري”؟

في كل الأحوال، ومهما تعددت الأسباب، كان يُطرح السؤال: ما السبيل للحد من هذا التدخل ووقفه؟ وهل من أمل باستعادة المجتمعات العربية لتوازنها وسلمها الأهلي واستقلالها السياسي؟ وهل العرب والإيرانيون محكومون بالعداء المطلق، أم حان الوقت لحوار حقيقي بينهم، توصلاً إلى التعايش رغم الاختلاف، بل إلى علاقة تكاملية في المصالح، تليق بأحلام التنمية والازدهار لشعوب المنطقة؟

البذور السامة والحصاد المّر
العراق: عام 1981 وفي عز الحرب العراقية الإيرانية، أنشأت إيران معسكراً تدريبياً للمعارضة الشيعية العراقية، منه انطلق “فيلق بدر”، ومقاتلو حزب “الدعوة”، الذين أخذوا على عاتقهم ابتداء من العام 1982 مهمة إسقاط نظام صدام حسين البعثي. الثمرة الأولى: أول تفجير انتحاري بسيارة مفخخة تدمر السفارة العراقية في بيروت.

لبنان: في صيف العام 1982، وصل متطوعون إيرانيون من “الحرس الثوري” إلى شمال سهل البقاع اللبناني بتسهيل من الدولة السورية، بحجة المشاركة في التصدي للاجتياح الإسرائيلي الذي كان يحاصر بيروت آنذاك. ومن معسكر “الحرس الثوري” هذا بالقرب من مدينة بعلبك، ستنطلق الخلايا العسكرية الأولى لما سيعرف لاحقاً باسم “حزب الله”، الذي سيتحول إلى أكبر قوة عسكرية غير رسمية في الشرق الأوسط، ويخوض حروباً عدة مع إسرائيل، ويتورط في نزاعات داخلية دامية وحروب إقليمية كثيرة، وسيتحول “دولة داخل الدولة” في لبنان.

فلسطين: عند انتصار الثورة الإيرانية مطلع العام 1979، تقطع إيران علاقاتها بإسرائيل وتفتتح في طهران سفارة فلسطين، ويعلن الخميني بداية الاحتفال السنوي بـ”يوم القدس”، ما ألهب مشاعر العرب والفلسطينيين خصوصاً، لتبدأ علاقات حميمة بين النظام الإيراني الجديد ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكن سرعان ما ستنحاز إيران إلى دعم وتمويل حركة “حماس” الإسلامية، الناشئة نهاية العام 1987، كما ستدعم بسخاء حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين التي تأسست مطلع الثمانينات تأثراً بالثورة الإسلامية الإيرانية. هذا التأثير الإيراني، المادي والمعنوي، سيسهم بإضعاف شرعية منظمة التحرير، بل وسيغير طبيعة الصراع ومضمونه بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل، من صراع قومي من الممكن الوصول به إلى حل عادل، إلى صراع ديني لا نهاية له.

البحرين: ظلت إيران تعتبر البحرين جزءاً منها حتى العام 1969 عندما صوّت البحرينيون في استفتاء عام تحت إشراف الأمم المتحدة على استقلال بلادهم، الذي نالوه من بريطانيا عام 1971. ولأن أكثرية السكان من الشيعة، فقد بدأت بعد الثورة الإيرانية سلسلة من الاضطرابات والقلاقل داخل المملكة، ولجأت السلطات إثرها إلى نفي عدد من الناشطين والمعارضين ومنعت مواطنيها من السفر إلى إيران. وعام 1996، تكتشف السلطات البحرينية حزباً سرياً باسم “حزب الله – البحرين” يعمل على قلب النظام. ورغم تحسن العلاقات فيما بعد، فإن الحراك الاحتجاجي الشعبي في البحرين عام 2011، سرعان ما سيتحول إلى حجة إيرانية للتدخل اليومي سياسياً وأمنياً وإعلامياً، تحت شعار رفع المظلومية عن “الشيعة”.

اليمن: “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. تحت هذا الشعار خاضت حركة “أنصار الله” أو الحوثيون، أتباع المذهب الزيدي، ستة حروب ضد نظام علي عبدالله صالح. الحرب اليمنية الأخيرة كأنها حرب إيرانية – سعودية على أرض اليمن. وهي أفضت اليوم إلى تشظي اليمن.

مصر: في العام 2010 تكتشف السلطات المصرية وجود خلايا لـ”حزب الله”، تخطط لعمليات إرهابية في منطقة قناة السويس. قبلها وبعدها، السلطات المصرية تشتبه بنشاطات تهريب أسلحة إيرانية عبر السودان إلى عمق مصر فسيناء وصولاً إلى غزة. كما تكتشف نشاطاً دعوياً لنشر المذهب الشيعي في البلاد.

الكويت: عام 1983 يقوم “حزب الدعوة” المدعوم من إيران بسلسلة تفجيرات تستهدف مؤسسات كويتية ومقرات ديبلوماسية أجنبية. عام 1984 يقوم “حزب الله” بخطف طائرة كويتية، ويتكرر الأمرعام 1988. عام 1985، محاولة اغتيال أمير البلاد على خلفية دعم الكويت للعراق في الحرب ضد إيران.

السعودية: يعتبر تفجير “الخبر” عام 1996، ذروة العمليات الإرهابية الكبيرة التي تعرضت لها المملكة السعودية وقام بها “حزب الله الحجاز” الشيعي الموالي لإيران. وتعاني السعودية من اضطرابات دائمة في منطقتها الشرقية حيث غالبية السكان من الشيعة. وتتهم السلطات السعودية إيران بتحريض ودعم جماعات شيعية محلية.

سوريا: بدأت العلاقة الاستراتيجية بين سوريا وإيران منذ وصول آية الله الخميني إلى السلطة 1979. وأعلنت سوريا في زمن حافظ الأسد، ومنذ اللحظة الأولى وقوفها إلى جانب إيران أثناء حربها ضد عراق صدام حسين. هذا الموقف المعاكس لإرادة مجمل الدول العربية لا يُفسر بالضغينة الشخصية بين الرئيسين البعثيين فقط ونزاعهما الحزبي المديد، بل أن حافظ الأسد وطائفته العلوية اتخذا خياراً وجودياً مرتبطاً بالدولة الشيعية في إيران.

ربما لهذا السبب يمكن اعتبار التدخل الإيراني المباشر في سوريا منذ العام 2011، الأكثر سفوراً ووضوحاً. فمن وجود نخبة ضباط “الحرس الثوري”، إلى دعم النظام بمليارات الدولارات، إلى إنشاء جسر جوي عسكري، إلى تعبئة آلاف المتطوعين الأفغان والباكستانيين والعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين وإرسالهم علناً إلى ساحات القتال، إلى قيادة قاسم سليماني ما يسمى بـ”فيلق القدس” الذي خاض المعارك من بغداد إلى الحدود اللبنانية والجولان.

خلال ثلاثة عقود يمكن سرد مئات الوقائع السياسية والأمنية التي تدل على سعة التدخل الإيراني وفداحته في شؤون دول المشرق العربي والخليج. وبغض النظر عن الدوافع الأيديولوجية أو الدينية.. فواقعياً وعملياً، لا يمكن تفسير هذا التورط العميق إلا بوصفه سياسة توسعية وطموحاً امبراطورياً للهيمنة على مصائر شعوب المنطقة ومواردها.

هل قدر إيران “ولاية الفقيه” أن تؤسس كياناً سياسياً (أشبه باتحاد سوفياتي جديد) يجمع الشيعة ويسيّدهم على جغرافيا تمتد من حدود أفغانستان إلى شواطئ المتوسط، ومن بحر قزوين إلى البحر الأحمر؟ وهل هذه هي حقاً رغبات الجماعات الشيعية في البلاد العربية؟ بل هل هي رغبة الشعب الإيراني أصلاً؟ أم أنها عقيدة سياسية تخص فقط أركان النظام الإيراني – كحزب شمولي حاكم – من “باسيج” و”باسدران” ومنظومة رجال الدين (الملالي) تعمل على استدامة سلطتها عبر “الحروب المقدسة”، تماماً كما فعل شعار “تحرير فلسطين” في تأبيد الأنظمة القمعية العربية؟ هل قدرات إيران ومواردها البشرية والمادية متناسبة مع هكذا غايات وأهداف؟

ما هو “محور الممانعة” الذي تتباهى به إيران؟ بل ما معنى “الممانعة”؟

هل حقاً أن علاقة العرب والفرس اليوم تتحكم بها خلفيات ثأرية تاريخية ابتدأت منذ “الفتح الإسلامي” وتجددت بالصراع الشعوبي في الحقبة العباسية، واستمرت مع الصراع العثماني – الصفوي، وظهرت مرة أخرى مع الطموح الشاهنشاهي الامبراطوري؟ أم أن إيران تشعر بمسؤولية أخلاقية وثقافية وسياسية تجاه المجموعات الشيعية العربية، التي إما تشتكي من “مظلومية” تاريخية أو من غبن سياسي أو اضهاد مذهبي، يحتّم على إيران التدخل لحمايتها والذود عنها؟ أم أن الخلفية التاريخية وسردياتها العرقية أو المذهبية ليست إلا “خطاباً” أيديولوجياً للتعبئة والتحريض، وإن “معاناة” الشيعة العرب لا تنفصل عن معاناة سائر المكونات الوطنية في الظلم والقمع وغياب مبدأ المشاركة السياسية، وأن ما يتحكم بالعلاقات الإيرانية – العربية هو تضارب المصالح والسياسات بمعناها المعاصر؟

هل دوافع إيران الحقيقية ليست موجهة ضد العرب بل العكس هي تضحي من أجلهم وتنقذهم من حروبهم الداخلية وفتنهم الطائفية وانهيار دولهم الوطنية ومن الغزو الأجنبي الأميركي وتساعدهم في نهاية المطاف على تحرير فلسطين واقتلاع “الكيان الصهيوني”؟

في المحصلة، يقال أن الباب المفتوح لا يحتاج منك أن تخلعه، وأبواب المجتمعات العربية مشرّعة لدخول أي كان إليها. بهذا المعنى، كان السلوك الإيراني طبيعي وبديهي وليس استثناءً.

ثورة دائمة أم حروب متناسلة؟
في العام 2005، انتهت ولاية محمد خاتمي الرئاسية، وانتهت معها مرحلة التطبيع الدبلوماسي والسياسة العقلانية الهادئة بين إيران والدول العربية. وكان الغزو الأميركي قد أطاح بحكم طالبان في أفغانستان (2001) وبحكم صدام حسين في العراق (2003). إيران التي شعرت بذلك أنها تخلصت من عدوين لدودين، عرفت في الوقت نفسه أنها باتت مطوقة بالجيوش الأميركية شرقاً وغرباً. تزامن هذا مع بداية انكشاف برنامج إيران النووي السري. في هذا الوقت، يواجه “حزب الله” والنظام السوري الحليف انتفاضة شعبية سلمية في لبنان ضد الوصاية السورية، وضغوطاً دولية هائلة لتنفيذ القرار الأممي 1559، الذي يقضي بإنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان وحل ميليشيا “حزب الله” خصوصاً.

إيران التي تشعر بالخطر، ترفع بقيادة أحمدي نجاد شعار “محور الممانعة”. فجأة تنبعث حركة “طالبان” كقوة مقاومة ضد الأميركيين في حرب استمرت إلى وقت قريب. وفي العراق، سريعاً ما ستنقلب بعض الجماعات الشيعية وتنخرط بـ”مقاومة الاحتلال الأميركي”. هذه المقاومة التي بدأتها مجموعات البعثيين وضباط الجيش المنحل وجماعات سنية متشددة، ستجد دعماً إقليمياً متعدد الجهات. وبين “المقاومتين” الشيعية والسنية سيتحول العراق إلى ساحة لأعنف حرب طائفية، وسيفشل المشروع الأميركي في بناء دولة حليفة ونموذجية للمنطقة. مع الانسحاب الأميركي واستتباب السلطة للشيعة، يتحول العراق في عهد نوري المالكي (2006- 2014) إلى محمية إيرانية بامتياز.

أما في لبنان، وبعد مسلسل اغتيالات دموية طالت قادة سياسيين ومثقفين وإعلاميين، فإن “حلف الممانعة” سيذهب إلى الحرب مع إسرائيل عام 2006، تنتهي بدمار البنية التحتية للبنان، ونجاح “حزب الله” في تجنب الهزيمة، فيستثمر “انتصاره الإلهي” انقلاباً سياسياً تحت تهديد إشعال حرب أهلية، توّجه في العام 2008، بفرض هيمنته التامة على القرار السياسي للدولة اللبنانية، لتكون بيروت بعد بغداد ثاني العواصم العربية التي تخضع للوصاية الإيرانية.

في فلسطين، وفي العام 2006 أيضاً، تقوم حركة “حماس” المدعومة من إيران و”حزب الله” (وتنظيم “الإخوان المسلمين”) بانقلاب دموي على السلطة الفلسطينية في غزة، وتسيطر على القطاع، لتكرس انقساماً أهلياً وسياسياً بين الفلسطينيين مستمراً حتى اليوم. تخوض “حماس” ثلاثة حروب مع إسرائيل (2008- 2012- 2014). يتباهى “محور الممانعة” ( إيران و”حزب الله” وسوريا) بالدعم اللوجيستي والمالي لحركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وأن هذا المحور نجح في إفشال عملية السلام أو التسوية العربية الإسرائيلية.

هكذا ارتسم “الهلال الشيعي” لأول مرة مرئياً من العرب والعالم، في قوس أو محور يبدأ من طهران ويمر من بغداد ودمشق ويصل إلى بيروت وغزة.

لكن إيران المنتشية بتلقف العراق وتعثر أميركا شرقاً وغرباً وبهيمنة “حزب الله” على لبنان، وبإحكام بشار الأسد قبضته على سوريا بعد ربيع دمشق الأول (2000-2001)، وبإمساكها القضية الفلسطينية، وبتأييد شطر وازن من شيعة لبنان والبحرين والكويت والسعودية لها، كما هي المنتشية بتسارع نجاح برنامجها النووي وبأسعار النفط المرتفعة.. ستواجه سلطتها “الثورية” أخطر تحد داخلي لها: الثورة الخضراء.

في العام 2009، سيكتشف العالم والعرب خصوصاً إيراناً أخرى، مجتمعاً حياً يريد الحياة الكريمة لا الموت، الديموقراطية لا الاستبداد، العدالة لا القمع. سترتفع شعارات لا تقول “الموت لأميركا”. شعارات مدنية لا تطالب بالثأر لدماء الحسين. شبان وشابات وسكان مدن إيران خصوصاً ينزلون إلى الشوارع في انتفاضة سلمية تبدو في مضمونها العميق ضد سلطة “ولاية الفقيه”، ضد هيمنة “الحرس الثوري” على الحياة العامة وعلى المؤسسات الاقتصادية، وضد تسلط رجال الدين على الحياة الاجتماعية والثقافية.

على الرغم من نجاح السلطة الإيرانية في قمع الحركة الاحتجاجية، إلا أن ما عبّرت عنه تلك الثورة ليس مجرد احتجاج عابر، بل هو على الأرجح راسخ في المجتمع الإيراني، الذي بات بأغلبيته يصوّت باستمرار لـ”الإصلاحيين”.

هكذا تبدو إيران دولتين، أو سلطة من طبقتين: الجمهورية برئاستها ومجلس وزرائها وبرلمانها، و”ولاية الفقيه” بحرسها وشرطتها ومخابراتها السرية. الإدارة لسلطة منتخبة تستمد شرعيتها من الشعب، أما الأمر والقرار فلسلطة متعالية تستمد شرعيتها من “إمامة” معصومة وإلهية. “الثورة الخضراء” عبرت عن الصراع بين هاتين السلطتين، وعن شدة المنازعة بين إرادة الجمهورية وإرادة الثورة الخمينية المستمرة.

أزمة 2009، كشفت عن نقص أو نزيف في شرعية النظام الإيراني وعن تبرم المجتمع الإيراني من الكبت السياسي. لذا، وتعويضاً عن هذا النقص ستندفع السلطة في برنامجها النووي وتحدي المجتمع الدولي وإعادة تعبئة الإيرانيين بوجه “تآمر العالم” عليهم، كما ستندفع أكثر نحو القضايا الخارجية تغطية على أزمتها الداخلية.

بهذا المعنى لا بد من طرح أسئلة عدة: ما هي ولاية الفقيه؟ ما هما الباسيج والباسدران وبما يتميزان عن الشرطة والجيش؟ هل “الإصلاحيون” يعارضون حقاً فكرة تصدير الثورة والتورط في حروب أهلية طائفية، أم أنهم يرون في ذلك فرصة استراتيجية لتوسيع مصالح إيران وتنمية قدراتها وتأمين مجالها الحيوي في وسط آسيا وغربها؟ كيف ينظر المجتمع الإيراني إلى العرب عموماً وإلى الشيعة العرب خصوصاً؟ لماذا تصدّر إيران الثقافة الدينية المذهبية، في حين أن الثقافة الإيرانية المعاصرة والسائدة في طهران، تكاد تكون مختلفة جذرياً، في الموسيقى والفنون التشكيلية والشعر والمسرح والأدب والسينما؟

في المقابل، هل نظرة الشيعة العرب إلى إيران واحدة؟ هل تم تجاوز التباينات الفقهية بين التشيع الصفوي والتشيع العربي؟ وأصلاً هل يشكل الشيعة العرب جسماً سياسياً واحداً يدين بالولاء لـ”ولاية الفقيه”، أم أنهم يستنجدون ويستقوون بإيران على حكوماتهم الوطنية لأسباب مختلفة؟

أليس من المنصف القول أن التدخل الإيراني في الدول العربية له مبررات أكثر من التدخلات الأخرى (التركية والأوروبية والأميركية والروسية والإسرائيلية..إلخ)، وله شرعيته مثل شرعية التدخل السعودي أو المصري أو القطري أو الإماراتي في شؤون الدول العربية الأخرى؟ أم أن السياسة الإيرانية لا يمكنها إلا التسبب بفتنة مذهبية وبانهيار السيادة الوطنية أينما تدخلت؟

إن نظرة شاملة إلى ساحات “الوجود” الإيراني المباشر وغير المباشر ترسم صورة وافية عن ما حصدته إيران وجناه العرب:

اليوم، في اليمن، مرت أعوام على الحرب المدمرة. كيف تطورت علاقة إيران بالحوثيين، سياسياً ودينياً، ثم عسكرياً ومالياً؟ هل تحول الزيديون إلى المذهب الإثني عشري؟ هل شعار تحرير مكة من الوهابية واقعي أم أن لإيران أهدافاً أخرى؟

في سوريا، وبعد 14 عاماً من الثورة والحرب، ورغم أن التدخل الروسي هو الذي أنقذ النظام من السقوط حينها، إلا أن المدد الإيراني غير المحدود مالياً وعسكرياً وبشرياً هو الذي أتاح للنظام الصمود طيلة سنوات. واتخذ الوجود الإيراني في سوريا، والميليشيات المتعددة الجنسيات الموالية له، طابع حرب دينية مقدسة تحت شعار “لن تسبى زينب مرتين” والثأر من أحفاد يزيد ومعاوية، أي الأغلبية السنية. وترتب على هذه الحرب تغييراً ديموغرافياً هائلاً مع نزوح حوالى نصف سكان سوريا إلى الدول المجاور والأوروبية. وجرت عمليات وضع يد واستملاك واسعة النطاق على الأراضي والعقارات شملت بلدات وأحياء وضواحي مدن وقرى وأراض زراعية بهدف توطين جماعات شيعية فيها، كما تم إنشاء مؤسسات دينية واجتماعية وتربوية وصحية بتمويل إيراني، استئنافاً لحركة التشيع التي بدأت في سوريا قبل عقدين من الزمن. لقد كان هذا “احتلالاً” طمع بتغيير هوية سوريا ونسيجها، بما يتوافق مع قول بشار الأسد رداً على موضوع نزوح ملايين السوريين: “الآن بات المجتمع السوري أكثر انسجاماً وتماسكاً” وبما يرهن سوريا لإيران إلى الأبد؟

العراق الذي خاض الفصول الأخيرة من حربه على “داعش”، سيخرج منها وأمامه استحقاقات صعبة: السكان السنّة يشعرون بالمهانة والهزيمة وبأنهم أقلية مضطهدة. العملية السياسية لتحقيق الوفاق الوطني غائبة. ميليشيا الحشد الشعبي بقيادة الحرس الثوري الإيراني، ستعود إلى بغداد وتطالب بثمن لتضحياتها، تماماً كما فعل “حزب الله” في لبنان بعد العام 2000. الأحزاب الشيعية التقليدية وفساد الإدارة وضعف الحكومة المركزية، ستدفع جميعها هذا الثمن لصالح من يحمل السلاح وراية النصر وصور الشهداء. هكذا تحتل صورة خامنئي الفضاء العراقي.

عاش لبنان أسوأ عهوده منذ أن هيمنت عليه تسوية قائمة على نظرية “حزب الله” عن “الديموقراطية التوافقية”، حيث آلية إنتاج السلطة وصوغ السياسة الداخلية والخارجية وقرار الحرب والسلم، بقي عملياً وفعلياً بيد “حزب الله” الذي يرتبط ارتباطاً عضوياً لا بالدولة الإيرانية وحسب بل بنواتها الصلبة أي ولاية الفقيه والحرس الثوري. كان قادراً عبر ابتزاز اللبنانيين بسلمهم الأهلي أن يفرض مشيئته على وجهة لبنان وسياساته العامة. وهذا ما عطل ديناميكية النظام اللبناني، وهدد توازناته الداخلية الهشة وصادر عليه علاقاته ومصالحه الخارجية مع العالم العربي ومع دول العالم. هذا عدا عن أن احتكاره للسلاح غير الشرعي الذي أفسد على نحو مفجع علاقة الشيعة اللبنانيين بجميع الطوائف الأخرى، وراكم المخاوف والضغائن والأحقاد والكراهية الطائفية والمذهبية.

وهكذا، وبإسهام إيراني كبير، نحن أمام مجتمعات ما قبل الهوية الوطنية غارقة في هويات دينية وإثنية ومذهبية وجهوية، أسيرة الماضي والتاريخ.

مستقبل أفضل أم تكرار للتاريخ؟
الحروب المتناسلة والمتسلسلة في الشرق الأوسط، في العقدين الأخيرين كانت إلى حد بعيد سنية – شيعية، عربية – إيرانية، لكنها أيضاً وضمناً كانت حروباً ضد الثورات. هي حرب النظام الإيراني ضد وعود “الثورة الخضراء”، هي حرب الأنظمة العربية ضد طموحات “الربيع العربي”، هي حرب الإسلام السياسي بشقيه السنّي والشيعي ضد مطلب الحرية والكرامة والمساواة والعدالة والديموقراطية، ضد الوعي المدني والجندري والبيئي، ضد عولمة حقوق الإنسان وقيم التسامح والتعايش والانفتاح.

الشعوب التي لديها هذه الأحلام تعرف أن المستقبل هو التلاقي، وهي لا تختلف في تجربتها عن تجارب الشعوب الأخرى التي تحاربت طويلاً في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا. الشرق الأوسط ليس استعصاء تاريخياً أكثر مما كانته منطقة البلقان، أو منطقة جنوب شرق آسيا.

إن أسوأ ما في العلاقة العربية – الإيرانية هو انعدام التعارف، وبالتالي انعدام الثقة. فبعيداً عن السرديات التاريخية التي توظفها الأيديولوجيات الحاكمة، لا يعرف الإيرانيون ولا العرب ثقافة بعضهم البعض، ما من ترجمة فعلية متبادلة في الآداب، ما من تبادل في الموسيقى والمعارض الفنية والمسرح. السينما العربية غير معروفة لديهم، فيما السينما الإيرانية تصل إلى العرب بعد الاحتفاء بها في العالم. المشترك الثقافي التراثي بين الشعوب الإيرانية والعربية بالغ السعة والتشابك، وهو أهم وأكبر بكثير من أسباب العداء. تجربة الانفتاح التجاري والسياحي والثقافي، التركي العربي، مثال يحتذى هنا.

والأمل هناك، في التغيير الإصلاحي العميق داخل الدول العربية، وداخل إيران، مع أجيال جديدة طالعة من مرارة التجارب الدامية ومتحررة من الأساطير الأيديولوجية المميتة.

لكن هذا المسار ليس سهلاً ولا مفتوحاً الآن، فللأسف الشعوب تتعلم دروسها من أطول الطرق وأكثرها وعورة ومشقة.

 

Continue Reading

Previous: “ذا ناشيونال”: غياث دلة طلب دعماً من إيران لإعادة بناء نفوذها في سوريا.المصدر:موقع تلفزيون سوريا
Next: إسقاط النظام الإيراني بات وشيكا نستطيع القول أن قرار إسقاط النظام قد اتخذ لكن لم يبدأ العمل بهالمصدر:أسامة المصري – العربي القديم

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

الحرب الإسرائيلية الإيرانية والسيناريو الأفضل . المصدر:الترا سوريا) فيصل علوش

khalil المحرر يونيو 20, 2025
  • مقالات رأي

هل ينجو لبنان؟ عارف العبد………. المصدر: موقع المدن

khalil المحرر يونيو 20, 2025
  • مقالات رأي

محادثات جنيف.. هل تنجح الترويكا الأوروبية بمنع “السيناريو الاسوأ”؟المصدر:المدن – عرب وعالم

khalil المحرر يونيو 20, 2025

Recent Posts

  • الحرب الإسرائيلية الإيرانية والسيناريو الأفضل . المصدر:الترا سوريا) فيصل علوش
  • مسؤولون بالبنتاغون: تدمير فوردو قد لا يكون ممكنا الا بسلاح نووي تكتيكي…. المصدر:لبنان الكبير
  • هل ينجو لبنان؟ عارف العبد………. المصدر: موقع المدن
  • ما الذي يجعل منشأة “فوردو” النووية هدفاً بالغ الحساسية؟…المصدر: لبنان الكبير
  • محادثات جنيف.. هل تنجح الترويكا الأوروبية بمنع “السيناريو الاسوأ”؟المصدر:المدن – عرب وعالم

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • الحرب الإسرائيلية الإيرانية والسيناريو الأفضل . المصدر:الترا سوريا) فيصل علوش
  • مسؤولون بالبنتاغون: تدمير فوردو قد لا يكون ممكنا الا بسلاح نووي تكتيكي…. المصدر:لبنان الكبير
  • هل ينجو لبنان؟ عارف العبد………. المصدر: موقع المدن
  • ما الذي يجعل منشأة “فوردو” النووية هدفاً بالغ الحساسية؟…المصدر: لبنان الكبير
  • محادثات جنيف.. هل تنجح الترويكا الأوروبية بمنع “السيناريو الاسوأ”؟المصدر:المدن – عرب وعالم

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

الحرب الإسرائيلية الإيرانية والسيناريو الأفضل . المصدر:الترا سوريا) فيصل علوش

khalil المحرر يونيو 20, 2025
  • الأخبار

مسؤولون بالبنتاغون: تدمير فوردو قد لا يكون ممكنا الا بسلاح نووي تكتيكي…. المصدر:لبنان الكبير

khalil المحرر يونيو 20, 2025
  • مقالات رأي

هل ينجو لبنان؟ عارف العبد………. المصدر: موقع المدن

khalil المحرر يونيو 20, 2025
  • الأخبار

ما الذي يجعل منشأة “فوردو” النووية هدفاً بالغ الحساسية؟…المصدر: لبنان الكبير

khalil المحرر يونيو 20, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.