. أحمل درجة الدكتوارة في الصحة النفسية، و أحب عملي جداً ،بل امارسه كهواية .
انا أيضا كاتب و قاص أكتب المقالات و القصص القصيرة و لي كتب منشورة شاركت في معارض عالمية للكتاب وقد جابت قصصي عواصم مختلفة ،و كتبتُ عشرات المقالات المنشورات على مواقع مختلفة _يمكنكم البحث عنها_
أعتز بعضوية الاتحاد العام للكُتاب و الأدباء الفلسطينيين.
و أهوى التصوير و شاركتُ مؤخراً في معرض للصور بلندن بصور من الحياة اليومية لغزة تحت الحصار.
لي بيت جميل تبلغ مساحته ٢٠٠م٢ أعتنيت جداً في تفاصيل بنائه ، في داخله مكتبة تحتوي على ٨٧٨ كتاب أحفظ أسمائها كما احفظ اسماء أطفالي ، الكتب فيها مبعثرة ،لكن يمكن ليدي ان تصل لأي منها إن احتجته حتى في الظلام .
في العاشر من أكتوبر الماضي أي ثالث يوم الحرب انقلبت حياتي رأساً على عقب.
دمرت الطائرات المقاتلة البيت و حولته إلى ركام و ضاعت كتبي بين الحجر و الحديد .
و أمسيت انا و أسرتي مُشردين نبحث عن مأوى نحمي به أجسادنا و أحلامنا من شظايا القصف .
و انفصلت عن أسرتي الكبيرة و قطعت الحرب الاتصالات معهم .
الآن و بعد أكثر ستين يوم من الحرب أعيش مرة أخرى تجربة اللجوء التي عاشها أجدادي قبل ستة و سبعين سنة ،و قد سجلتُ في مدرسة للنازحين .
أصلي الفجر ثم أسير في الظلام ،تنبح علينا الكلاب الظالة ،و يعضنا البرد القارص، أحمل في يدي عبوات كبيرة و أتوجه لمحطة المياه ،أصطف في طابور طويل جداً يقول الرجل الأول فيه انه أتى هنا منذ منتصف ليل الأمس.
بعد ساعتين أحصل على ٣٢ لتر تقريباً من المياه، أحمل عبواتها بيدين مُجردتين و أعود لاهثاً لمكان لجوئي بعد قطع مسافة تصل إلى كيلو متر .
أغسل وجهي بكوب صغيرة من الماء و أعطي تعليمات مُشددة لأسرتي بأن يحافظوا على كل قطرة ماء ليكفي الماء للشرب و الطبيخ و النظافة لليوم التالي .
ثم أشعل الحطب_الباهض الثمن_ و أعد الشاي _ بعد انقطاع القهوة _ أشرب الشاي و أتناول فطوري ثم أتوجه للعمل في عيادة الصحة النفسية بالحي الذي نزحت إليه .
في طريق العودة قد أقف في طوابير أخرى للحصول على قليل من ( الملح،السُكر،الخميرة، الدقيق، الأرز… و أشياء بسيطة و سخيفة جداً يمكن لأي ريبوت القيام بها في العالم ابن القحبة)
أعكف هذه الأيام على كتابة رواية جديدة ، و أنتظر صدور مجموعتي الجديدة “رُبع رغيف” و التي وثقتُ فيها صعوبة حصول المواطن العربي على سُبل الحياة ،كما يحدث معنا الآن .
أقضي الليل تحت القصف في الكتابة على الورق و القراءة من الجوال .
و أنا كما قال سميح القاسم “لا أحب الموت لكني لا أخاف منه”
و أخشى يوما ما لأن أضطر لاستخدام الورق الذي أسجل عليه روايتي الجديدة في إشعال النار لإعداد الطعام لاطفالي ،فالحياة أولويات و الضرورة أحياناً لها أحكام كافرة .
نسيت أن أخبركم عن طابور طويل آخر أنتظم فيه لأشحن جوالي، لأعود بعد ست ساعات أصطف في ذات الطابور لأستلمه . يكون قد شحن فيها شحنة(٦٨%) في أحسن الأحوال قد لا تكفيني إلى ما تبقى من ليل طويل جدأ جداً جداً .
أحب الحياة و الكتابة و كتب الصحة النفسية و الفلسفة و الأدب و التاريخ و المذكرات و السير الذاتية ،و أعشق رائحة العطر و القهوة _ التي صارت مستحيلة بفعل الحرب _
قبل الحرب كنت أمشي لمدة ساعة و نصف مشوراً يومياً من البيت إلى البحر بصحبة محمود درويش و أم كلثوم.
أشتاق للحياة التي كنت و ما زلت أحبها .. لكن الحرب حولتها إلى مستحيل .
أسجل هذا النص فجر اليوم الثامن و الستين للمذبحة و كلي أمل بالعودة لليوم السابق للسابع من أكتوبر.
و لأقول للعالم الذي ما زال يستمتع خلف الشاشات العملاقة بالنظر إلى عداد الضحايا الذي تجاوز حتى كتابة هذه الشهادة حاجز ال٢٠ ألف : أننا لسنا أرقام فكل واحد فينا قصة و كل قصة تحمل معها عشرات الأبطال المشاركين في صياغة البداية و العقدة و النهاية .
و لأردد ما قاله محمود درويش ” على هذه الأرض ما يستحق الحياة ” و نحن نستحق الحياة رغم كل هذا العبث .
عاش الفلسطيني أينما حل عظيماً (حياً و ميتاً) و مات من خذله صغيراً (حياً و ميتاً).