كشفت صحيفتا «صباح» و«يني عقد» وصحف تركية أخرى، قبل أيام، عن تزايُد تملُّك العديد من الإسرائيليين واليهود من جنسيات أخرى مختلفة، عقارات سكنية وأراضٍ في «جمهورية شمال قبرص التركية». ووفق «صباح»، فإنّ عدد اليهود في قبرص بات يناهز الـ35 ألفاً من مجموع السكان البالغ عددهم 380 ألفاً فقط، أي ما نسبته نحو 10% من التعداد السكاني، فيما يمتلكون مجتمعين ما مجموعه 25 ألف دونم من الأراضي. وتقول الصحيفة إن الآلاف من مواطني إيران وروسيا وأوكرانيا وبولندا وإسرائيل، تملّكوا بالفعل بعد الحرب الأوكرانية، والآن بعد الحرب في غزة، عقارات في قبرص التركية، حيث يعمّ القلق من أن تكون إسرائيل على طريق وضع يدها على المنطقة عبر تكرار نموذج الاستيطان في الضفة الغربية، والاستيلاء على الأراضي تدريجيّاً. أيضاً، تُفيد الصحيفة بأن الأغنياء من الإسرائيليين، قد كثّفوا، بحجّة الحرب في غزة، عمليات شراء العقارات في قبرص التركية، ولا سيما في منطقة إيسكيلي الواقعة في منتصف الساحل الشرقي، حيث أسّسوا لهذا الغرض عشرات الشركات الخاصّة بالإعمار وبناء المجمّعات السكنية. وتبرز في مقدّمة هذه الشركات، شركة «سيزار دومينيكا» للإنشاءات، إذ تذكر «صباح» أن صاحبَيها، وهما شيمون عاكف آيقوت وابنه جاك، اشتريا آلاف العقارات والعديد من المجمّعات السكنية، علماً أنهما يهوديان يحملان الجنسية القبرصية التركية.كذلك، تنشط في الساحل الغربي شمالاً، في منطقة غازيفيرين الواقعة في خليج غوزيل يورت، شركة «إيفيرغرين» لصاحبها أميكام مرحوم، الذي جاء ابنه يوال من الولايات المتحدة، ليخلفه بعد وفاته في إدارة الشركة الناشطة المعنية ببناء المجمّعات السكنية في تلك المنطقة. أمّا في مناطق إيلغاز والصنجق ولابتا قارشي ياقا من ساحل غيرنه، فتنشط شركة «أوروكاست» لصاحبها بنزي فريدمان، وابنه ماور، وهما ليسا من مواطني قبرص التركية، بل ضابطان في الجيش الإسرائيلي. وتضيف الصحيفة أن العشرات من رجال الأعمال اليهود، من مواطني إيران وروسيا وأوكرانيا وبولندا، أسّسوا شركات مهمّتها شراء العقارات والأراضي، وأن عدد الشركات التي يملكها اليهود في قبرص التركية، يبلغ ألفَي شركة، بعضها ليس مسجّلاً بأسماء أصحابها الأصليين. ومن جهته، يروي أحد الملّاكين من القبارصة الأتراك، أن «كل الاستخبارات الأجنبية موجودة هنا. فقبرص التركية قريبة من إسرائيل ومن لبنان وسوريا وتركيا… المنطقة ساحة لتبييض الأموال القذرة».
«بعد حرب غزة، غادر 30 ألفاً إسرائيل إلى الخارج، معظمهم جاء إلى قبرص التركية»
وإذ انتشرت أخبار «الاستيطان اليهودي» في قبرص التركية، توجّهت صحيفة «صباح» إلى مسؤولي هذا البلد للوقوف على حقيقة ما يحدث، فأفاد رئيس الجمهورية، إرسين تتار، بأن حكومته «تحضّر بعض التشريعات القانونية التي تجعل الرقابة أكبر على مثل هذا النوع من عمليات البيع والشراء. والقانون سيوجِد حلّاً لمسألة التملّك، ولا داعي للخوف». أمّا رئيس حكومته، أونال أوستيل، فيقول، من جانبه، إن «قطاع البناء في قبرص التركية يكبر يوماً بعد يوم، ويحظى باهتمام الكثير من الأجانب وكل الوثائق عندنا. سوف يُنظّم هذا الأمر بقوانين جديدة». وبدوره، يلفت السفير التركي في قبرص التركية، متين فايزي أوغلو، النظر إلى المجمّعات السكنية ذات الطوابق المرتفعة، ولا سيما على ساحل إيسكيلي، إذ يوضح أنه «لم يبقَ تركي في المنطقة، فيما تزداد أعداد الروس والأوكرانيين والإسرائيليين والأرمن».
وإزاء ذلك، يرى الصحافي صباح الدين إسماعيل، أنه «إذا استمرّت وتيرة شراء العقارات والشقق من قِبَل اليهود، فسيكتمل، في السنوات العشر المقبلة، «الاحتلال الصامت» المستمرّ منذ عشرين سنة، لقبرص التركية». ويبيّن إسماعيل أن اليهود، خصوصاً، «يشترون العقارات بأسعار فلكيّة، ويؤسّسون شركات عبر أشخاص ومحامين أتراك ولا يسجّلونها بأسمائهم ولا يبلغون بها الإدارات الرسمية. وهم يخفون أسماء أصحاب الشركات الإسرائيليين ومحاميهم وشركائهم»، مؤكداً أن «العديد من أصحاب الشركات هم من الإنكليز، والأرجح أنهم من اليهود الإنكليز، ومعظمهم يحمل الجنسية الإسرائيلية. غالبية أصحاب الشركات الأجنبية هم من اليهود الذين أعطتهم السلطات هنا الجنسية القبرصية التركية». أيضاً، تنبّه «صباح» إلى أن «رئيس وزراء قبرص التركية يقول إن الوضع لا يستدعي القلق. ولكن بعد الكشف عن هذه المعلومات، نأمل في أن يدرك أوستيل أن الوضع خطير جدّاً ويستدعي القلق».
وكان النائب عن «حزب الاتحاد الوطني» في البرلمان القبرصي التركي، زورلو نوريه، كشف، أخيراً، لصحيفة «مللي غازيتيه» الإسلامية، أن «إسرائيل تحاول أن تكرّر في قبرص التركية، اللعبة التي مارستها في فلسطين. من المؤسف أن تجّار المال لا يتنبّهون إلى هذه اللعبة ويبيعون الأراضي كيفما اتّفق مقابل مبالغ كبيرة من المال»، مضيفاً: «لم يَعُد لدينا أرض. اشتراها اليهود». ووفقاً لما أفاد به النائب عن «حزب العدالة والتنمية» التركي، إبراهيم أفق قايناق، بدوره، صحيفة «يني شفق»، الشهر الماضي، فإنه «بعد حرب غزة، غادر 30 ألفاً إسرائيل إلى الخارج، معظمهم جاء إلى قبرص التركية». وعمّا إذا كانت قبرص التركية ستصبح فلسطين أخرى، تكتب توغبا بوسا، في صحيفة «يني برلك»، إنّ «على تركيا ألّا يغيب عن بالها أنّ المسألة القبرصية جزء من الأمن القومي التركي، ويجب ألّا تقبل بأيّ تغييرات في ملكية الأراضي في قبرص التركية»، وتتابع: «كي يقتنع الرأي العام القبرصي التركي بأنّ بلادهم لن تصبح فلسطين أخرى، على حكومة تركيا ألّا تغفل نظرها عن التطوّرات الجارية هناك».
وفي ضوء هذه التطوّرات، انتقلت مسألة شراء اليهود أراضي في قبرص التركية، إلى البرلمان التركي، حيث سُئل وزير الخارجية، حاقان فيدان، في جلسة لـ«لجنة المال والموازنة»، يوم الـ21 تشرين الثاني الماضي، عن الموضوع، فقال إن «المئات من الأجانب قدّموا طلبات إلى حكومة قبرص التركية لشراء عقارات، وقد بلغ عدد طلبات الإسرائيليين، منذ عام 2000، 200 طلب، واحتلّوا المرتبة الـ12. في المقابل، احتلّ الإنكليز المرتبة الأولى، فيما حلّ الإيرانيون، في السنوات الخمس الأخيرة، في المرتبة الأولى». ووفقاً لما يقول وزير العدل السابق في حقبة ما قبل وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة، حكمت سامي سلجوق، في صحيفة «قرار»، فإن «عدد الذين مُنحوا رخصاً لشراء عقارات في قبرص التركية، منذ عامين ونصف عام وحتى آب الماضي، بلغ 6958 طلباً»، في حين يذكر وزير الداخلية القبرصي التركي، ضيا أوزتوركلر، في تصريح إلى صحيفة «يني دوزين»، أن «عدد الذين مُنحوا رخصاً منذ نهاية آذار الماضي، هو حوالى الألف، 80% منهم من تركيا نفسها، والبقية من دول مختلفة. لكن الأعداد ارتفعت في الآونة الأخيرة، ومن المفيد التوقّف عند أسباب ذلك، لأن الأراضي المبيعة للأجانب هي في النهاية جزء من أرض الوطن وستبقى كذلك»، مشيراً إلى أن قبرص «تحوز مكانة مهمّة في الصراع الدولي بين آسيا وأوروبا وفي البحر المتوسط».
والجدير ذكره أن مسألة شراء اليهود للأراضي في قبرص التركية ليست جديدة؛ إذ كانت صحيفة «بريد قبرص» القبرصية التركية حذّرت من ذلك قبل أكثر من 10 سنوات، حين قال رئيس حركة «إعلاء الفكر والقانون» في قبرص، باريش مامالي، في عام 2012، إن «حركة شراء العقارات، ولا سيما في كارباز على الساحل الشرقي للبلاد، عبر شركات يهودية أو غامضة، يوجب الحذر». وإن لم يكن التملّك الإسرائيلي (وغير الإسرائيلي) في قبرص التركية، جديداً، إلّا أنه زاد في الآونة الأخيرة، نتيجة حرب غزة. وتَظهر قبرص التركية، في ظلّ عدم اعتراف أحد بها سوى تركيا، كساحة مفتوحة لكلّ حالات العمل غير الشرعي من تملّك وغسل أموال أو صراعات استخبارية. ولا يُعرف بعد على وجه الدقّة ما إذا كان تحذير الصحف التركية الموالية لـ«حزب العدالة والتنمية» من خطر التملّك اليهودي، مجرّد جزء من حملة تبييض صورة الموقف التركي الرسمي الذي لم يتجاوز حاجز التنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة والدعوة إلى وقف النار من دون اللجوء إلى أيّ خطوات عملية في هذا الصدد، أم إنه بالفعل تحذير من خطر جدّي، على الرغم من تأكيد مسؤولي قبرص التركية أنه لا داعي للقلق.