ملخص
على رغم المماطلة الإيرانية المتوقعة، وبعضها مشروع في ضوء الأحداث الأخيرة، وسوء أداء مدير عام وكالة الطاقة الذرية، لن تهدأ الأمور أو الضغوط على إيران من دون استئناف التطبيق الكامل لضمانات التفتيش الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرامج النووية الإيرانية
الاعتداءات الأميركية والإسرائيلية على إيران واستهداف المرافق النووية لها تداعيات عدة تصحبها احتمالات متعددة لسيناريوهات متباينة، بحسب حجم الخسائر المادية في البرامج النووية، وردود الفعل الداخلية في الدول الثلاث لنتائج الأحداث الأخيرة، بعدما تتضح وتظهر الأدلة والنتائج بعيداً من المهاترات السياسية السريعة والتقديرات المبدئية.
لا خلاف على أن الخسائر الإيرانية كانت أكثر من الخسائر الإسرائيلية بكثير، علماً أن إسرائيل تخفي خسائرها عن عمد لأن قدرتها على تحمل الضغوط المعنوية للحشد المجتمعي الكامل واستهداف مواقع داخل المدن الإسرائيلية للمرة الأولى قد تقل كثيراً عن قدرة استيعاب المجتمع الإيراني.
وأتوقع أن تستمر إسرائيل في إثارة تساؤلات حول البرامج والسياسات الإيرانية مع الاحتفاظ لنفسها بحق المبادرة عسكرياً واستهداف المواقع، وستعمل على خلق ساحات توتر محكومة مع إيران وفي الشرق الأوسط، بغرض الحفاظ على وحدة الصف الداخلي والدعم الغربي لمواقفها، وتركز على مسألة تخصيب اليورانيوم على وجه الخصوص، مع التطرق إلى القدرات العسكرية بمختلف جوانبها، تحتفظ بحقها في استخدام القوة عبر الحدود، وهو من أهم الإنجازات الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، بخاصة أنه يحصل من دون محاسبة من المجتمع الدولي.
ولا تزال المواقف الأميركية القادمة غير واضحة، فإذا انتفت أخطار البرنامج النووي الإيراني يفضل تجنب العمليات العسكرية المباشرة إلا في أضيق الحدود، على أن تكون إسرائيل هي اليد الطولى والذراع الأمنية لها في المنطقة، مع يقينها أن التحرك الإسرائيلي يحمل في طياته دائماً أخطار سحب الولايات المتحدة إلى الساحة العسكرية، ومن العناصر المهمة في حسم موقفها التأكد من حظر التخصيب النووي الإيراني، وتوفير الشفافية للبرنامج النووي الإيراني من خلال إجراءات موسعة للتفتيش والضمانات الدولية.
والمواقف الإيرانية لها عديد من الاحتمالات، ويفضل الغرب تنازلها عن برنامجها النووي، وعلى وجه الخصوص تخصيب اليورانيوم مع تسليم المواد عالية التخصيب، وهو ما تعده إيران استسلاماً سريعاً للولايات المتحدة، وتستبعده وفقاً لتصريحات المرشد العام، وإنما ليس من مصلحتها الدخول سريعاً مرة أخرى في مواجهة عسكرية مباشرة، بعد الخسائر الإنسانية والمادية والسياسية الكبيرة. ويلاحظ أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني كانت أهدأ وأكثر واقعية، لذا أرجح أنها تسعى إلى إطالة مدة الحوار والتفاوض، لاعتبارات سياسية والحفاظ على ماء الوجه إذا اختارت سبيل المهادنة مع أميركا، أو حتى إذا سعت إلى إحياء البرنامج النووي والعسكرية الإيرانية تحت غطاء من السرية الشديدة.
ومن الطبيعي أن تقلق الدول العربية والخليجية من الأحداث الأخيرة، وأن تسعى إلى ترتيب أوضاعها أمام مختلف السيناريوهات المحتملة، وهي عديدة، منها احتمالات التسريبات النووية أو البرامج النووية العسكرية الخفية أو تجدد المعارك مع إسرائيل وتأثيرها في أمن الخليج، وكلها مقلقة بالنسبة إليها، لذا تعد العدة لتكون أكثر استعداداً لمواجهة تلك الاحتمالات، من حيث تطوير إمكانات الوقاية والأمن القومي والتكنولوجيا، ويمتد القلق والمراجعات إلى دول المشرق ومصر، لأن الصدام التكنولوجي العسكري بين إيران في الخليج وإسرائيل في شمال غربي آسيا ستكون له تداعيات واسعة في المشرق وشمال أفريقيا.
للأسف أرى صعوبة كبح جماح النظرة العدوانية الإقليمية للحكومة الإسرائيلية الحالية في ظل مواقف أميركية متحيزة، وإنما لا بد من محاولة الحد من الأخطار وتداعيات الأحداث، بإخراج المعادلة النووية بقدر الإمكان من الاشتباك، مما يتطلب التعامل مع الحالة الإيرانية وتسليط الضوء على المعرقل الحقيقي لمعالجة الأخطار النووية في الشرق الأوسط وهي إسرائيل، قبل أن تخرج الأمور كلية عن السيطرة ونشهد تنام للبرامج النووية العسكرية الخفية.
كيف تعامل 13 من الرؤساء الأميركيين مع إيران؟
على رغم المماطلة الإيرانية المتوقعة، وبعضها مشروع في ضوء الأحداث الأخيرة، وسوء أداء مدير عام وكالة الطاقة الذرية، لن تهدأ الأمور أو الضغوط على إيران من دون استئناف التطبيق الكامل لضمانات التفتيش الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرامج النووية الإيرانية، والمزيد من الإيضاحات على الأسئلة التي وضعتها الوكالة حول الدراسات الإيرانية لعسكرة برامجها النووية، فضلاً عن توضيح مصير المواد النووية المخصبة إلى درجة 60 في المئة، ووقف التخصيب داخل الحدود الإيرانية أو تخفيضها إلى أقل النسب، وهناك مطالب إسرائيلية وأميركية بأن تضع ضوابط أيضاً على القدرات الإيرانية الباليستية والعسكرية.
أعود وأكرر، إيران طرف في معاهدة منع الانتشار النووي، وقبلت بإجراءات التفتيش الإضافية على مرافقها، وبكل صراحة من حقها قانونياً تخصيب اليورانيوم في الحدود الموضحة بالمعاهدة وآلياتها الخاصة بالضمانات والتفتيش، وليس من حق أي دولة استخدام القوة ضدها لمجرد وجود خلاف حول سياساتها.
وأعود وأكرر كذلك أن الدولة الشرق أوسطية الوحيدة الرافضة للانضمام إلى معاهدة الانتشار هي إسرائيل، ومرافقها النووية غير خاضعة للتفتيش، ولديها مرافق لتخصيب اليورانيوم، بل يرجح أن لديها عديداً من الأسلحة النووية ووسائل إيصالها الجوية والباليستية، وهذا البرنامج هو الأخطر على أمن واستقرار المنطقة، من شأنه أن يخلق سباقاً لتطوير التكنولوجيا العسكرية في الشرق الأوسط.
ومن ثم هناك حال إيرانية يعطي لها المجتمع الدولي الأولية، ويجب إيجاد حلول مبتكرة لها، تأميناً لاستقرار المنطقة على رغم ازدواجية المعايير، وهناك حال إسرائيلية تستثنى من كل القواعد والمعايير، ويتغاضى المجتمع الدولي عن تجاوزاتها، وهذا واقع مهين ومشين، ويجب عدم السكوت عنه وتصحيحه.
ومع صعوبة الموقف يمكن التعامل مع الأمرين مع وضعهما في سياق أوسع إقليمياً ودولياً، من خلال إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، بتأكيد ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من جميع الأسلحة النووية خلال 12 شهراً، وتطبيق ضمانات تفتيش دقيقة على جميع المرافق، وهي مبادرة تبنتها مصر منذ 50 عاماً، على أن يتضمن القرار إجراءات تفتيش إضافية لجميع المرافق النووية بالمنطقة من دون استثناء، ويشمل إنشاء هيئة دولية لمراجعة وتأمين توريد المواد المخصبة المطلوبة بالمنطقة، والإشراف على التخصيب المصرح به وتوفير اليورانيوم لدول الشرق الأوسط بصورة منتظمة، على أن يكون مقر الهيئة خارج الأراضي الإيرانية والإسرائيلية، وعلى أن تقبل إيران مكاشفة كاملة لبرنامجها النووي، مع انضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم الانتشار النووي وقبول نظام التفتيش على مرافقها، فضلاً عن انضمام جميع دول المنطقة إلى معاهدة حظر التجارب النووية، وأن تعطي الدول النووية دائمة العضوية في مجلس الأمن ضمانات قانونية لدول المنطقة بعدم استخدام الأسلحة النووية ضدها.
بهذه الخطوة نكون قد وضعنا إطاراً مناسباً لتجاوب إيران مع جميع المطالب المرتبطة ببرنامجها النووي، ووضعنا أيضاً إطاراً للتعامل مع البرنامج النووي الإسرائيلي في سياق صفقة كبرى وخطوات من قبل إيران وتطبيق منظومة تخصيب وتفتيش مفصلة، بما يؤمن المنطقة من الأخطار النووية الحالية والمستقبلية وفقاً لمعايير ثابتة على الجميع.