تحتاج زيارة الموفد الأميركي إلى لبنان، وتصريحاته ومواقفه، إلى قراءة هادئة ومتأنية جداً، للغوص في تفاصيلها وتفكيك شيفراتها. اللغة التي تحدث بها توم باراك كانت في غاية الديبلوماسية وجديدة نسبياً على اللبنانيين ومختلفة جذرياً عن موفدين سابقين. وضع الموفد الأميركي كل المشاكل أمام اللبنانيين، و”هم القادرون على حلّها”، كما قال، مستطرداً أن أحداً لن يأتي من الخارج ليعمل على تفكيك حزب الله أو سحب سلاحه. واعتبر أن المسألة لبنانية داخلية.
لهذا الكلام أكثر من تفسير، فهناك من عبّر عن ارتياحه، لأنه لم يستخدم لغة التهديد العسكري.
مسؤولية الدولة
في المقابل، فإن من يقرأ ما بين سطور الكلام، يكتشف أن المسؤولية ملقاة على الدولة اللبنانية، التي يجب عليها التصرف بشأن حزب الله، وخصوصاً بالشق العسكري المتعلق بالسلاح، وفي أحسن الأحوال فهو وضع الكرة في ملعب الدولة اللبنانية، التي يجب عليها الوصول إلى تفاهم مع الحزب حول آلية حصر السلاح بيد الدولة. وبحال عدم التفاهم، فعليها أن تتصرف لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لذلك. بالتأكيد، يفضِّل حزب الله ترك أمر المعالجة للداخل اللبناني، وقد قالها أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم صراحة: أن تطبق إسرائيل الاتفاق وتنسحب وتوقف الاعتداءات، وبعدها يتم العمل داخلياً على معالجة كل المواضيع. وهو يعني التركيز على الحوار للوصول إلى استراتيجية دفاعية. ذلك قد يؤسس إلى المزيد من الانقسام السياسي الداخلي.
الطائف والدستور
ما قاله باراك بوضوح أيضاً، هو العودة إلى اتفاق الطائف والدستور، معتبراً أن كليهما ينصان على حصرية السلاح بيد الدولة، ولبنان تأخر في تطبيقهما، وهو ما يجب تحقيقه حالياً على وقع المتغيرات والتحولات التي تعيشها المنطقة، والتي لا يمكن للبنان أن يبقى متأخراً عنها. لأنه في حال تأخر فهو سيدفع الثمن من خلال استمرار الأزمات الأمنية والمالية والاقتصادية والمعيشية وغيرها.
رحّب باراك بالردّ اللبناني وبالعمل على إنجازه. لكنه في المقابل، طلب أن يتم العمل على وضع خطة أو آلية تنفيذية لكيفية حصر السلاح، على أن يعود إلى لبنان خلال أسابيع، بهدف ديمومة تبادل الأفكار. فهل يمكن اعتبار ذلك كسباً للوقت؟ هذا يجوز. ولكن من دون أي ضمانات حالياً متصلة بعدم مواصلة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية. وقد تعمل إسرائيل على تفعيل هذه العمليات لفرض المزيد من الضغوط والشروط.
لجنة المراقبة
نقطة ثانية أساسية ومهمة في كلام باراك وهي التي تتعلق بإعلانه عن فشل آلية عمل لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، وتطبيق الاتفاق الذي أقر في شهر تشرين الفائت. بمجرد الإعلان عن ذلك، فهذا يعني أن المطلوب هو إيجاد آلية جديدة، أو توسيع وتعزيز مهام لجنة المراقبة، كي تتمكن من تطبيق الاتفاق. وهذا لا بد أن يكون له إطار سياسي بالتنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة ولبنان من جهة أخرى. إذ أن الأفكار المتبادلة تنص على حصرية السلاح بيد الدولة، والانسحاب الإسرائيلي ووقف الضربات والخروقات، وصولاً إلى ترسيم الحدود. وهذه كلها ستكون بحاجة إلى مفاوضات.
مسارات مفتوحة
يتعاطى باراك مع لبنان كملف من ضمن الملفات التي يمسكها في المنطقة، من تركيا إلى سوريا، مكرراً لأكثر من مرة كلامه عن ضرورة مواكبة المتغيرات التي تحصل، وأن لبنان لا يمكنه أن يبقى خارجها.
أشار بوضوح إلى التفاوض المفتوح بين سوريا وإسرائيل، وكأن في ذلك إيحاء للبنان لاعتماد المسار نفسه. هذا المسار الذي لا يوافق عليه حزب الله إطلاقاً، وهو سيكون مدار جذب داخلي.
عملياً، يبقى لبنان أمام مسارات مفتوحة، أولها يتصل بكيفية التلقف الإسرائيلي للردّ، وإذا كان ذلك سيترافق مع المزيد من التصعيد. ثانيها، آلية العمل الداخلية حول كل الملفات المطروحة وكيفية التعاطي معها، لتجنّب حصول أزمة سياسية ينتج عنها انقسام عمودي. ثالثها، مساع دولية وديبلوماسية عديدة هدفها منع حصول تصعيد كبير، وفتح الباب والسعي مع الأميركيين من أجل الوصول إلى صيغة سياسية تمنح ضمانات لحزب الله تُقابل مسألة معالجة ملف السلاح.
الأكثر قراءة
GettyImages-2164178570.jpg
هل يختار الحزب الهزيمة أمام إسرائيل على تسليم سلاحه؟
نعيم.jpg
قاسم يؤكّد خيار المقاومة: لن ندع هذا الاحتلال يستقرّ
مزارع شبعا.png
مزارع شبعا… نزاع حدودي معلق بين التاريخ والسياسة
GettyImages-2221906761.jpg
إيران وإسرائيل: جولات جديدة؟ تساؤل..
اعلان
تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي
image
image
image
image
image
subscribe
إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
أدخل بريدك الإلكتروني
اشترك الآن