غالباً ما يكون بنيامين نتنياهو متقدماً بخطوة أو أكثر على زملائه من الرؤساء في التغزل بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. بينما يكتفي معظم من يطلبون ود ترامب بإسماعه عبارات المديح المحببة لديه، يجتهد رئيس الوزراء الإسرائيلي. يقف أمام العدسات ليسلم الرئيس الذي بقي جالساً ورقة تشير إلى أنه رشحه لنيل جائزة نوبل للسلام، من دون أي شعور بالإحراج من وضوح التزلف في حركته الاستعراضية، بناء على ما بات معلناً عن رغبة ترامب الشديدة في الحصول على الجائزة المرموقة.
“فهم” ترامب درس انكب عليه نتنياهو منذ الولاية الرئاسية الأولى سنة 2016. الرئيس الآتي من برنامج واقع يدور حول تمجيد صورته، يحب أن يَمدح ويُمدح. وفي المقابل، يمكن السياسة أن تتحول معه بسرعة إلى شأن شخصي وإلى عداء نتيجة كلمة في غير محلها، أو زي غير ملائم للقاء معه، كما حصل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
إسماع ترامب كلاماً طيباً، والنفخ في الإيغو الهائل، بات سمة للديبلوماسية في عصره. رئيس ليبيريا جوزف بواكاي قال “نعم سيدي”، حين سأله ترامب أين تعلم الإنكليزية بعدما أذهلته طلاقة الرئيس الأفريقي في مخاطبته بها. فضّل ألا يحرج ترامب بالقول إن الإنكليزية هي اللغة الرسمية لبلده. هو وزملاؤه رؤساء السنغال وموريتانيا وغينيا بيساو والغابون وجدوا أنفسهم في ما يشبه مقابلة عمل وهو يطلب منهم في بداية الاجتماع، ودائماً تحت العدسات، أن يعرّف كل واحد عن نفسه واسم البلد الذي يرأسه، بينما بدا متململاً يريد الإسراع في إنهاء اللقاء.
من النادر وقوع مثل هذه اللحظات المحرجة في اللقاءات بين قادة الدول. لكنها باتت شأناً يومياً عند الرئيس الذي لا يتردد في قول ما يجول في خاطره من دون أي تخوف من عواقب كلماته، إن كانت مدحاً أو ذماً لا فرق.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدو سيد اللعبة. يصرّ على عدم إغضاب الرئيس بعد كل اتصال هاتفي بينهما يمتد لساعات أحياناً. ومع أن ترامب يخرج سعيداً من الاتصال، إلا أن لا شيء يتحقق على خط إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية. مع ذلك، عبّر ترامب أخيراً عن نفاد صبره من بوتين الذي عليه أن يبحث عن استراتيجية جديدة للمماطلة كي يحافظ على “حب” ترامب له.
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني انضم إلى نادي المعبّرين عن اعجابهم بقيادة ترامب لأميركا والعالم. زيلينسكي تعلّم من خطأه واعتذر عما فعل وعاد تدريجاً للنزول تحت جناح رضا الرئيس الأميركي. حتى إيران تتجنب إغضاب ترامب لفظياً. المتهور الوحيد في العالم حالياً هو إيلون ماسك، يريد منافسته في عقر نجوميته السياسية وزعامته لأميركا والعالم. يمكن لماسك أن يمنّن ترامب بدعمه في الانتخابات، وبتقليص الإهدار وضبط البيروقراطية. لم يبعه كلاماً فحسب، على العكس من الباقين، وفي مقدمهم نتنياهو المستمر في حربه على غزة بالوتيرة نفسها، على رغم إصرار ترامب على وقف نار يضيفه إلى سيرته الذاتية في طلب الترشح لجائزة نوبل للسلام. حتى الآن، لم يحقق ترامب أياً من الإنجازات التي وعد بها، من إيران إلى روسيا وأوكرانيا إلى غزة. إنجازه الكبير، حتى الآن، هو تعميم التغزل به، يبدأ بدائرته الضيقة وتروح الدوائر تتسع لتمتد إلى العالم برمّته، العالم الذي يحاول جاهداً الاطلاع على المنهج الدراسي الذي اعتمده نتنياهو والذي جعله يتفوّق على نفسه إذ وجد في نفسه المواصفات اللازمة لترشيح ترامب لجائزة نوبل، وهو يقود حروباً متعددة ومتهم بجرائم حرب.