ملخص
في التاريخ الحديث لعبت المحافظة أدواراً متعددة في سياق الأحداث العامة، وبرز منها سلطان باشا الأطرش الذي قاد الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي انطلاقاً من السويداء عام 1925، وتحديداً في “معركة المزرعة” الشهيرة، مع تمسك الثوار، وقتذاك، بمبادئ عامة تطالب بالاستقلال ووحدة سوريا وأراضيها تحت حكم وطني خالص، ليتحول الأطرش، حتى وفاته عام 1982، إلى رمز وطني جامع، كذلك شهدت السويداء أحداث عنف دموية في خمسينيات القرن الماضي.
تقع محافظة السويداء في أقصى الجنوب السوري على بعد نحو 100 كيلومتر من العاصمة دمشق على الحدود السورية – الأردنية، وتشكل إلى جانب القنيطرة ودرعا وريف دمشق الحيز الجغرافي لتكتل محافظات الجنوب، وتعد عاشر المحافظات السورية مساحة بمساحة تقدر بنحو 5500 كيلومتر مربع من أصل عموم 14 محافظة. وتتصل حدودها الإدارية بريف دمشق شمالاً، ودرعا غرباً، والأردن جنوباً، وبادية السويداء شرقاً، والتي تصلها عبر تلول الصفا وما يليها بامتداد ريف دمشق الشرقي وصولاً إلى بادية حمص، عبر سلسلة من التضاريس والهضاب الصحراوية القاسية التي ما زال يستخدمها المهربون وبعض خلايا “داعش” حتى الآن، وتوصف المنطقة بوعورتها الشديدة، وأكثر ما يميزها المرتفعات والحجارة البركانية السوداء التي تشكل جزءاً من جبل العرب أو كما كان يطلق عليه سابقاً جبل الدروز، ويعد هذا الجبل من ركائز المنطقة الجغرافية، ويتموضع بصورة رئيسة في الجنوب الشرقي منها، ويصل ارتفاع أعلى نقطة فيه إلى 1800 متر عن سطح البحر.
الطبيعة الجغرافية
يمكن تقسيم الطبيعة الجغرافية للسويداء إلى سهول زراعية خصبة تمثل رئة المدينة في الغرب والشمال الغربي نحو درعا، وإلى مناطق جبلية في الشمال، وإلى مساحات صحراوية ممتدة في الشرق والشمال الشرقي وصولاً إلى البادية الواسعة، وهذه الطبيعة الجغرافيا أسهمت في تمركز الكتلة السكانية في المحافظة نفسها، وإلى الغرب منها بخاصة، حيث السهول الصالحة للزراعة التي برع الفلاحون فيها بإنتاج الكرمة والزيتون والحبوب والتفاح.
كذلك توجد في المحافظة 18 بحيرة وهي بحيرات: سد الروم وسد العين وسد الغيضة وسد الطيبة وسد حبران وسد جويلين وسد حبران وسد جبل العرب وسد السهوة الغربية وسد السهوة الشرقية وسد المشنف وسد الرحى وسد شهبا وسد الزلف.
وتعد من أبرز قرى وبلدات السويداء كل من قنوات وصلخد وشهبا وعتيل وسهوة بلاطة والكفر والمزرعة والعفينة وملح ورساس والثعلة وسليم ونمرة والمجيمر والمشنف إلى جانب قرى كثيرة أخرى تحكمها الأعراف العشائرية والمجتمعية والدينية والعائلية، وهي مجتمعات أثبتت أنها شديدة التماسك في مختلف الظروف. وبالمجمل فإن تعداد المناطق الحضرية المأهولة متفاوتة الكثافة السكانية يبلغ أكثر من 150 نقطة بين قرى ومزارع.
ديموغرافية السويداء
يشار إلى السويداء محلياً باسم “فنزويلا الصغرى” لشدة ما شهدت من حملات هجرة إلى فنزويلا خلال القرن الماضي، حتى وصلت مرحلة يروي فيها المؤرخون أن نصف سكانها كانوا يحملون الجنسيتين السورية والفنزويلية قرابة أواسط القرن الماضي. ويشكل الدروز أكثر من 95 في المئة من سكان المحافظة مع وجود أقليتين صغيرتين من المسيحيين الأرثوذكسيين والعرب السنة.
لا توجد إحصائية دقيقة شاملة لتعداد الدروز في سوريا، لكنهم يحافظون على وجودهم التاريخي في أماكن أخرى غير السويداء، كمثل مدن جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، وبنسبة قليلة في بعض قرى إدلب، فضلاً عن الجولان، في حين تذهب مصادر متعددة لتقول إن عددهم يراوح ما بين 700 ألف ومليون نسمة.
متحف مفتوح
تعد السويداء بحد ذاتها متحفاً تاريخياً مفتوحاً للزائر مع دلائل واكتشافات أثرية تشير لسكنها منذ عصر الإنسان الأول استناداً للكهوف والمغاور المكتشفة التي تعزز هذه الفرضية، كذلك لعبت المنطقة دوراً بارزاً في أطوار تاريخية مختلفة في العهود البيزنطية والرومانية والنبطية والعربية المتقدمة وغيرها، لذلك ما زالت تحتفظ بكثير من المواقع الأثرية، ومن بين تلك الشواهد، المعابد والقصور والأعمدة والكنائس والمسارح والحمامات الرومانية والبوابات والخزانات وأقنية المياه الرومانية واليونانية والجسور والمساكن التي تغطي كل مدينة وبلدة وقرية على امتداد مناطق المحافظة. وأبرز تلك المناطق على سبيل المثال شهبا وقنوات وصلخد وعتيل وسليم وبريكة وشقة وداما وعرمان وملح وخزامة وتعلا.
في التاريخ الحديث
في التاريخ الحديث لعبت المحافظة أدواراً متعددة في سياق الأحداث العامة، وبرز منها سلطان باشا الأطرش الذي قاد الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي انطلاقاً من السويداء عام 1925، وتحديداً في “معركة المزرعة” الشهيرة، مع تمسك الثوار، وقتذاك، بمبادئ عامة تطالب بالاستقلال ووحدة سوريا وأراضيها تحت حكم وطني خالص، ليتحول الأطرش، حتى وفاته عام 1982، إلى رمز وطني جامع، كذلك شهدت السويداء أحداث عنف دموية في خمسينيات القرن الماضي إثر احتجاجات طلابية وعمالية في مواجهة حكم الرئيس أديب الشيشكلي الذي لم يتوان عن قصفها بالطائرات حتى جرى الانقلاب عليه عام 1954 وتنحيته ونفيه.
في الحرب السورية
تمكنت السويداء بنجاعة منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 أن تنأى بنفسها عن مجريات الأحداث على الخريطة إلى حد بعيد، مستندة إلى خصوصية تركيبتها الدينية والسياسية والاجتماعية والأمنية والإدارية والعائلية خلاف بقية المحافظات التي نهشتها الحرب، ونجحت في إبعاد قوات المعارضة عنها، وكذلك إبعاد إيران والميليشيات الأجنبية، وحافظت على خيط رفيع مع السلطة الرسمية السابقة في دمشق، فسمحت لها بوجود تمثيلي أقرب ما يكون لبروتوكولي عبر وجود محافظ معين من قبل دمشق مع مجالس محلية، ووجود شكلي لحزب البعث والأفرع الأمنية التي كانت تنتزع صلاحيات أفرادها يوماً بعد آخر، إلى جانب وجود قطعات جيش قريبة من المدينة لكن ليس داخلها، وبذلك لم تستطع دمشق طوال الحرب فرض هيمنة مطلقة على الدروز الذين تحدوا السلطة غير مرة، وكان أبرز التحديات اتخاذهم قراراً بمنع التحاق أولادهم بجبهات القتال إلى جانب جيش النظام السوري ضمن سياسة التجنيد الإجباري التي كانت قائمة.
كانت المعادلة ببساطة تقضي بقبول الوجود الحكومي الشكلي في قلب المحافظة، لكن من دون التدخل في شؤونها الداخلية، وكان الطرفان يتعاملان بحذر شديد إزاء بعضهما، إلى أن انفجرت الأمور مرة واحدة في السويداء في الثلث الأخير من عام 2023 على خلفية قرار حكومي برفع الدعم عن الوقود والخبز، فامتلأت الساحات بتظاهرات يومية غاضية طالبت للمرة الأولى بإسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مدعومين من شيوخ عقل الطائفة، واستمرت التظاهرات من دون توقف حتى سقوط نظام الأسد، لتكون المحافظة عملياً قد دخلت منذ مرحلة ما قبل السقوط ما يشبه الإدارة الذاتية غير المعلنة التي قامت على مزيج من سلطة رجال الدين والسلطات المحلية والفصائل المسلحة الدرزية والإرادة الشعبية.
شيوخ العقل والقوى المسلحة
في خضم تلك الانتفاضة الشعبية عاد دور مشيخة العقل للبروز من جديد، ممثلاً بشيوخ العقل الثلاثة: حكمت الهجري وحمود الحناوي ويوسف جربوع، والذين أصبحت دورهم مقار تسويات واتفاقات وقيادة تحظى بثقة الشارع في إطار التفاهمات وحل الخلافات ووضع المخططات، وإن كانت آراء هؤلاء المشايخ تتباين في بعض المواقف، تلك المرجعيات الدينية وعلى رغم أنها لا تمتلك سلطات رسمية، فإن مكانتها الرمزية والدينية والاجتماعية جعلت كلمتها نافذة في معظم شؤون وتطلعات المحافظة وساكنيها سلماً وحرباً.
إلى جانب رجال الدين برز دور الفصائل المحلية الدرزية المسلحة التي أصبح لها، مع الوقت، شأن ونفوذ، وعلى رأس تلك الفصائل الموجودة حتى اليوم “حركة رجال الكرامة” التي أسسها الشيخ وحيد البلعوس عام 2013 قبل أن يتم اغتياله عام 2015 وتوجيه أصابع الاتهام لنظام الأسد، ويقودها الآن يحيى الحجار، وتعد الحركة اليوم الأكثر عدداً وتسليحاً بمقاتلين يراوح عددهم ما بين خمسة وثمانية آلاف، ويمكن النظر إليها على أنها الأكثر قرباً من حكومة دمشق الحالية منذ سقوط النظام السوري، ويتحالف معها سياسياً وعسكرياً “تجمع أحرار الجبل” الذي يقوده سليمان عبدالباقي، المقرب من حكومة دمشق أيضاً، لكن فصيله قليل العدد والتسليح.
على المقلب الآخر ثمة فصيل “لواء الجبل”، وهو الفصيل الثاني من حيث العدد والقوة ويضم قرابة 5 آلاف مقاتل ويتخذ موقفاً مقارباً لموقف الشيخ الهجري في رفض حكام دمشق، تأسس عام 2015، كذلك هناك “المجلس العسكري في السويداء” الذي تم الإعلان عنه مع سقوط نظام الأسد، يترأسه العقيد المنشق طارق الشوفي، ويعد أيضاً من بين أقوى ثلاثة فصائل عسكرية بتعداد بشري يبلغ 5 آلاف مقاتل، ويبدو هذا الفصيل متحالفاً مع الهجري ورافضاً سلطات رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع. أما فصيل “درع التوحيد” فهو مجموعة قتالية مكونة من 300 عنصر مهمتها حماية الشيخ حكمت الهجري، ومقره بلدة قنوات حيث دارة الشيخ، إضافة إلى فصائل مسلحة أخرى من نحو 300 مقاتل، مثل “قوات شيخ الكرامة” لأمجد بالي في محيط صلخد، و”قوات العليا” لحسام سيف ورأفت بالي، و”تجمع سرايا الجبل” لوائل أبو قنصول، و”فصيل جيش الموحدين” لأسامة الصفدي بتعداد مقاتلين لا يتجاوز 15 مقاتلاً. و”قوى مكافحة الإرهاب”، أو حزب اللواء السوري، وقد توحدت مع “قوات العليا” و”قوات شيخ الكرامة” ووائل أبو قنصول (التوحيد)، وأعلنت رفضها حكومة دمشق بعد خطابات الشيخ الهجري في مواجهة السلطة.
تعيد مصادر مطلعة سبب نشوء كثير من تلك الفصائل المسلحة المحلية إلى حال الفراغ الأمني التي تسبب فيها تراجع دور النظام (الأسد) في المنطقة، بخاصة مع بدء تهديد “داعش” المحافظة من أطرافها الجنوبية والشرقية، اعتباراً من عام 2015، حيث كان فاتحة مناوشات متعددة مع القوات المحلية يدعمها انتشار جيش النظام في محيط المحافظة وصولاً إلى الـ25 من يوليو (تموز) من عام 2018، حيث شهد ريف السويداء الشرقي مجزرة إثر هجوم منظم لـ”داعش” أسفرت عن مقتل نحو 300 درزي قبل أن يجري امتصاص الهجوم في واحد من أكثر أيام المحافظة دموية في تاريخها، ومع انتهاء الهجوم اتجه الاتهام لقيادات جيش النظام بالتخاذل والانكفاء وعدم تقديم الدعم العسكري اللازم لتجنب وقوع المجزرة، مما أفضى إلى مزيد من الشرخ بين الطرفين.
الأسباب ذاتها التي أدت لنشوء فصائل محلية مسلحة أدت أيضاً لنشوء فصائل مسلحة أخرى، لكنها لم تكن معنية بحماية المحافظة، بل كانت أذرعاً للنظام السابق في الجنوب، وتولت بصورة ممنهجة عمليات الاختطاف والاغتيال وتهريب المخدرات، وكان أكبر تلك العصابات جماعة “راجي فلحوط” الذي استهدفته الفصائل المحلية بعملية عسكرية أدت إلى مقتله وحل جماعته عام 2022، وتباعاً تم القضاء على بقية الجماعات المشابهة، وكان أبرزها جماعة “عزام الحمد”، وجماعة “مازن الشعار”، وجماعة “ناصر السعدي”.
مواقف متباينة
اليوم تملك الفصائل العسكرية الموجودة في السويداء أسلحة خفيفة ومتوسطة من دون أن تتمكن فعلياً من امتلاك أسلحة ثقيلة أو دبابات.
والقرار العسكري اليوم موزع دينياً وعسكرياً داخل الطائفة نفسها، فالشيخ الهجري الذي يتمتع بالنفوذ الأوسع والأكثر تأثيراً يرفض جملة وتفصيلاً الحكم الحالي ويراه غير شرعي مطالباً بحكم ذاتي لا استقلالاً بالمفهوم السياسي، يحالفه في ذلك فصيلان كبيران هما “المجلس العسكري” و”لواء الجبل” فيما لا يتفق معهما عدد من رجال الدين الآخرين و”حركة رجال الكرامة” ذات النفوذ القوي.