في حصيلة استثنائية خلال أسبوع واحد، أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل 12 جندياً تركياً في نقاط تمركزها في إقليم كردستان العراق، نتيجة هجمات شنّها مقاتلو حزب العمال الكردستاني، فيما زاد الجيش التركي من وتيرة هجماته على المقاتلين الأكراد، في إقليم كردستان وسوريا وغيرها من المناطق، ما يُنذر بتصعيد عسكري كبير.
المقاطع التي نشرتها حسابات مقرّبة من حزب العمال الكردستاني، على وسائل التواصل، توثق هجمات مقاتلي الحزب على نقاط تمركز للجنود الأتراك في أعالي المناطق الجبلية لسلسلة جبال خواكورك الفاصلة بين تركيا وإقليم كردستان، في ظروف مناخية صعبة للغاية، حيث كانت سماكة الثلوج تتجاوز متراً، ما دفع مراقبين للتنبؤ بمزيد من الهجمات التي قد يشنّها مقاتلو الحزب في هذا الظرف بالذات، لتأكيد قدراتهم القتالية، والردّ على تصريحات القادة السياسيين والميدانيين الأتراك، الذين توعدوا بإنهاء وجود مقاتلي “العمال الكردستاني” خلال أشهر، عبر عملية “المخلب القفل”.
وزير الدفاع التركي يشار غول قام بزيارة ميدانية لنقاط تمركز الجيش التركي، متعهداً الاستمرار في العملية العسكرية التي يشنّها جيشه، ومذكّراً أنّ الأمر سيتمّ بحسب ما هو مخطّط له “بغض النظر عمّن يدعم العملية وعمّن يعارضها”، في إشارة إلى مطالبة جهات سياسية داخلية عدة، وأخرى دولية، بحلّ المسألة الكردية عبر الحوار والطرق السلمية.
وأكّدت وزارة الدفاع التركية أنّ الوزير زار مركز قيادة عمليات القوات الجوية، جنوب شرق البلاد، وغادر منها إلى المنطقة الحدودية في محافظتي هكاري وشرناخ، وأمر بشن عمليات جوية مكثفة، طالت بحسب بيان الوزارة التركية 29 مركزاً وموقعاً لمقاتلي الحزب، وأودت بحياة 25 مقاتلاً من العمال الكردستاني.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن توجيه قوات بلاده ضربات مركّزة لعناصر منتمين إلى حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي السورية، كردّة فعل على مقتل 12 جندياً من قوات بلاده. وأضاف خلال افتتاحه لندوة اقتصادية في مدينة اسطنبول، أنّ قواته ستردّ بالمثل على كل الهجمات التي تهدّد الأمن القومي للبلاد.
“أهداف مدنية”
لكن المعلومات والمقاطع المصورة التي وزعتها وكالات الأنباء المحلية في شمال شرق سوريا، الخاضعة لقوات سوريا الديموقراطية، أظهرت هجمات متتالية شنّتها طائرات مسيّرة تركية على منشآت مدنية عدة في المنطقة، منها مستودع للكتب شرق مدينة القامشلي، ومحطة القطار ومحطات لإنتاج الطاقة الكهربائية والنفطية في محيط المدينة. كذلك قصفت المدفعية التركية القرى في محيط بلدات منبج وتل عيسى وكوباني، أدّت بحسب ما قالت مصادر محلية لـ”النهار العربي” إلى مقتل 11 مدنياً، وجرح أكثر من 30 شخصاً، وخروج محطات الطاقة الكهربائية عن الخدمة تماماً، بسبب انقطاع شبكات الخطوط في ما بينها في أكثر من نقطة استهدفتها الطائرات التركية.
الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا دعت المجتمع الدولي وجيوش التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، التي تملك معسكرات وقواعد عدة في شمال شرق سوريا، إلى وقف الهجمات التركية، التي تستهدف البنية التحتية وتدمّر كل أشكال الحياة في المنطقة، وتهدّد بعودة تنظيم “داعش” إلى الحياة، لأنّ الهجمات التركية استهدفت العديد من المناطق الحساسة، مثل سجن علايا في مدينة القامشلي ونقاط حراسة مخيم الهول للاجئين.
الحرب المفتوحة
الباحثة والناشطة فيان حساني شرحت لـ”النهار العربي” أبعاد ما يجري راهناً بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، وقالت: “في المحصلة، ما يجري هو نتيجة طبيعية لوصول كل الأطراف إلى حالة من الثبات السياسي والأمني، من دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها وتطلعاتها السياسية. فالرئيس التركي نجح في الانتخابات الأخيرة، وتجاوز كل مخاوفه بشأن خسارة السلطة، لكنه لم يتمكن من تحجيم قدرات مقاتلي حزب العمال الكردستاني، ولم يعد يملك أي شيء على جدول أعماله باستثناء الاستمرار في الحرب المفتوحة. أما حزب العمال الكردستاني، فثبت مناطق نفوذه في تركيا وسوريا والعراق، لكنه لم يتمكن قط من الحصول على سلطة شرعية في أي مكان، ولذلك صارت مواجهة الهجمات التركية بأي شكل، حلاً وحيداً له”.
الأوضاع الأخيرة تسببت بخلاف سياسي داخلي شديد في تركيا، إذ أصدرت أربعة أحزاب سياسية تركية، هي حزب العدالة والتنمية الحاكم وشريكه “الحركة القومية”، ومعهما الحزبان المعارضان “الجيد” و”السعادة”، بياناً مشتركاً، ندّدت فيه بالهجمات التي طالت الجنود الأتراك في إقليم كردستان، متوعدة بحشد كل ما هو لازم لمحاربة التنظيمات التي تتوخّى اجتزاء أية قطعة من الأراضي التركية، مضيفة أنّ ذلك لن يخضع لأي ظرف سياسي أو حدث أمني قد يطرأ.
سجالات تركية داخلية
وانتقد بيان الأحزاب الأربعة امتناع حزب الشعب الجمهوري (الأتاتوركي) عن توقيع البيان المشترك، معتبرةً ذلك بمثابة رسالة “مخزية”، يتحمّلها الرئيس الجديد لحزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل، مضيفةً أنّ ذلك جزء من انجراف حزب الشعب الجمهوري نحو اتخاذ قرارات قد تضرّ بالأمن القومي التركي.
ومن جهته، طالب “الشعب الجمهوري” بمزيد من المعلومات والمعطيات عمّا يجري في منطقة العمليات العسكرية التركية في كردستان العراق، قائلاً في بيان رسمي إنّ موقفه “لا يتعارض مع الدعم الكبير والحساسية العالية التي يتمتع بها المواطنون بشأن الحرب على الإرهاب”. وهو ما يُضاف إلى موقف حزب الشعوب الديموقراطي “دام بارتي” المؤيّد لحقوق الأكراد في تركيا، والذي طالب بوقف العملية العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات لحل المسألة الكردية في البلاد.