علي حمادة
ليس صحيحاً أن إسرائيل قادرة على حسم الحرب في غزة بالسرعة والوقت اللذين تحددهما. وليس صحيحاً أن حماس قادرة على الانتصار في الحرب. وبالتالي ليس صحيحاً أن إسرائيل لم تحقق أي هدف من أهدافها في الحرب. فإذا كان عجزت عن تحقيق انتصار حاسم خلال أكثر من ثمانين يوماً، فإنها حققت في المقابل أهدافاً نوعية في حربها. فقد تمكنت من إعادة الوضع في قطاع غزة خمسين عاماً إلى الوراء. اجتاحت قطاع غزة. دمرت إكثر من 33 في المئة من المباني والمنشآت العمرانية، وتواصل تدمير الحياة في القطاع تدميراً منهجياً لتحويل حياة الغزيين إلى جحيم مستدام حتى بعد أن تنتهي الحرب. قتلت أكثر من عشرين ألف مواطن. وهي تعد العدة لدفع مئات الآلاف إلى هجرة “طوعية” حسبما صرح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. إنها تحقق هدفاً تاريخياً بقتل الحياة في جزء من فلسطين التاريخية.
ما تقدم يشير إلى أن إسرائيل استغلت الضربة الموجعة التي وجهتها إليها حركة حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. فنفضت الغبار عن مخططات قديمة من عمر إسرائيل نفسها، وعمدت إلى تنفيذها. وعلى الرغم من عدم قدرتها حتى الآن على إنجاز انتصار واضح ضد حماس والفصائل الفلسطينية، إلا أنها حققت انتصار الوحش على المواطنين العزل الذين يدفعون الثمن الأغلى في الحرب. أما المفاوضات السياسية الدائرة بين الأطراف المعنية في عواصم عدة، فجلّ ما يطرح فيها إنهاء حكم حركة حماس ووجودها العسكري في غزة على قاعدة أن حماس جاءت إلى الحكم بانقلاب، والثمن الذي يدفع اليوم جراء عملية “طوفان الأقصى” باهظ إلى حد يفترض أنه يدعو يحيى السنوار والقيادة المحيطة به إلى التفكير ملياً بحجم عذابات المدنيين ووضعها في ميزان المعركة. وثمة من يعتبر أن هدف الحرب خدمة الناس بمنحهم الحرية والكرامة الوطنية. والسؤال المطروح اليوم إن استمرت المعركة لأشهر طويلة: ماذا سيبقى من قطاع غزة؟ وماذا سيبقى للمواطن المرمي في مخيمات النزوح؟ وما هي الحياة التي ستقدم لهذا المواطن؟
قد تقدم إسرائيل على توسيع دائرة الحرب نحو لبنان وسوريا. وبهذه الحالة سوف تتغير سردية الحرب لتخدم الدعاية الإسرائيلية التي تقول إنها تتعرض لهجوم من كل حدب وصوب. ألم يصرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يوم أمس قائلاً: “إننا نتعرض لهجوم من سبع جهات ونحارب في ست منها”. وعدد غالانت الدول التي تتعرض منها إسرائيل. بمعنى آخر إنه حرص على تصوير إسرائيل بأنها ضحية هجوم محور متطرف تقوده إيران عبر دول عربية عدة. ومن هنا نحن نخشى أن يرفع الإسرائيليون من وتيرة المواجهة مع “حزب الله” في لبنان إلى حد استدراجه إلى حرب، تريدها إسرائيل ظناً منها أن الفرصة سانحة لتصفية حساب قديم مع الحزب المذكور ومرجعيته في إيران.
فضرب “حزب الله” هو ضرب في عمق النظام الإيراني. فهو الفصيل الوحيد الذي تعتبره إيران جزءاً من تركيبتها الداخلية. وإذا ما ضرب هذا الحزب في لبنان من خلال توريطه بحرب تنتهي بترتيبات جديدة مختلفة عن ترتيبات حرب 2006 أو من خلال تدمير جزء كبير من بنيته العسكرية فسيكون مكسباً كبيراً لإسرائيل، حتى لو دفعت ثمناً باهظاً على جبهتها الداخلية.
قد لا تنتصر إسرائيل. لكن حماس لن تنتصر. وأهل غزة بالتأكيد لن ينتصروا. أما “حزب الله” في لبنان فيقع في فخ ما كان يحسب له حساباً.