عندما أعلنت السيدة غاي تنحيها عن منصبها، أنهت بذلك فترة ولاية مضطربة بدأت في يوليو (تموز). وسوف تكون هي أقصر فترة لذلك المنصب لدى أي رئيس لجامعة هارفارد منذ تأسيسها عام 1636. وسوف يكون السيد آلان غاربر، الخبير الاقتصادي والطبيب الذي يشغل منصب وكيل جامعة هارفارد وكبير المسؤولين الأكاديميين، رئيساً مؤقتاً للجامعة. وسوف تبقى السيدة غاي أستاذاً دائماً للدراسات الحكومية والأفريقية، والأفريقية الأميركية.

أصبحت السيدة غاي ثاني رئيسة جامعة تستقيل في الأسابيع الأخيرة، بعد أن ظهرت هي ورئيسا جامعة بنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في جلسة استماع بالكونغرس في 5 ديسمبر (كانون الأول)، بدا فيها أنهم تهربوا من مسألة ما إذا كان يتعيَّن معاقبة الطلاب الذين يدعون إلى إبادة اليهود.

واستقالت السيدة إليزابيث ماغيل، رئيسة جامعة بنسلفانيا، بعد 4 أيام من جلسة الاستماع تلك. كما واجهت سالي كورنبلوث، رئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، دعوات تطالبها بالاستقالة.

وفي رسالة أعلنت فيها قرارها، قالت غاي إنه بعد التشاور مع أعضاء الهيئة الإدارية للجامعة، وهي مؤسسة هارفارد، «صار من الواضح أنه من مصلحة جامعة هارفارد أن أستقيل حتى يتمكن مجتمعنا من التحرك في هذه اللحظة من التحديات الاستثنائية مع التركيز على المؤسسة بدلاً من أي فرد».

في الوقت نفسه، دافعت غاي (53 عاماً) عن سجلها الأكاديمي، وأشارت إلى أنها كانت هدفاً لهجمات شخصية وعنصرية قاسية.

وكتبت: «وسط كل هذا، كان من المحزن التشكيك في التزاماتي بمواجهة الكراهية والتمسك بالصرامة العلمية – وهما قيمتان راسختان أساسيتان في تحديد هويتي – ومن المخيف التعرض لهجمات وتهديدات شخصية تغذيها العداوة العنصرية».

في العام الماضي، اعتبر خبر تعيين السيدة غاي على نطاق واسع لحظة انطلاقٍ للجامعة. تولَّت ابنة المهاجرين الهايتيين والخبيرة في تمثيل الأقليات والمشاركة السياسية في الحكومة، منصبها في الوقت الذي رفضت فيه المحكمة العليا استخدام القبول الذي يراعي الأعراق في جامعة هارفارد وجامعات أخرى.

كما أصبحت هدفاً رئيسياً لبعض الخريجين الأقوياء، بمن فيهم المستثمر الملياردير بيل أكمان، الذي كان قلقاً بشأن معاداة السامية، واقترح على وسائل التواصل الاجتماعي الشهر الماضي أنَّ هارفارد لم تفكر سوى في المرشحين للرئاسة الذين تنطبق عليهم «معايير التنوع والإنصاف والشمول».

جاءت استقالة السيدة غاي بعد أن ذاعت آخر اتهامات لها بالسرقة الأدبية في شكوى غير موقعة نُشرت يوم الاثنين في صحيفة «واشنطن فري بيكون»، الصحيفة المحافظة على الإنترنت التي قادت حملة ضد السيدة غاي خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وأضافت الشكوى إلى حوالي 40 تهمة أخرى تتعلق بالسرقة الأدبية، سبق أن تم تداولها في الصحيفة. وأثارت هذه الاتهامات تساؤلات حول ما إذا كانت جامعة هارفارد تطبق على رئيستها المعايير الأكاديمية نفسها التي تُطبق على طلابها.

أشار لورانس سامرز، وزير الخزانة الأميركي السابق الذي استقال من منصبه رئيساً لجامعة هارفارد تحت ضغوط عام 2006، إلى أن السيدة غاي اتخذت القرار الصحيح. وقالت العضو في مجلس النواب فرجينيا فوكس، التي ترأس إحدى لجان المجلس التي تحقق في شؤون جامعة هارفارد وجامعات أخرى، إن التحقيق سوف يستمر برغم استقالة السيدة غاي.

وقالت النائبة فوكس في بيان: «كان هناك استيلاء عدائي على التعليم ما بعد الثانوي من قبل الناشطين السياسيين، مما لفت انتباه أعضاء هيئة التدريس والإداريين الحزبيين»، مضيفة أن «المشاكل في هارفارد أكبر بكثير من مقدرة قائد واحد».

في حرم جامعة هارفارد، أعرب البعض عن استيائهم العميق مما وصفوه بحملة ذات دوافع سياسية ضد السيدة غاي، وضد التعليم العالي على نطاق أوسع. وكان المئات من أعضاء هيئة التدريس قد وقعوا على رسائل عامة يطالبون فيها مجلس إدارة جامعة هارفارد بمقاومة الضغوط الرامية إلى إقالة السيدة غاي.

وقال خليل جبران محمد، أستاذ التاريخ والعرق والسياسة العامة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد: «إنها لحظة رهيبة. لقد أعلن قادة الكونغرس الجمهوريون الحرب على استقلال الكليات والجامعات، تماماً كما فعل ديسانتيس حاكم فلوريدا. وسوف تؤدي استقالة السيدة غاي إلى مزيد من جرأتهم».

انتقد بعض أعضاء هيئة التدريس كيف تعاملت مؤسسة هارفارد السرية مع الهجمة السياسية ومزاعم السرقة الأدبية.

وقالت أليسون فرانك جونسون، أستاذة التاريخ بالجامعة، إنها «لا يمكن أن تكون أكثر انزعاجاً جراء ذلك».

وقالت: «بدلاً من اتخاذ قرار يستند إلى المبادئ العلمية الراسخة، كانت لدينا هنا مطاردة عامة. وبدلاً من الاستماع إلى أصوات العلماء في مجالها الذين يمكنهم التحدث عن أهمية وأصالة بحثها، سمعنا أصوات السخرية والحقد على وسائل التواصل الاجتماعي. وبدلاً من اتباع الإجراءات الجامعية المتبعة، كانت لدينا مؤسسة تتيح حق الوصول إلى المستشارين المُعينين ذاتياً وتجري المراجعات باستخدام أساليب غامضة وغير معلنة».

انتشرت الشائعات حول مشاكل في عمل السيدة غاي لأشهر على منصات الرسائل المجهولة. لكن أول تقرير نُشر على نطاق واسع ظهر في 10 ديسمبر (كانون الأول)، قبل أن يجتمع مجلس إدارة جامعة هارفارد لمناقشة السيدة غاي، بعد شهادتها في جلسة الاستماع بالكونغرس.

في مساء ذلك اليوم، نشر الناشط المحافظ كريستوفر روفو مقالة في رسالته الإخبارية «Substack» تسلط الضوء على ما وصفه بأنه «الأنماط الإشكالية من الاستخدام والاستشهاد» في أطروحة دكتوراه السيدة غاي لعام 1997.

وتبعتها صحيفة «واشنطن فري بيكون» بنشر عدة مقالات تُفصل مزاعم تتعلق بمقالاتها العلمية المنشورة، وقدمت شكايتين رسميتين إلى مكتب نزاهة البحوث التابع لكلية الآداب والعلوم بجامعة هارفارد.

وفي بيان صدر في 12 ديسمبر (كانون الأول)، جاء فيه أن السيدة غاي سوف تبقى في منصبها، أقر المجلس بالاتهامات، وقال إنه تم إبلاغه بها في أواخر أكتوبر (تشرين الأول). وقال المجلس إنه أجرى تحقيقاً ووجد «بضع حالات من الاستشهاد غير الكافي» في مقالتين، وقال إنه سوف يتم تصحيحهما. ولكن المجلس قال إن المخالفات لم ترتق إلى مستوى «سوء السلوك البحثي».

كانت السيدة غاي قد تعرضت بالفعل لضغوط بسبب ما قال البعض إنه رد الجامعة غير الكافي على هجمات 7 أكتوبر ضد إسرائيل.

بعد التزام الصمت في البداية بعد أن كتبت الجماعات الطلابية رسالة مفتوحة تقول فيها إن إسرائيل «مسؤولة بالكامل» عن العنف، أصدرت السيدة غاي وغيرها من المسؤولين رسالة إلى المجتمع الجامعي يعترفون فيها «بمشاعر الخوف والحزن والغضب وغير ذلك». وبعد احتجاج شديد اللهجة على تلك اللغة الفاترة التي استخدمها البعض، أصدرت السيدة غاي بياناً أكثر قوة يُدين «حماس» بسبب ارتكاب «الفظائع الإرهابية»، في حين حثت الناس على استخدام كلمات «تنير الوعي ولا تُشعل المشاعر».

في جلسة الاستماع في الكونغرس، وجهت النائبة إليز ستيفانيك، الأسئلة الافتراضية إلى السيدة غاي ورؤساء الجامعات الآخرين.

وسألت النائبة ستيفانيك السيدة غاي قائلة: «هل الدعوة إلى الإبادة الجماعية لليهود تنتهك قواعد هارفارد للتنمر والمضايقة؟ نعم أم لا؟»، فأجابت السيدة غاي بقولها: «قد يكون الأمر كذلك، اعتماداً على السياق».

انتشر هذا التبادل، والحوار المماثل ذهاباً وإياباً بين النائبة ستيفانيك والسيدة ماغيل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأثار غضب العديد من الناس الذين لديهم علاقات وثيقة مع الجامعات.

انتقلت السيدة غاي إلى احتواء التداعيات عبر الاعتذار في مقابلة نُشرت في صحيفة «هارفارد كريمسون» في الحرم الجامعي. وقالت: «عندما تُضخم الكلمات من شدة المعاناة والألم، لا أعرف كيف يمكن أن تشعر بأي شيء سوى الندم».

بعد أسبوع واحد من إدلائها بشهادتها، أصدرت مؤسسة هارفارد بيان تأييد بالإجماع – بعد أن اجتمعت في وقت متأخر من الليلة السابقة – قالت فيه إنها تقف بقوة خلف السيدة غاي.

لكن كانت هناك دلائل على أن الجدل المُثار ربما قد أضر بسمعة جامعة هارفارد. وقالت الجامعة الشهر الماضي إن عدد الطلاب الذين تقدموا ضمن إطار برنامج العمل المبكر بالجامعة – مما يتيح لهم إمكانية اتخاذ قرار بشأن القبول في ديسمبر (كانون الأول) بدلاً من آذار – قد انخفض بنسبة 17 في المائة تقريباً.

* خدمة «نيويورك تايمز»