مواقف عراقية ضدّ هجوم إيران تعيد الدفء إلى علاقات بغداد وأربيل  المصدر: النهار العربي رستم محمود

أثارت المواقف السياسية والشعبية العراقية المناهضة للقصف الإيراني على مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، ارتياحاً عاماً في الإقليم، وأعادت الدفء إلى العلاقات التي تجمعه بالسلطة المركزية، بعد شهور من التصعيد السياسي بينهما. ويتوقع مراقبون استمرار ذلك خلال المدى المنظور، وانعكاسه إيجاباً على الملفات العالقة بين الطرفين.

فقد أطلق الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على منزل مدني في مدينة أربيل ردود فعل سياسية لافتة في العراق، وقفت بمجملها إلى جانب الإقليم، ونددت بالهجوم رافضة الرواية الإيرانية التي زعمت أن المكان المُستهدف هو مركز استخباري للموساد الإسرائيلي، مؤكدة الوقوف بجانب الإقليم كجزء من العراق، ومعتبرة أن السلطة المركزية مخولة الدفاع عن سيادة العراق وأمن مواطنيه، أياً كانوا وفي أي بقعة منه، ما أخرج المسألة من كونها مواجهة بين إقليم كردستان وإيران، لتكون مسألة عراقية – إيرانية.

وقد ندد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالهجوم الإيراني مباشرة بعد وقوعه، وأصدر أوامر بتشكيل لجنة أمنية وطنية برئاسة مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي ووزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد. وباشرت اللجنة أعمالها مباشرة في اليوم التالي، وزارت الموقع المستهدف، ليكذّب الأعرجي الرواية الإيرانية، مؤكداً الطبيعة المدنية للمنزل، وكذلك جاهزية العراق للدفاع عن مواطنيه.

وذكر الأعرجي بإمكان تأثير الهجوم على العلاقات التي تجمع العراق بإيران، والخاصة بإقليم كردستان. الأعرجي كتب على صفحته في منصة X: “اطلعنا ميدانياً وبرفقة أعضاء اللجنة التحقيقية، على منزل رجل الأعمال المستهدف ليلة أمس في أربيل، وتبين أن الادعاءات التي تتحدث عن استهداف مقر للموساد لا أساس لها من الصحة”.

بعده مباشرة أعلن السوداني إلغاءه الاجتماع الذي كان من المفترض أن يجمعه مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش مُنتدى دافوس الاقتصادي، مثلما فعل رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني الذي كان يشارك في المناسبة نفسها.

العديد من الشخصيات السياسية والبرلمانية والعامة، ومعها الأحزاب السياسية العراقية، فعلت الأمر نفسه، حتى المقربة منها من إيران. فوقوع ضحايا مدنيين بينهم طفلة، إلى جانب عدم تماسك الرواية الإيرانية، منعا مختلف الجهات العراقية من البقاء على الحياد في الحادث، وهو ما دفع نظيرتها في إقليم كردستان إلى الثناء عليها وشكرها، لكن عضو المكتب السياسي في الحزب الديموقراطي الكردستاني والشخصية السياسية البارزة في الإقليم هوشيار زيباري خصّ التيار الصدري بشكر خاص، وكتب عبر منصة X: “نشكر جميع المواقف الكردستانية والوطنية العراقية والدولية التي أدانت العدوان على أربيل واستهداف المدنيين. ولكن شهادة للتاريخ الطرف الشيعي الوحيد الذي أدان العدوان علانية، كان سماحة السيد مقتدى الصدر والتيار الصدري الذي وقف ضد التبعية ومع الوطنية العراقية”.

وبرز حجم الغضب في إقليم كردستان من حلال المشاركة الرسمية والشعبية الواسعة في تشييع ضحايا الهجوم في دهوك.

في أقوى المواقف الوطنية، أشار وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي إلى إمكان تعليق الاتفاق الأمني مع إيران. وأدان القصف الإيراني على إقليم كردستان واعتبره أمراً مرفوضاً قطعياً، لافتاً إلى جاهزية قواته للرد على الاعتداءات الخارجية، وهي المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هذا الموقف تجاه إيران من أي مسؤول عراقي منذ سنوات.

ودان زير الخارجية العراقي فؤاد حسين في بيان رسمي الهجمة الإيرانية على كردستان، واستدعت وزارته القائم بالأعمال الإيراني في العراق، وسلمته مذكرة احتجاج، وقالت الوزارة في بيان رسمي مباشر إن “القصف الإيراني على مدينة أربيل عدوان على سيادة البلاد وإساءة إلى حسن الجوار وأمن المنطقة… سنتخذ كل الإجراءات القانونية ومن ضمنها تقديم شكوى إلى مجلس الأمن”، وهو ما فعلته مباشرة بعد أيام قليلة، في أول إجراء من نوعه منذ سنوات.

المراقبون لم يكونوا يتوقعون مواقف كهذه من قوى الإطار التنسيقي الشيعية، المرتبطة بإيران سياسياً وعقائدياً، وهي التي كانت تفعل ذلك فقط حينما تتعرض الأراضي العراقية لهجمات من تركيا والولايات المتحدة فحسب. فقوى الإطار كانت تقليدياً تدعم الرواية الإيرانية، من خلال شخصياتها ومنابرها الإعلامية، التي تحمل إقليم كردستان واستراتيجياته مسؤولية عمليات القصف الإيرانية بسبب إيوائه بعض المعارضين الإيرانيين. وقد فعلت بعض الشخصيات من الإطار شيئاً من ذلك خلال الحدث الأخير، لكن بطريقة خجولة استدعت ردود فعل وطنية منددة بتصريحاتها.

الباحث في “مركز الفرات للدراسات” سليمان أوصمان شرح في حديث إلى “النهار العربي” الموجبات التي دفعت معظم القوى والجهات الرسمية العراقية لأن تقف بحزم واضح إلى جانب الإقليم، قائلاً: “كان ثمة ما لا يُمكن الصمت عنه، حجم الكارثة وضحاياها المدنيين، وسوء تماسك الرواية الإيرانية، وإلى جانبها التأثيرات المستقبلية للصمت إن حدث، كل ذلك كان له أن يدفع الإقليم إلى أن يتصرف وكأن السلطة الرسمية غير موجودة وغير منحازة إلى واجباتها الدستورية، هذا غير حرص قوى الإطار والحكومة المركزية على الحفاظ على وجود الكرد ضمن العملية السياسية في البلاد، وهي التي تتوقع في كل لحظة عودة التيار الصدري إلى التصعيد ضدها، في وقت عاد رئيس البرلمان المُقال محمد الحلبوسي إلى البروز بقوة بعد الانتخابات المحلية الأخيرة. لأجل ذلك اختارت هذه القوى السياسية ما هو أقل ثمناً، بحيث يكون مقبولاً إلى حد ما بالنسبة إلى إيران، ويمكن استيعابه وتجاوزه مستقبلاً، وتحميل الإقليم تبعات موقفها الحمائي له مستقبلاً”.

الأوساط الشعبية والسياسية والعامة في الإقليم ثمنت مواقف السلطات والأحزاب المركزية العراقية، خصوصاً أنها جاءت في وقت تم التوصل إلى اتفاق آني بشأن تمويل الحكومة المركزية رواتب موظفي الإقليم، ما أشاع أجواءً إيجابية ودافئة للعلاقة مع السلطة المركزية.

ولقي البيان الذي أصدرته جامعة الدول العربية لمصلحة الإقليم، ونددت فيه بالهجوم الإيراني، صدى إيجابياً فيه، خصوصاً أنه اعتبر أمن الإقليم وسلامة سكانه جزءاً من الأمن والسلامة العامة لعموم العراق، ما أضفى طابعاً إقليمياً مسانداً للإقليم. وأثار موقف الجامعة العربية سخط إيران التي ردّت بدعوتها إلى أن “تبذل جهودها وقدراتها السياسية والحقوقية والدولية لوقف الهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة”، وفق متحدث باسم الخارجية الإيرانية.