تنعقد اليوم الأربعاء الجولة الحادية والعشرين من مسار أستانا حول الأزمة السورية بعد تعثّر دام ما يقارب سبعة أشهر عجزت خلالها الأطراف الضامنة عن الاتفاق على تحديد موعد جديد بسبب التعقيدات والتباينات في مواقف كل من تركيا وإيران وروسيا، وكذلك بسبب الأوضاع الإقليمية والدولية المحتدمة على خلفية الحرب في أوكرانيا وما تلاها من اندلاع الحرب في غزة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وجاء الاتفاق على الجولة الجديدة بعد حملة قصف جوي قامت بها القوات التركية ضد مواقع “قوات سوريا الديموقراطية” طالت قسماً من البنى التحتية ومحطات الكهرباء ومصافي تكرير النفط البدائية، وسط تهديدات بالقيام بعملية برية عسكرية في أي وقت. وكذلك جاء بعد تصعيد القوات السورية حملة قصفها على إدلب منذ حادثة استهداف الكلية الحربية في الخامس من تشرين الأول الماضي، وما زالت مستمرة وفق إيقاعات متباينة تفرضها ضرورات العمل الميداني وكيفية ردّ “هيئة تحرير الشام” وحلفائها على تحركات الجيش السوري.
وبسبب عدم وجود مقدمات تفسر هذا الانفراج على مسار أستانا، تراوحت التكهنات بين أن يكون تحديد موعد الجولة الحالية نتيجة التوصل إلى صفقة ما بين تركيا وروسيا تسمح للدولتين باستغلال انشغال الولايات المتحدة في أحداث غزة دعماً لإسرائيل من أجل إجراء مقايضة على الأراضي بين الجانبين، لا سيما في منبج وتل رفعت، وبين أن يكون الأمر بسبب رغبة روسيا ودمشق في اتخاذ انعقاد مسار أستانا مظلة للقيام بعملية عسكرية تستهدف إعادة فتح الطريق الدولي “أم فور” الواصل بين اللاذقية وحلب والذي يعتبر من بنود مذكرة التفاهم بين روسيا وتركيا في آذار (مارس) 2020.
وكانت مراصد عسكرية نشطة في الشمال السوري قد حذرت من تصعيد عسكري محتمل من جانب الجيش السوري والحليف الروسي قبل انطلاق الجولة المقبلة من مسار أستانا التي ستعقد في 24 و25 من كانون الثاني (يناير) الحالي.
المراصد أشارت عبر غرف “تلغرام” إلى تصعيد القصف الصاروخي والمدفعي تكراراً قبل جلسات أستانا، ودعت الأهالي إلى الانتباه والحذر من أي قصف مدفعي وصاروخي، وتخفيف التجمعات والحركة، وعدم الاستهتار، لا سيما عند دوران طيران الاستطلاع.
وربطت المراصد التصعيد بالضغط السياسي لتحقيق مكتسبات سياسية أكبر.
ورصد “مرصد سوريا” التابع لـ”الدفاع المدني السوري”، الاثنين، حركة طيران روسي فوق مناطق جبل الزاوية وقراه وأريحا ومدينة إدلب، ومعرة مصرين، وإبين، والأتارب، ودارة عزة، وتفتناز وسرمين، ومحمبل وجبل الأربعين، ودارة عزة وأورم الجوز.
“المرصد 80” (أبو أمين)، أوضح أنه على مدار الأيام الثلاثة الماضية، نشطت حركة للطيران الحربي الروسي بين البادية والشمال، حيث أجرى ما يسمى بـ”دوريات جوية”، تشمل مراقبة للمنطقة وتدريباً في الوقت نفسه، وفق ما نقلت عنه شبكة “عنب بلدي” السورية المعارضة.
حركة الاستطلاع كانت طبيعية، لكن ما زاد قبل أستانا هو حركة دوران الطيران الحربي الروسي، الذي يذهب إلى البادية ويعود إلى الشمال لإجراء دوران، وقد لا يعود إلى البادية بعدها، بحسب المهمة.
وخلال الأيام الماضية شهدت قرى وبلدات أريحا وجبل الزاوية والفطيرة وريف حلب الغربي، تصعيداً نسبياً في القصف، مع زيادة في حركة الطيران. ويوم الاثنين، تعرضت مدينة أريحا جنوب إدلب، لقصف صاروخي من حواجز النظام المحيطة بالمنطقة، ما تسبب بإصابة ستة مدنيين، بينهم امرأة وطفلتاها، وطفلان آخران، وفق ما وثقته فرق “الدفاع المدني السوري”.
ويعتبر هذا القصف هو الثاني من نوعه الذي تتعرض له أريحا في غضون أسبوع، إذ وثق “الدفاع المدني السوري” مقتل مدني وإصابة ثمانية آخرين بهجمات صاروخية لقوات النظام على مدينة أريحا، في 16 من كانون الثاني، وطالت الأحياء السكنية، وكان بعضها قريباً من مساجد ومرفق طبي وشارع البازار، تسببت بمقتل مدني وتسجيل ثماني إصابات، بينها طفلتان وامرأة.
لكن رئيس وفد المعارضة السورية إلى محادثات أستانا أحمد طعمة، أكّد في تصريحات صحافية عدم وجود مؤشرات إلى استعداد النظام السوري للقيام بعمل عسكري في إدلب.
جاء ذلك في تصريح إلى موقع “نداء بوست”، أدلى به طعمة مساء الاثنين قُبيل توجُّهه إلى كازاخستان.
وأشار طعمة إلى أن النظام السوري يُصعّد من قصفه على إدلب قُبيل كل جولة من محادثات أستانا، مؤكداً أن التصعيد الحالي يندرج في إطار الانتهاكات التي تهدف إلى الضغط على المعارضة وتركيا.
كما أكد أن النظام السوري غير قادر على شن عمل عسكري في إدلب خلال الوقت الراهن لأسباب إقليمية ودولية، مضيفاً أن المعطيات على الأرض لا تشير إلى وجود تحرُّكات أو حشود عسكرية في المنطقة.
طعمة دعا المدنيين إلى الاطمئنان وعدم الانجرار خلف الشائعات التي تصدر من إعلام النظام، مؤكداً أنه “لن يحصل شيء مُقلِق، والجيش الوطني والحلفاء بالمرصاد لأيّ تحركات خبيثة”.
دمشق، بدورها، علّقت على الأنباء التي تزعم وجود صفقة بين تركيا وروسيا لتغيير مناطق السيطرة والنفوذ في محافظة إدلب وفي مدينة منبج بريف حلب الشرقي.
ونقلت صحيفة “الوطن” الموالية عن مصادر في العاصمة السورية نفيها “وجود صفقات روسية – تركية لتبادل أراضٍ في إدلب مقابل التخلي عن تل رفعت”.
وزعمت المصادر أن إيران “ترفض من حيث المبدأ اقتراب الخطر التركي منها ومن محيطها الجغرافي على الطريق الذي يربط غازي عنتاب بحلب”.
كما اعتبرت أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية ليست مواتية لتوسيع رقعة النفوذ التركي في سوريا عَبْر ضمّ منطقتَيْ تل رفعت ومنبج إلى مناطق النفوذ التركية.
وتوقعت المصادر أن تظل حدود خطوط التماسّ، المرسومة منذ نهاية تشرين الأول 2019 عقب عملية “نبع السلام” التي نفذها الجيشان “الوطني السوري” والتركي في منطقة تل أبيض شمال الرقة ورأس العين بريف الحسكة، “على ما هي عليه الآن ولفترة طويلة، ما لم تتغير موازين القوى في المنطقة لمصلحة أي طرف فاعل على الأرض السورية”.
الجدير بالذكر أن صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي – بعضها تابع لـ”قسد” – زعمت أخيراً وجود صفقة مقايضة بين تركيا وروسيا تتخلى بموجبها الأولى عن مناطق في إدلب، مقابل تخلي الثانية عن منبج وتل رفعت بريف حلب.