تظاهرة ترفع لافتة ضدّ التحريض في هامبورغ (أ ف ب)

تظاهرة ترفع لافتة ضدّ التحريض في هامبورغ (أ ف ب)

رغم البارد القارس، يخرج مئات الآلاف من المواطنين في غالبية المدن الألمانية بتظاهرات احتجاج متوالية للتنديد بخطط الحزب اليميني المتطرّف “البديل من أجل ألمانيا”، الخاصة بكيفية طرد ملايين الأشخاص من أصول مهاجرة، بينهم من حَمَلة الجنسية الألمانية، وهي الخطط التي تمّ تداولها خلال اجتماع عُقد مع النازيين الجدد في أحد فنادق بوتسدام خلال تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، وكشف عنها تحقيق استقصائي لموقع “كوركتيف” خلال الأيام الماضية. فما تأثيرات الاحتجاجات التي تتخذ منحى تصاعدياً للحدّ من شعبية البديل اليميني المتطرّف؟

يبدو واضحا أنّ المواطنين في ألمانيا التمسوا جدّياً خطورة الوضع، وسنشهد تحالفاً واسعاً يضمّ كل الأطياف والقوى الاجتماعية المؤيّدة للديموقراطية في البلاد، في نوع من التعبئة ضدّ اليمين المتطرّف.

وفي هذا الإطار، اعتبر الباحث السياسي والخبير في شؤون الجماعات اليمينية المتطرّفة هاجو فونكه، أنّ “حجم الحركة الاحتجاجية ضدّ البديل “مثير للدهشة”، وما يحصل من تحركات يُعدّ الأكبر في تاريخ الجمهورية الفيدرالية بعد التظاهرات الكبيرة ضدّ حرب فيتنام، والحركة الشعبية في أواخر زمن جمهورية ألمانيا الديموقراطية”. ويشدّد فونكه على أنّ كثافة المشاركة الشعبية الداعية الى الحفاظ على الديموقراطية، تعد “دليلا واضحا على أننا نسير على الطريق الصحيح”، وما كشفه التحقيق الاستقصائي أحدث صدمةً وتحولّاً جذرياً لدى المواطن.

وقال فونكه إنّ حظر حزب “البديل” لا يخدم التوجّهات العامة، لاسيما أنّ إجراءات الحظر تستغرق وقتاً طويلاً وقد تتراوح بين سنتين وأربع سنوات. وبالتالي، لن يكون لها أي تأثير على الانتخابات الولائية المقرّرة الخريف المقبل في كل من ولايات ساكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ، أو في الانتخابات البرلمانية العامة المقرّرة في أيلول (سبتمبر) 2025، مبرزاً أنّ العامل الحاسم هو الاحتجاج وقرار التصويت يوم 9 حزيران (يونيو) 2024 في الانتخابات الأوروبية، كما وفي الانتخابات الولائية المذكورة. ويتقدّم “البديل” في استطلاعات الرأي في الولايات الثلاث على الأحزاب التقليدية المدافعة عن الديموقراطية.

وفي هذا الصدد أيضاً، قال الباحث في جامعة بريمن نيلز كومكار، إنّه “أمام الأرقام المتزايدة لـ “البديل” في الاستطلاعات، لا مناص من القول إنّ الجمهور كان يبدو أشبه بأرنب أمام ثعبان، والجميع مكبّل وفي حال من عدم اليقين لما يمكن فعله لمواجهة الحزب اليميني المتطرّف. واجتماع بوتسدام كان القشة التي قصمت ظهر البعير، والاحتجاجات الحالية جلبت إلى الشارع إجماعاً مشتركاً على نطاق واسع نسبياً، بعدما كان في السابق مشلولاً إلى حدّ ما”.

رقابة على تبرعات اليمين المتطرّف

وتزامناً مع الهبّة الشعبية ضدّ اليمين المتطرّف، تريد وزيرة الداخلية نانسي فيزر المضي قدماً في الرقابة على التدفقات المالية لـ”البديل”، وقد أوضحت يوم الجمعة لشبكة التحرير الألمانية، أنّ دوائر الوزارة تعمل من كثب للكشف عن الشبكات والجمعيات ورجال الأعمال والأفراد الذين يعملون الى جانب اليمين المتطرّف ويدعمونه بالأموال. ووفق فيزر، فإنّ الاستخبارات الداخلية الألمانية قامت بتوسيع نشاطها في مجال التحقيقات المالية خلال العام ونصف العام الماضيين، لتشير في حديثها إلى أنّ اجتماع اليمينيين المتطرّفين في بوتسدام، وحقيقة توجّهاتهم بطرد الناس بشكل جماعي من ألمانيا بسبب أصلهم العرقي، يمثلان اعتداءً على أسس الكرامة الإنسانية، وبأنّها “أوهام ترحيل عنصرية”. وفي السياق نفسه، برزت تعليقات سياسية تؤكّد أنّ خروج أعداد كبيرة من الناس إلى الشوارع يعدّ علامة مشجّعة للغاية على وجود ديموقراطية نابضة بالحياة في البلاد، وأنّ حدث بوتسدام أيقظ الناس في البلاد.

بوادر انقسامات

ورغم اعتبار أعضاء من “البديل” أنّ صور الاحتجاجات المناهضة له مزيفة، هناك بوادر انقسامات تلوح في الأفق داخل الحزب اليميني الشعبوي، بعدما تراوحت ردود الفعل في صفوفه بين النأي بالنفس والاتهامات بالتطرّف الأعمى، ووصل الأمر الى حدّ وصف ما صدر من تصريحات خلال الاجتماع السرّي بـ”اللاإنسانية”. حتى انّ صحيفة “فرانكفورتر روندشو”، أشارت إلى أنّ الاعتراضات أفضت إلى طرد رولاند هارتفيغ المتحدث باسم الزعيمة المشاركة للحزب أليس فايدل، والذي كان جزءاً من المشاركين. في المقابل، لم يتردّد الناشر اليميني الشعبوي غوتز كوبيتشك والمقرّب من أكثر القياديين تطرّفاً في “البديل” بيورن هوكه، في مهاجمة فايدل، إذ كتب على موقعه الإلكتروني أنّ ردّ فعلها نسف “الخط المعقول” لخطط إعادة الهجرة وفتح ثغرة، في وقت يتعيّن فيه على “البديل  أن يتّحد في الإحتجاجات الموجّهة ضدّه وتمرير انتخابات رائدة”.

ومع الدعوات المطالبة بحظر حزب “البديل”، هدّدت زعيمة حزب التجمّع الوطني الفرنسي مارين لوبن، التي تعتزم الترشح للمرّة الرابعة لرئاسة فرنسا عام 2027، بإنهاء التحالف ضمن المجموعة البرلمانية للاتحاد الأوروبي، وأنّها لا تريد أن تكون لها أي علاقة بخطط الطرد الجماعي، بعد ما ورد من تقارير عن اجتماع بين سياسيي “البديل” والنازيين الجدد، مشدّدة عل أنّه يجب دراسة ما إذا كان ذلك ستكون له عواقب على الكتلة المشتركة في برلمان الاتحاد الأوروبي.

وتماشياً مع ما تمّ ذكره، قال الباحث السياسي ميشائيل كراسكي أخيراً، إنه وبشكل عام فإنّ الحزب اليميني المتطرّف يعيش “حالةً من الذعر” بسبب الاحتجاجات المضادة الضخمة، ولديه صعوبة متزايدة في الحفاظ على سيادته، بعدما عاش ولفترة طويلة وقتاً سهلاً، سمح له بتحقيق أرقام ملحوظة مؤيّدة لسياساته في الاستطلاعات وأبحاث الرأي. وكل ذلك لأنّ الأغلبية الشعبية ظلّت صامتة بشأن قصص المؤامرة والمحتوى الأيديولوجي لليمين المتطرّف، ليوضح قائلاً: “لقد تغيّر ذلك الآن” مع زيادة الاستياء منه لدرجة كبيرة.