خبراء يحذرون من تدويل الحرب وتهديد أمن البحر الأحم

تزامن الكشف عن حصول الجيش السوداني على مسيرات «مهاجر 6» الإيرانية، والإعلان عن استعادة السودان علاقاته مع حكومة طهران، مع توتر حاد في العلاقات الإيرانية الأميركية، بلغ ذروته، ليلة الجمعة، بشن غارات على أهداف إيرانية في كل من سوريا والعراق، بموازاة هجمات صاروخية واعتراض للسفن في البحر الأحمر من قبل الحوثي، طرح سؤالاً حول ما إذا كانت هذه المتغيرات ستعيد رسم المشهد السوداني.

وأعاد التعاون التسليحي بين الجيش السوداني وإيران التذكير بالعلاقات التسليحية الإيرانية السودانية في عهد نظام الإسلاميين، واستهداف الطيران الإسرائيلي لمهربي سلاح داخل السودان، وتدمير مصنع «اليرموك» للأسلحة بغارة جوية إسرائيلية، كما يطرح السؤال عما إذا كانت مسيرات «مهاجر» ستؤثر في التوازن الاستراتيجي في المنطقة.

فبالإضافة إلى التوتر بين واشنطن وطهران، فإن المنطقة تشهد كثيراً من التوترات، وعلى رأسها الحرب الدائرة بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وإسرائيل، والتصعيد الحوثي في منطقة البحر الأحمر باستهداف السفن، والرد الأميركي بقصف مواقع تابعة للحوثي الموالي لإيران، وأداتها في منطقة البحر الأحمر، والضربات الأميركية ضد الأهداف الإيرانية في العراق وسوريا. وكانت الحكومة الإسلامية بقيادة الرئيس السابق عمر البشير، تحصل على السلاح الإيراني، في مخالفة لحظر التسلح الذي كان مفروضاً عليها من قبل مجلس الأمن الدولي، بيد أنها اضطُرت لقطع علاقاتها مع إيران بسبب ضغوط خليجية واقتصادية في عام 2016.

مخاوف التحول إلى حرب إقليمية

يرى أستاذ السياسة العامة والإدارة في جامعة «لونغ آيلاند» (Long Island) في نيويروك، الدكتور بكري الجاك المدني، أن الإسلاميين في توجههم لتوطيد علاقاتهم مع إيران وسعيهم للحصول على السلاح الإيراني، لا يهدفون فقط لتحسين موقف الجيش العملياتي على الأرض، بل لغرض استراتيجي هو تحويل الحرب في السودان إلى حرب إقليمية، ومحاولة لإلباسها قيمة رسالية، وعداء تجاه الغرب. ويحذر الدكتور الجاك من تدويل حرب السودان، ومن توجهات صناع القرار الإسلاميين الذين يظنون أنه يمكنهم أن يغيروا المعادلة بذلك، ومن أن «التسليح بالنسبة لهم هدف تكتيكي»، بينما غايتهم الرئيسة هي تدويل حرب السودان، وتهديد أمن البحر الأحمر، وربما تحول السودان إلى أرض «داعشية» جديدة في المنطقة.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، البروفيسور حسن الساعوري، إن أميركا لن ترضى عن علاقة سودانية إيرانية، وإنها غاضبة من استعادة العلاقات السودانية الإيرانية، بيد أنه أكد أن من حق السودان البحث عن مصالحه أينما كانت، وأضاف: «السودان مهدد من 7 أو 8 دول، ولا تزال أميركا تتعامل معه بأسلوبها القديم بتقديم الوعود البراقة، ما يدفعه للبحث عن جهة تدعمه وتفي بوعودها، فالوعود الأميركية برق خلب ورعد من غير مطر».

ودعا الأكاديمي الشهير أميركا لتغيير طريقة تعاملها مع السودان، فالسودان لن يترك مصالحه تتعرض للخطر، وأضاف: «استراتيجياً، الأميركيون لا يرغبون في تدمير إيران، بل كل ما يطلبونه منها أن تتفهمهم، لأن موقفها الإسلامي الواضح، واعتمادها على نفسها يحفظ التوازن مع الدول العربية والإسلامية». وتابع: «إذا دكت أميركا إيران، فسيختل التوازن السني الشيعي، لذلك لن تدمر أميركا القوة الإيرانية، بل تتركها لتحفظ التوازن الاستراتيجي، لكنها ترفض السماح لها بتمدد نفوذها خارج حدودها».

ورأى الساعوري أن استعادة السودان لعلاقاته مع إيران، الهدف منها مواجهة الخطر الوجودي الذي يواجهه، وإن أميركا، مهما أغضبها الأمر، لن تقدم البديل للسودان، وتابع: «أميركا تحافظ على مصالحها، لكنها لا تهتم بالطرف الآخر ومصالحه. هي تريد سوداناً غير مستقر أو متطور، لتحصل على ثرواته، وتستفيد من موقعه الاستراتيجي دون ثمن».

وقطع البروفيسور الساعوري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن إيران لا ترغب في التمدد في السودان، بعد أن فشلت جهودها السابقة في خلق طائفة «شيعية» فيه. وتابع: «لا أتوقع أن تكون المصالح الإيرانية في السودان شبيهة بعلاقاتها في اليمن ولبنان والعراق». وقال: «السودان بعد هذا لن يعتمد على أميركا أو على روسيا، ويجب عليه تنويع مصادر أسلحته، وأن يتعامل مع الدول التي تساعده على تطوير مصانع أسلحته، وأن تكون استراتيجيته في التعامل مع الدول العظمى وفق إسهامها في تطوير صناعاته الحربية».

 

 

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة أمدرمان الإسلامية، الدكتور بشير الشريف، أن علاقة حركة «الإخوان المسلمين» وإيران تاريخية ووثيقة وقديمة، وأنها كانت أوثق، وأن الإسلاميين الحاكمين في السودان استفادوا من تلك العلاقة في مجالات التدريب والإمداد العسكري. وقال: «كانت إيران منفذاً للإسلاميين في السودان لتخطي كثير من المشكلات على مستوى الإقليم وعلى مستوى أكبر، بتخطيط وتنسيق كبير ودقيق بين البلدين».

وأوضح أن قطع العلاقة بين السودان وإيران قبل عقد من الزمان كان نتيجة لضغوط خليجية، لكن العلاقة بين الإسلاميين وطهران «ظلت مستمرة، وإن الإسلاميين احتفظوا بتواصل ما معها، لذلك عادت العلاقات بمجرد عودة الإسلاميين للسلطة».

الأوضاع في البحر الأحمر

وأرجع الشريف قبول إيران إعادة علاقتها بالسودان، رغم أن الخرطوم كانت قد قطعتها بطريقة فيها «عدم احترام»، إلى حاجة الطرفين لبعضهما البعض. فإيران تواجه ضغوطاً كبيرة، والإسلاميون السودانيون بمجرد عودتهم للسلطة يحتاجون في الحد الأدنى إلى مبيعات السلاح وإطلالة على البحر الأحمر، وتابع: «إذا نجحت إيران في ضم السودان لتحالفها الإقليمي، فسيربك ذلك الأوضاع في منطقة البحر الأحمر، ويؤثر على المعادلة في اليمن، ويمكن بناءً على ذلك أن يرفع السودان يده لصالح الحليف الحوثي لإيران».

 

ويوضح الشريف أن العلاقات السودانية الإيرانية تقوم أصلاً على التسليح الذي يتضمن شراء الأسلحة وإقامة مصانع السلاح، أو تصديره إلى «حماس»، ما قد يرفع وتيرة المنافسة على أسواق السلاح في المنطقة. وقال: «تسليح إيران للسودان يغضب أميركا وإسرائيل وآخرين في الإقليم، بسبب إدراكهما علاقات طهران والخرطوم وارتباط ذلك بـ(حماس)». وتوقع الشريف تحركات أميركية إسرائيلية لوقف العلاقة المزعجة لكلتا الدولتين، متوقعاً أن تدفع أميركا للتدخل بقوة في الملف السوداني، وتسريع ملف العقوبات الأخير يرتبط بشعورها بالخطر الإيراني.

واستبعد الشريف في المقابل دعماً تسليحياً لـ«قوات الدعم السريع» مقابل الدعم الإيراني، وقال: «(قوات الدعم السريع) ليست الجهة المأمونة لتسلحها أميركا، والولايات المتحدة لا تزال تنظر إليها بريبة بسبب المشكلات الناجمة عنها»، وتابع: «إمدادهم بالسلاح دون استراتيجية يمكن أن يؤثر في الأمن في الإقليم، لأن بنيتها كقوة لا تساعد على تسليحها، لكن سوق السلاح مفتوحة، ويمكن الحصول على السلاح من كل طرف يملك المال والعلاقات».