قصة الطفلة السجينة آزاده عالمي من الزنازين إلى رحلة البحث عن منفى
في هذه السلسلة، نلقي الضوء على تجارب نساء إيرانيات عشن جحيم سجون النظام الإيراني تحت حكم الملالي، ونستعرض لقاءات حصرية لـ”اندبندنت عربية” مع سجينات سابقات يشاركن قصصهن المؤثرة، ونستكشف الأوجه المظلمة للحياة داخل الزنزانات، نواصلها اليوم في الجزء الرابع مع حكاية آزاده عالمي.
“كم من ليلة وأنا نائمة في حضن أمي، كان حارس السجن يأتي ويفصلني عن حضنها ليأخذها للاستجواب الليلي والتعذيب”. حين تسمع هذه الكلمات يتعذر عليك تصديق أنها تعكس طفولة المرأة الجميلة الواثقة ذات الابتسامة الجذابة التي تحدثنا اليوم من باريس بعد مرور ما يزيد على 40 عاماً على هذه الذكرى.
ولدت آزاده عالمي عام 1978 لعائلة معروفة في مدينة همدان غرب إيران. كان جدها رجل دين مشهوراً في المدينة وانخرطت أسرتها بنشاط في مقاومة نظام الشاه.
عائلة رأسها رجل دين ثائر
بعد الثورة علي نظام الشاة. ووصول الخميني إلى السلطة في الـ11 فبراير (شباط) من عام 1979، بدأ أفراد أسرة آزاده جميعاً، بمن فيهم أمها وأبوها واثنان من أعمامها، نشاطهم ضد النظام الذي تقول إنه سرق ثورة الشعب الإيراني، وانتمى أبناء عائلتها المقاومون إلى منظمة “مجاهدي خلق “. حتى إن جدها الذي كان ممثلاً للخميني في مدينة همدان خلال المرحلة الأولى من الثورة عارض سياساته عندما رأى ما تصفه بالخداع ونقض الوعود. وفي أحد لقاءات جدها مع رئيس المجلس الثوري آنذاك محمد بهشتي، أوصل له الأخير رسالة من الخميني مفادها أن الإمام غير مسرور من تصرفاته لأنه لا يصدر أحكام إعدام في حق المعارضين في همدان.
في عام 1981، اعتقل اثنان من أعمامها وزوجة أحدهما من بين عديد من الأشخاص الذي شاركوا في تظاهرة نصف مليونية نزلت إلى شوارع طهران في الـ20 من يونيو (حزيران) وقمعت بوحشية كما تصف آزاده.
بعد ثلاثة أشهر فقط، اعتقلت والدتها في أحد شوارع طهران، كانت آزاده تبلغ من العمر سنتين ونصف السنة آنذاك وبقيت مع والدها، لكن مع تزايد الاعتقالات أصبحت حياة جدها الذي بات الآن يعمل بصورة علنية ضد الخميني في خطر، مما اضطر والدها إلى تركها برعاية جدتها والاختباء مع والده.
لم يمض وقت طويل قبل أن تشاهد الأسرة خبر إعدام عمي آزاده على شاشة التلفزيون، وليصلها بعد أسبوع نبأ إعدام زوجة عمها التي كانت حبلى في شهرها الخامس. بعد هذه الحوادث المؤلمة أجبر والد آزاده وجدها على مغادرة إيران.
تتذكر آزاده: “في إحدى ليالي الشتاء الباردة والمثلجة، عندما كنت أنا وجدتي وحدنا في المنزل، طرقوا بابنا وقالوا إنهم سيأخذوننا إلى مركز أمن المدينة لطرح الأسئلة… ذهبنا معهم في تلك الليلة وكانوا يبحثون عن عنوان والدي وجدي لإلقاء القبض عليهما… كان عمري ثلاث سنوات فقط، لكن حتى في مثل هذه السن الصغيرة كان بإمكاني فهم الوضع. وأدركت أن عليَّ مساعدة جدتي، لكن لسوء الحظ كان جسدي ضعيفاً جداً وكنت مريضة جداً مما جعل مهمة جدتي شاقة أكثر”.
الطفلة السجينة
تتذكر آزاده الإقامة في عنبر سجن النساء السياسيات، وكان معظمهن برفقة أطفال صغار وحتى رضع. كانت الأمهات يحاولن تدفئة أطفالهن بأي طريقة ممكنة وبأقل الإمكانات بخاصة في برد مدينة همدان القاسي جداً.
تقول آزاده إنه كان لافتاً أن جميع من كن في ذلك العنبر يعرف بعضهن بعضاً، لكنهن لم يعترفن بأدنى درجة من ذلك أمام المحققين وتحت أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، إذ أدركن أن الإنكار هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهن لحماية بعضهن بعضاً. تضيف متذكرة ما تصفه بمشاهد التضامن والصداقة والتضحية بالنفس “على سبيل المثال، كن جميعهن يعرفن جدتي معرفة جيدة، لكن ولكونها الأكبر سناً بين الكل ولأنهن كن يحترمن العائلة خصوصاً، ولأن منزل جدي كان أحد القواعد الرئيسة للمقاومة في همدان، فقد عرفن جميعهن أنه لا ينبغي عليهن التبليغ عن أنشطتها، وإلا فستعدم”.
ما زال البرد الذي تعرضت له آزاده في طفولتها لا يفارق ذاكرتها وربما جسدها، وتتذكر أن الاستحمام كان رفاهية تحظى بها السجينات مرة واحدة في الأسبوع، لكن الماء كان شديد البرودة، وكانت جدتها تؤثرها على نفسها وتغسل جسد حفيدتها الضئيل بالماء الفاتر بسرعة كبيرة قبل أن يصبح مثلجاً عندما يحين دور اغتسالها.
بعد ستة أشهر أطلق سراح آزاده وجدتها وعادتا إلى منزل الأخيرة في همدان، لكن المكان كان حزيناً وخاوياً، ولم يكن بانتظار الطفلة أب ولا أم ولا جد ولا أعمام سوى أصغر أعمامها الذي كان يبلغ من العمر حينها ثماني سنوات. تذكر آزاده تلك الأيام الصعبة التي سببت اضطرابات كثيرة في حياتها.
“حاجتي إلى أمي أعادتني إلى السجن مرة أخرى”
بعد الإفراج عنها، راحت آزاده تشتاق لوالدتها التي لم ترها منذ عام، وكانت مسجونة قرب مسقط رأسها في مدينة سمنان بوسط إيران.
وبعد جهود كثيرة قام بها عديد من معارف العائلة في تلك المدينة، وافقت السلطات على إقامة آزاده مع والدتها في سجن سمنان لتبقى معها لفترة من الزمن.
تتذكر أن جناح سجن النساء هناك كان أكبر بكثير ويحتوي عدداً أكبر من السجينات، لكن لم يكن هناك أطفال، إذ كانت الطفلة الوحيدة في تلك الأيام.
في مفارقة لا يمكن إلا أن تحير السامع، تقول آزاده إنه وعلى رغم كونها في مكان مغلق فإنها لم تشعر بالخوف على الإطلاق، وإن المساحة الكبيرة والجو السائد في سجن سمنان كانا جذابين إلى حد ما بالنسبة إليها، حين أعجبت بالحياة المنظمة والمخططة على طول ساعات اليوم وبعلاقات الصداقة والتلاحم بين النساء اللاتي جمعتهن قضية واحدة وتحملن العذابات والمعاناة نفسها.
كانت حياة النساء الجماعية تبدأ في الصباح مع التمارين الرياضية والصلاة والإفطار والأنشطة المشتركة حتى الليل، لكن النشاط البشع الذي تكرر يومياً هو اصطحاب الحراس والدتها للاستجواب والتعذيب.
تتذكر تماماً أنه عندما كان حراس السجن يندفعون إلى الزنزانة وينادون باسم والدتها لاستدعائها، كانت السجينات الأخريات يحطن بها ويسلينها بألعاب الأطفال والأغاني حتى لا تلاحظ ما يحدث.
لم تدم زيارة آزاده لوالدتها سوى بضعة أسابيع لأنها سرعان ما أصيبت بيرقان حاد أجبرها على الابتعاد عن أمها والعودة لكنف جدتها.
في عام 1986، أطلق سراح والدتها من السجن، فغادرت همدان رفقة أمها وجدتها وعمها وعمتها المراهقين. تركوا المنزل وتخلوا عن كل شيء وانتقلوا إلى طهران ليكونوا غرباء في بلدهم.
سجينة خبيرة بعمر 6 سنوات
قررت الأسرة مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن، والانضمام إلى المقاومة خارج إيران. لكن أسرتها كانت تحت المراقبة، ولسوء حظها تمكن النظام من معرفة عنوانها في طهران وأرسل قواته قبل أيام قليلة من رحلة الأسرة المخطط لها إلى كردستان، وتم اصطحاب آزاده وأمها إلى سجن إيفين لـ”طرح بعض الأسئلة”.
تقول آزاده: “وبما أن لدينا تجربة مع هذه ’الأسئلة’، أحضرنا بعض الملابس وذهبنا معهم… في ذلك الوقت كان عمري ست سنوات وكانت لديَّ خبرة كبيرة في السجن. كنت أعرف تماماً ما الذي ينتظر والدتي”.
في مثل تلك السن، كانت الطفلة قادرة على تذكر أدق تفاصيل تجربة الدخول إلى هذا المكان الرهيب. تخبرني آزاده: “منذ لحظة اعتقالها، وضعوا عصابة سوداء على عينيها، وضغطت يدي على يديها لأرشدها… عندما وصلنا إلى سجن إيفين، صعدنا درجات عدة حتى وصلنا إلى أحد الممرات. كان هناك عديد من الأشخاص، رجال ونساء، يجلسون على الأرض في ممر طويل مظلم. كانت أعينهم معصوبة هم أيضاً وينتظرون الاستجواب. تجاوزناهم أنا وأمي حتى وصلنا إلى غرفة كان يجلس فيها بعض الضباط والحراس خلف طاولتين. في تلك الغرفة، تم فصل يد والدتي عني، وتم وضعها أمام حارس وأخذوني أنا إلى حارس آخر”.
تجربة الاستجواب الأولى
في الوقت نفسه الذي كانت والدتها تتعرض للاستجواب، كانت آزاده تواجه بأسئلة اعتقدت أنها كانت سخيفة. استفسروا منها مثلاً عما إذا كانت تحب الإمام الخميني وهل يحبه والداها؟
كانت تجيب بنعم، فيرد الحارس مستغرباً “حسناً، إذا كنت تحبين الإمام فلماذا أنت هنا مع والدتك؟”. فتجيب ببراءة الأطفال “لا أعلم، أنتم من أتى بنا إلى هنا بالقوة”.
تتذكر آزاده أن تفكيرها أثناء خضوعها للاستجواب كان منشغلاً تماماً بوالدتها وكانت تحاول استراق النظر إليها بطرف عينها. وتضيف “فجأة علا صوت المحقق، التفت نحوه وكان يغرس قلماً كان بيده في رأس أمي ويقول لها ’لم يجف حبر قرار إطلاق سراحك بعد وقد عدت لممارسة النشاط السياسي’”.
تذكر تماماً غضب الحارس تجاه أمها وكراهيته لها، مثلما تتذكر كيف أدركت في تلك السن الصغيرة أن عليها تحمل أي صعوبات تواجهها.
كانت قوات الحرس الثوري تعرف تماماً ما الهدف الرئيس من مغادرة الأم الأراضي الإيرانية، ولمنعها من مواصلة محاربة النظام من الخارج، تقرر نقلها وابنتها إلى الحبس الانفرادي، الذي تتذكر الطفلة ظلمته وضيق مساحته وجدرانه الأسمنتية الكئيبة، وكيف أمضتا هناك شهرين لا تملكان من وسائل الراحة سوى بطانيتين متسختين.
تقول آزاده “كم من ليلة وأنا نائمة في حضن أمي، كان حراس السجن يأتون ويفصلونني عن حضنها ليأخذوها إلى الاستجواب الليلي والتعذيب. كانوا ينتظرون دائماً حتى الليل ليأخذوها للتعذيب. وبهذه الطريقة عذبوها وعذبوني. كنت أنتظر بمفردي في تلك الزنزانة الموحشة وبفارغ الصبر عودة والدتي”.
حرية مقيدة
عندما اتضح أن قوات النظام لم تكتف بطرح “بعض الأسئلة” وقررت إصدار حكم بالسجن لمدة طويلة في حق والدة آزاده أعادوا الطفلة إلى جدتها.
عندما خرجت من السجن كان العام الدراسي قد بدأ وكان عليها الالتحاق بالصف الأول وواجهت جدتها صعوبات في تسجيلها بسبب غياب الأب والأم.
بدأت الطفلة حياة “حرة” جديدة، بينما كانت والدتها مسجونة في طهران. كانت سعادتها الوحيدة تتمثل في زيارة أمها كل أسبوعين لتراها من خلف الزجاج وتتحدث معها عبر الهاتف.
في خريف عام 1988، وبشكل غير متوقع، أطلق سراح والدتها من السجن نتيجة لأنشطة وضغوط آية الله منتظري، خليفة الخميني في ذلك الوقت، الذي كان ضد تصرفات الخميني.
كما أن النشاطات الواسعة للمقاومة في الساحة الدولیة وعن طریق منظمات حقوق الإنسان ونشر أسماء الآلاف من السجناء السياسيين الذين أعدمهم جعل شعوب العالم على علم بما يحدث خلف جدران السجون الإيرانية، ولهذا السبب أطلق النظام، ولتخفيف الضغط عن نفسه، سراح بعض السجناء ومن ضمنهم كانت والدة آزاده.
أمضت والدتها عامين في التخطيط السري لعملية الرحيل وحاولت الإحاطة بكل التفاصيل كي لا تترك ثغرة في الخطة قد تمكن قوات النظام من إحباطها.
أخيراً في أبريل (نيسان) من عام 1990 تمكنت آزاده وأمها من عبور حدود إيران سراً وبشق الأنفس في رحلة على متن الخيل استمرت لمدة ثلاثة أيام عبر الجبال حتى وصلتا إلى تركيا. وعندما اندلعت نيران حرب الخليج، قررت والدتها التي كانت تكرس حياتها بالكامل للنضال من أجل الحرية إرسالها إلى فرنسا لتعيش بأمان مع والدها وجدها اللذين سبقاها إلى هناك.
حياة جديدة في فرنسا
كانت آزاده في سن الـ11 لما وصلت إلى فرنسا، ووجدت نفسها مرة أخرى في مواجهة حياة جديدة في بلد مختلف تماماً يتحدث سكانه لغة غريبة عنها، هذا إذا تجاهلنا صعوبة بقائها بعيدة من أمها التي كانت قد اجتمعت بها للتو. لكنها من ناحية أخرى، عثرت على والدها الذي لم تره منذ كانت في الثالثة من عمرها، وفجأة وجدت نفسها تعيش مع الشخص الذي كثيراً ما اعتبرته بطل حياتها ولكنه غريب تماماً عنها.
التحقت بالمدرسة وتعلمت الفرنسية بعد ستة أشهر. لا تنكر آزاده صعوبة التناقضات الثقافية بين خلفيتها والمجتمع الفرنسي، لكنها تعلمت شيئاً فشيئاً التعايش مع الاختلافات بينها وبين الأطفال الآخرين.
لما بلغت سن المراهقة، تبنت آزاده، على نحو غير مفاجئ الفكر النضالي والتحرري، بغية أن تتمكن من العودة لأمها ولأصدقائها.
تمنت حرية وطنها إيران والخلاص من الملالي وحراسه الذين “آذوا لحمي وجلدي وعظامي، وجلبوا الويلات على عائلتي وأمي وشعب إيران كله”.
لكن هذا المسار لم يكن سهلاً على الإطلاق بالنسبة إليها، وقررت في النهاية بذل قصارى جهدها لمواصلة القتال ضد النظام لكن إلى جانب تكوين أسرة ومحاولة عيش حياة طبيعية.
تزوجت في سن الـ22، وعلى رغم أنها أصبحت أماً لثلاثة أطفال صغار، فإنها حاولت دائماً أن تكون حاضرة في كل مشاهد النضال ضد النظام وتفعل ما بوسعها من خلال المشاركة في مختلف التظاهرات والإضرابات والاعتصامات.
احتراف النشاط المقاوم
في عام 2004، صارت آزاده عضواً في جمعية المرأة الإيرانية في فرنسا وعملت بنشاط على فضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبخاصة حقوق المرأة في إيران.
وبعد أن كبر أبناؤها قليلاً، انتسبت إلى الجامعة ودرست المجال المفضل لديها وهو القانون، إذ ساعدها التعليم على أن تكون معركتها أكثر فاعلية.
تشارك بانتظام في الاجتماع السنوي لمجلس حقوق الإنسان لمناقشة جرائم النظام من خلال عقد مؤتمرات عديدة على هامش المجلس والاجتماع مع ممثلي وسفراء مختلف الدول في الأمم المتحدة.
ومن أهم القضايا التي يعمل عليها المجلس محاكمة المتورطين في مذبحة 30 ألف سجين سياسي عام 1988.
تقول آزاده “حاولنا إيصال جريمة النظام هذه، التي ارتكبها منذ سنوات في ظل صمت وجهل العالم أجمع في ذلك الوقت، إلى الهيئات والمنظمات الحقوقية، وأن يتم الاعتراف بهذه القضية التي لم تكن معروفة لسنوات والتي تعد من أعظم جرائم القرن بعد الحرب العالمية الثانية، باعتبارها جريمة ضد الإنسانية”.
تؤكد آزاده أنها وعلى رغم كونها بعيدة من بلدها لسنوات عديدة، ولكنها منذ كانت طفلة، عندما وطئت قدماها فرنسا، لم تمر لحظة لم ينبض فيها قلبها مع بلدها وشعبها. وتعبر عن أملها في العودة لوطنها يوماً ما وإعادة بناء ما دمره الملالي خلال 44 عاماً على حد تعبيرها، وبناء إيران حرة وديمقراطية.
نشاط في الغربة وضغوط في الوطن
تخبرني آزاده أن النظام كثيراً ما حاول الضغط بطرق مختلفة على عائلات الناشطين التي ما زالت في إيران من أجل إيقاف نشاطهم في الخارج. تذكر أن أحد أعمامها سجن لمدة 15 عاماً في السنوات الأخيرة، وجريمته الوحيدة هي انتساب أفراد في أسرته إلى المقاومة.
ونظراً إلى نشاطها الواسع، يتم التحقيق مع عديد من أقاربها ومضايقتهم أو استجوابهم عند دخول البلاد ومغادرتها، كما تخضع هواتفهم للمراقبة الدائمة.
تؤكد آزاده أن الفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي لا تسلم حتى من ضغط النظام، إذ تتلقى تهديدات مباشرة بالقتل بسبب المحتوى المعارض له الذي تنشره.
لكنها تنفي قدرة هذه التصرفات المنحرفة والضغوط على الأسرة أو على النشطاء شخصياً على التأثير في نضالهم من أجل الحرية.
وتقول “عندما يخرج الشعب الإيراني إلى الشوارع في انتفاضات مختلفة ويضحي بحياته بهذه الطريقة، فمن واجبنا نحن الذين نعيش في البلدان الحرة أن نكون صوتهم. وواجبنا تجاه الثوار داخل إيران أن نمنحهم الأمل بأنهم ليسوا وحدهم وأننا ندعم انتفاضتهم وننقل رسالتهم إلى السياسيين وأصحاب القرار في مختلف البلدان”.
في إجابة عن سؤالها ما إذا كانت ستشارك في تظاهرات أو فعاليات لدعم حقوق الإنسان في فرنسا إذا دعت الحاجة، أجابت “اليوم، أولوية حياتي هي حرية بلدي، إيران، لكنني أعتقد أنني لو لم أكن قلقة على بلدي الأم، وكان وطني حراً ومواطنوه أحراراً، وكنت ما أزال أعيش في فرنسا وشاهدت أفعالاً ظالمة، فلا شك أنني كنت سأقف في صف المظلومين وأقوم بشيء لدعم حقوقهم”.
حاولت معرفة الطريقة التي تتعامل بها آزاده مع ذكريات طفولتها القاسية، فأجابتني أن المشكلة لا تكمن في نسيان تجربتها الخاصة فقط، لكن في عدم القدرة على التغافل عن حقيقة أن آلاف الأطفال الإيرانيين حالياً هم أطفال عاملون في الشوارع وجائعون ومشردون. أو أن يظل الأطفال ييتمون بسبب إعدام أو قتل آبائهم أو أمهاتهم. وختمت بالقول “برؤية شباب في نفس عمر أبنائي يقتلون رمياً بالرصاص ويقتلون بوحشية في الانتفاضات تفقد حياتي مع أطفالي حلاوتها. ولهذا السبب أقول إن قلبي ينبض مع الشعب الإيراني ولن أتوقف عن العمل من أجل حرية إيران”.