الإشارات الأولى لاشتعال الحرب بين نجوم بروباغندا الكرملين على خلفية عدوان إسرائيل ضد غزة، ظهرت السبت المنصرم في 21 الجاري. فقد نشرت صحيفة MK الروسية المخضرمة في ذلك اليوم نصاً بعنوان ساخر “ساتانوفسكي يتشيطن: وجه إلى ماريا زاخاروفا شتيمة قذرة”. استوحت الصحيفة سخرية عنوانها من كنية موجه “الشتيمة القذرة” يفغيني ساتانوفسكي المشتقة من كلمة شيطان بالروسية. وساتانوفسكي هذا هو عضو المجلس اليهودي الروسي ورئيسه السابق، وكذلك رئيس “معهد الشرق الأوسط” الذي كان سابقا “معهد إسرائيل والشرق الأوسط”، وأحد أبرز بروباغنديي الكرملين على شاشة قناة التلفزة الروسية الرسمية “روسيا 1″، وأحد أبرز العاملين في برنامج نجم بروباغندا الكرملين فلاديمير سالافيوف “أمسية الأحد مع فلاديمير سالافيوف”.

استهلت MK نصها المقتضب بالقول أن “الصراع العربي الإسرائيلي وصل إلى فلسطينيينا”. وقالت بأن ساتانوفسكي لم “يتشيطن” بحق الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا فقط، بل وبحق نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف أيضاً. وعلى ذمة الصحيفة المذكورة وسواها من مواقع الإعلام الروسي، رأى ساتانوفسكي أن الإثنين مدمنا كحول، وأن بوغدانوف “قد يكون يتلقى أموالاً عربية”. واستحقا الشتيمة بسبب إعلان الموقف الرسمي الروسي إدانة الرد الإسرائيلي “غير المتكافئ” على هجوم حماس “الإرهابي”.

وتتابع الصحيفة سخريتها، حيث قالت أن هذه الإدانة بالذات هي التي “أصابت قنبلتها” ساتانوفسكي ، فقام بتقديم وطنه الحقيقي إلى المقدمة وأزاح إلى “مكان ما في كيس الخيش” وطنيته لمكان عيشه. غلى الدم في عروقه ــــ لا تلمسوا إسرائيل، الأرض المقدسة ـــ ما جعله لا يتمالك نفسه ليبقى في حدود الحشمة. لكنها الحرب، وفي الحرب تتساقط القشور ويظهر جوهر الإنسان على حقيقته.

تنهي الصحيفة نصها بالقول أن ساتانوفسكي ليس أول من حدد موطنه، ولن يكون الأخير، فالصراع لم تشتعل نيرانه بكل قوتها بعد، وسيكون هناك آخرون مثله.

موقع الفاشيين الروس TSARGRAD نشر في 23 الجاري نصاً اعتبر فيه أن الإهانة ليست للناطقة بإسم الخارجية، بل لروسيا. قال الموقع بأن ساتانوفسكي لم يعتذر عن إهانة ماريا زاخاروفا، بل اعتذر عنه مقدم البرنامج فلاديمير سللافيوف (أعلن طرد ساتانوفسكي من إسرة البرنامج). لكن جذور المشكلة ليست في وقاحة خبير فردي، بل في أن وطناَ غريباً لا يجب أن يكون أكثر أهمية من روسيا بالنسبة للخبير.

رأى الموقع أن البوليتولوغ الروسي سيرغي ماركوف كان محقاً حين كتب عن “ظاهرة ساتانوفسكي”، وقال بأن وضع الخبير الذي “لا يُمس” يخلق وهم “العصمة عن الخطأ”، ويخلق الثقة أن بالإمكان تجاوز الخطوط التي لايتجاوزها الآخرون ـــ “ثقة مُفسدة”.

كما يرى أن الوقاحة على الأثير، هي “أكثر مما تشير إليه وقاحة شخص سيء التربية”. وتشير إلى وجود مشكلة إجتماعية تتمثل في أن لا أحد من الخبراء ونجوم الأثير يرفض أن يدرك ان الشهرة الواسعة والنفود والقدرة تعني “مسؤولية كبيرة” بالدرجة الأولى. النجومية لا تعني إمكانية قول ما لايتفق مع القواعد الإجتماعية، بل على العكس، تعني الحذر “المضاعف مرات”، “حيث يشاهدك ويسمعك مئات الألوف، بل الملايين، وأنت تطمح للتعبير عن رأيهم وتشكيله”.

نص هيئة تحرير الموقع (لم يذيل بإسم شخص محدد) يعتبر أن قصة ساتانوفسكي، على أهميتها، هي المشكلة الأصغر من بين مشكلتين. الكبيرة منهما والفعلية هي مشكلة إزدواجية الولاء، حيث يتبين أن “مصالح إسرائيل أكثر أهمية من مصالح روسيا”. في وقت من الأوقات كان يبدو أمراً طبيعيا وجود أشخاص في مجتمع الخبراء والصحافيين الروس يقولون عن أنفسهم بأنهم مخلصون لروسيا وإسرائيل في الوقت عينه. لكن مع مرور الوقت يتبين أنه ليس ما هو طبيعي في هذا الشأن. إسرائيل لم تتخذ حتى الآن موقفاً رسمياً ضد روسيا. لكن هذا لا يمنعها من توجيه ضربات جوية لسوريا ـــ البلد الذي لا يتم فيه الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي إلا بفضل جهود روسيا. وإسرائيل تقاتل حزب الله المدعوم من إيران. لذا فإن الأمر صعب في سوريا، لكن لا يزال من الممكن الحديث فقط عن المصالح المختلفة للقوتين في المنطقة.

ويرى الموقع أنه بعد بدء الحرب الحالية في فلسطين، كل ما كان يدور الحديث عنه في السر، أصبح مكشوفا الآن. إسرائيل لا تزال كما في السابق لا تعلن موقفاً رسمياً ضد روسيا. فلا حاجة بها لذلك، حيث تتولى الولايات المتحدة الأمر عنها والتي يقول رئيسها جو بايدن بأنه لا يستطيع غض الطرف عما تقوم به حماس ويقوم به بوتين، و”أرفض السماح بذلك”.

يقول الموقع بأن البروباغندا الغربية تصر على أن حرب إسرائيل ضد حماس في غزة والحرب في أوكرانيا التي يقودها الناتو ضد روسيا، هي حرب واحدة. والسياسيون الإسرائيليون موافقون كلياً على ذلك، إذ يقول أحد قادة الليكود AMIR VEITMAN بأن “روسيا سوف تدفع الفواتير”. وروسيا وحماس بالنسبة له لا تختلفان بشيء عن بعضهما، كما بالنسبة لبايدن. ولذا، فالولايات المتحدة تقف وراء إسرئيل، وخيار إسرائيل اليوم، هو خيار أميركا ضد روسيا.

موقع Kasparov الروسي المعارض جمع في 23 الجاري عدداً كبيراً من المدونات في نص عرض فيه أراء المدونين بشأن إنقلاب ساتانوفسكي على ولائه لروسيا بوتين، وإعلان ولائه لوطنه إسرائيل ــــ الأرض المقدسة. كما تعرض المدونون بالنقد اللاذع لنكتة “معادية للسامية” ألقتها على الهواء مقدمة برنامج على موقع “المسمار الحي” المعارض أيضا.

قدم الموقع للنص بالقول أن الجمهور الروسي كان شاهداً آخر الأسبوع على عدد من إشكالات “خبراء التلفزة”. البوليتولوغ يفغيني ساتانوفسكي تمت إقالته من برنامج فلاديمير سالافيوف بسبب رأيه التقييمي بالناطقة بإسم الخارجية الروسية. مقدمة البرامج التلفزيونية ليزا غورولوفا ألقت على الهواء نكتة “حقيرة” معادية للسامية. النائب في البرلمان (الدوما) أندريه غوروليف صرح بأن المجتمع يثق بنسبة 80% ببوتين، أما “العفن المتبقي” فيجب تدميره “بطريقة أو بأخرى”.

أحد المدونين قال بأن ساتانوفسكي وصف ميدفيديف بالضعيف في حديثه عن إنهيار روسيا في الأعوام 2030. أما عن رئيس الدولة الحالي فقال ساتانوفسكي بشكل مراوغ بأن الطريقة التي يحكم بها البلاد “قصة أخرى”. وأضاف بأن الاضطراب في صفوف “رجال التلفزيون الروسي” بدأ يتطور من صراخ محموم تجاه أوكرانيا والولايات المتحدة إلى مشاعر معارضة شديدة لدى البعض. ومن المثير للاهتمام ما إن كان ساتانوفسكي سيُسجن أم لا بتهمة “التطرف” و”الاعتداء على سلامة أراضي روسيا”.

مدون آخر قال بأنه بعد “الإجتياح الكحولي” لوزارة الخارجية، تنبأ ساتانوفسكي لبوتين بانهيار روسيا في الثلاثينات. وما قاله بشأن ميدفيدف “لا نخاطر بتكراره”. إنه نقد قاس جعل النائب غوروليف يصنف ساتانوفسكي بأنه عفن ينبغي تدميره.

المدون الذي ينشر عادة بإسم “المريد” قال بأن القضية بسيطة، إذ حان وقت الفرار، وهذا ليس علماً، بل فن يلعب فيه دوراً ما هو “غير عقلاني” وليس الحسابات. والأمور تسير نحو الإنهيار، وحين يأتي رجال شرطة المحكمة خلف “هذه الأخوية”، من المهم ألا تكون معهم في غرفة واحدة، بل وأن تكون بعيداً عنهم  في دور المُضطهَد والملاحق.