محمد الرميحي
ليس من سمع كمن رأى، كنت مع زملاء في الرياض لثلاثة أيام لحضور اللقاء الثاني والأربعين لمنتدى التنمية، وهو تجمع طوعي أهلي أصبح له من العمر خمس وأربعون سنة من الاهتمام بدراسة التنمية في دول الخليج. لم أزر الرياض في السنوات العشر الماضية، وبين آخر زيارة والأسبوع الماضي لمست لمس اليد كيف قامت سياسات الهندسة الاجتماعية – الاقتصادية التي تقودها الإدارة السعودية بحزم، وكيف قامت بتحويل شبه جذري في النسيج الاجتماعي، ولمرة أخرى تتأكد نظرية القائد ذي النظرة الاستراتيجية وتأثيره في نهضة المجتمع.
لعلي أقف قبل أن أدخل في شرح أغراض المنتدى التطوعي الذي حضرته في الرياض مع زملاء وزميلات، وعقد للمرة الأولى في العاصمة السعودية بمساعدة “مركز اسبار” (ذي الثلاثين ربيعاً)، وهو مركز دراسات بحثي سعودي، أمام ثلاثة مظاهر لفتت نظري، وهي غيض من فيض من مظهر النهضة.
الأول “إبشر”، وتعني لغة “أمرك أو حاضر أو أبشر بتحقيق طلبك”، وهو تطبيق حكومي يقدم للجمهور السعودي خدمات: من تجديد رخصة السواقة، إلى تجديد جواز السفر من بين خدمات أخرى كثيرة، وفي بلاد مترامية الأطراف من ساحل الخليج إلى ساحل البحر الأحمر، ومن تبوك في الشمال إلى الربع الخالي في الجنوب، عليك أن تتخيل عدد أفراد الجمهور الذي يستخدم هذا التطبيق، ونوعية الخدمات التي يقدمها، وحجم الخادم الإلكتروني المساعد. ذلك يأخذنا إلى استخدام التقنية الحديثة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فتجد اليوم في المملكة تطبيقات تقنية بنكية وتعليمية وخدمية وطبية، تسهل على المواطن حياته، ذلك أحد مؤشرات الهندسة الاجتماعية.
الثاني مشاركة المرأة، حضرت المرأة السعودية المتعلمة على مستوى رفيع إلى منتدى التنمية، وكانت نموذجاً للتغير الاجتماعي الحاصل. هي ليست فقط في منتدى علمي، ولكن موظفة استقبال في فندق مع زميلها الشاب، وهي على مكتب الجوازات في المطار، وهي موظفة في متجر، وهي أستاذة في الجامعة كما هي شرطية، أي أنت تتحدث عن مشاركة واسعة من أعلى السلّم الوظيفي إلى أسفله في القطاع العام وفي القطاع الخاص، لقد تمت في هذه العلمية الاستفادة في النهضة التنموية بنصف المجتمع بسهولة ويسر، والذي كانت شريحة منه معطلة، ليس ذلك فقط ولكن أيضاً كلمات الاستقبال القليلة والمعبرة التي تستقبلك في المنافذ.
الثالث: الشفافية، والمثال أنه مطلوب في القانون أن يضع كل شخص (رجلاً أو امرأة) عضو في مجلس إدارة شركة مساهمة، سيرته العلمية وطريقة الاتصال به وأرقام حساباته في البنوك، وكل مواطن من حقه أن يعرف تلك المعلومات، المعنى أن لا تنمية من دون شفافية تقطع الشائعات وتتيح المحاسبة.
تلك ثلاثة مظاهر لها بعدها تبعات تدلل إلى مشروع الهندسة الاجتماعية – الاقتصادية الجارية في المملكة، وقد شهد الزملاء والزميلات من أبناء الخليج، وبعضهم يحضر للمرة الأولى إلى الرياض، كم من المظاهر التي تجلت في مساء خميس – ليلة جمعة في أحد تجمعات المطاعم وهو موقع تاريخي، يعج بالبشر من الجنسين وبحرية في المظهر والملبس.
مناسبة الحضور إلى الرياض كما أسلفت هي عقد دورة منتدى التنمية الخليجي الثانية والأربعين، وقد كان هذا الملتقى التطوعي يعقد سنوياً على مر العقود الأربعة إما في دبي أو في المنامة أو في الكويت، وكانت الأخيرة المكان الأكثر مناسبة لعقده في السنوات الأخيرة، هذا المنتدى التطوعي يطرح في كل دورة ثلاثاً إلى أربع أوراق بحثية يحضرها زملاء وزميلات في موضوع تنموي، ثم تناقش تلك الأوراق وتنشر مع المناقشات للجمهور العام على شكل كتاب في الموقع الإلكتروني باسم منتدى التنمية الخليجي وتكون متاحة للعامة، الاجتماع قبل الأخير كان في الكويت، وكان الموضوع المطروح عن الفساد، وقد تم إنجاز المشروع، والدراسات حول الموضوع متاحة على الموقع بجانب كل الدراسات السابقة، وهي تعبر عن نبض أبناء الخليج وآمالهم في الاستقرار والتنمية.
كما قلت للمرة الأولى عقد المنتدى في المملكة والعاصمة الرياض، وحضره جمع وافر من أبناء السعودية والخليج وبناتهما ونوقش فيه موضوع مهم وهو “المعرفة والثقافة ودورها في عملية التنمية”، الاحتفاء الأهم أنه عقد في المكان الصحيح وفي الوقت الصحيح، واللقاء العلمي هناك يدل من جديد إلى “إبشر .. انت في الرياض”.