في الوقت الذي تترقّب فيه العاصمة السورية دمشق وصول أول بعثة دبلوماسية سعودية إليها خلال ايام بعد عقد ونيف من انقطاع العلاقات بين البلدين، تجدّد السجال بين النظام السوري والمعارضة حول إدارة ملف الحج للعام الجاري، في ظل عدم توقيع اتفاق نهائي مع الجانب السعودي من قِبل أيٍّ من الجهتين حتى الآن.
وأعلن أمس، السفير السوري في الرياض أيمن سوسان، أنّه وبعد غياب 12 عاماً، سيتمكن المواطنون السوريون من أداء فريضة الحج انطلاقاً من سوريا وبإدارة وزارة الأوقاف السورية، لافتاً إلى أنّ الإجراءات اللوجستية هي في طور الحل النهائي، وكاشفاً أنّ القائم بأعمال سفارة المملكة سيصل إلى سوريا قريباً جداً.
جاءت تصريحات سوسان عقب اجتماعه مع وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي عبد اللطيف آل الشيخ. ولفت إلى أنّ هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز التوجّه والرغبة بين البلدين لإعادة العلاقات كما كانت عليه، وهناك رغبة مشتركة لفتح صفحة جديدة.
وفي إطار استكمال الإجراءات المتعلقة بحسم موضوع الاتفاق على ملف الحج، أكّد سوسان أنّ وزير الأوقاف السوري محمد عبد الستار السيد سيزور السعودية في الشهر المقبل من أجل توقيع اتفاق بهذا الخصوص.
وكان السيد قد زار الرياض قبل حوالى شهر، وأعلن أنّ “موسم الحج لهذا العام والعمرة سيكونان من دمشق بإذن الله”. وتمّ الاتفاق خلال الزيارة على أن تبحث اللجان التحضيرية المشتركة بين وزارة الأوقاف السورية ووزارة الحج السعودية كل التفاصيل والإجراءات اللوجستية الضرورية لخدمة الحجاج والمعتمرين السوريين وتقديم كل التسهيلات اللازمة لهم.
وردّاً على هذه التطورات أعلنت “اللجنة العليا للحج” التابعة للائتلاف السوري المعارض، عدم صحة ما يُشاع، مؤكّدة عدم وجود أي تغييرات حول ملف الحج الخاص بالسوريين للموسم المقبل 2024.
وقالت اللجنة، في منشور عبر صفحتها في “فايسبوك” الاثنين، أن لا صحة للأنباء التي تتحدث عن توقيع أي جهة لاتفاقية ترتيبات الحج مع السعودية حتى اللحظة، وأضافت أنّها تتواصل مع الجهات المعنية في السعودية حول الملف.
ومنذ عام 2013، تدير “لجنة الحج العليا” التابعة لـ”الائتلاف الوطني السوري المعارض” ملف الحج بالتنسيق مع وزارة الحج السعودية، مع توقف العلاقات الدبلوماسية منذ حينها حتى العام الماضي بين السعودية والنظام السوري.
وأصدرت لجنة الحج العليا، في 8 كانون الثاني (يناير) الماضي، بيانًا أكّدت فيه أنّها تُجري اتصالات مكثفة مع السعودية لإبقاء ملف حج السوريين بيدها والذي تديره منذ 10 أعوام.
ويسعى النظام السوري لاستعادة ملف الحج من المعارضة السورية، وسبق أن نظّمت وزارة السياحة في حكومته، ورشة عمل لتحديد خطوات استعادة نشاط السياحة الدينية باتجاه السعودية.
وشملت الورشة المقامة منذ 28 آب (أغسطس) 2023، وزارتي الأوقاف والصحة، ومصرف سوريا المركزي.
وبعد عودة العلاقات بين دمشق والرياض، ولقاء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال عقد مؤتمر القمة العربية في جدة في أيار (مايو) 2023، كثرت التكهنات حول عودة ملف الحج إلى حكومة النظام.
وتسلّمت لجنة الحج العليا التابعة لـ”الائتلاف الوطني السوري” ملف الحج بالكامل في أيار (مايو) 2013، بعدما رفضت وزارة الحج في السعودية، عام 2012، إبرام الاتفاقية المعتادة في كل سنة مع وزارة الأوقاف التابعة للنظام، وذلك بعد أشهر على إغلاق الرياض سفارتها في دمشق وسحب دبلوماسييها في آذار (مارس) 2012، تزامنًا مع انتشار التظاهرات في عموم سوريا، والانتهاكات التي مارسها النظام.
ورغم تنديد واعتراض وزارة الأوقاف المتكرّر في كل سنة، عقب إسناد الملف للمعارضة السورية، أو التضييق على الحجاج الخارجين من مناطق سيطرة النظام، لم يتغيّر قرار السعودية.
وبعد نهاية موسم الحج للسنة الماضية، عقدت “لجنة الحج العليا” اجتماعاً، في 26 تموز (يوليو) 2023، برئاسة رئيس اللجنة، عبد الرحمن مصطفى، تناول ضرورة إنهاء التقييمات والاستبيانات المتعلقة بموسم الحج المنتهي، وضرورة بدء التحضيرات المبكرة للموسم المقبل.
وفي تعليق سعودي على الترتيبات المتعلقة بملف الحج السوري للموسم المقبل، أوضح الشيخ سعد القرشي، وهو مستشار “اللجنة الوطنية للحج والعمرة”، أنّ “وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد جاء إلى السعودية للإعداد لهذا الموضوع مع وزارة الحج”.
ولم يستبعد “القرشي” تغيّر الجهة التي ستدير ملف الحج السوري، قائلاً: “يمكن أن تختلف هذا العام”.
ويرتبط ملف الحج بشكل طبيعي مع ملف عودة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والسعودية، إذ من غير المنطقي أن تستعيد الدولتان علاقاتهما الدبلوماسية ويتمّ تعيين سفير سوري في الرياض، وأن تستعد دمشق لاستقبال قائم بأعمال السفارة السعودية، وأن يبقى ملف الحج تحت إدارة مؤسسات المعارضة السورية التي فقدت جزءاً كبيراً من رصيدها الإقليمي والدولي في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك يراهن البعض على أنّ ثمة معوّقات سياسية واقتصادية من شأنها أن تمنع النظام السوري من استعادة ملف الحج. وفي هذا السياق أشار مصدر في المعارضة السورية في تصريحات سابقة إلى وجود أربعة معوقات، كما نقل عنه موقع تلفزيون سوريا المعارض، وهي:
الأول، هو عدم قدرة النظام السوري على إجراء تحويلات بنكية، إذ يلزمها موافقة أميركية بسبب “قانون قيصر”، مضيفاً أنّ “كل التعاقدات بالمسار الإلكتروني لكل دول العالم الإسلامي يجب أن تكون عبر تحويل خارجي من بنوك البلد ذاته، ويُمنع الإيداع النقدي المباشر”.
أما العائق الثاني، فهو انخفاض السيولة في البنك المركزي في دمشق، مضيفاً أنّه “بحسبة بسيطة، إذا خصمنا أجور حجز تذاكر الطيران وبعض المبالغ التي تُصرف في بلد الإقامة، فينبغي على النظام السوري أن يحوّل نحو 70 مليون دولار أميركي بشكل نظامي من البنك المركزي في دمشق إلى البنوك السعودية”.
وعن العائق الثالث يقول المصدر، إنّ النظام السوري ليس لديه أسطول طائرات يستطيع نقل أعداد الحجاج إلاّ إذا استعان بمطار بيروت وعمان، وهذا سيفرض عليه تكاليف أكبر، فضلاً عن عوائق توقيع عقود مع الدولتين.
وآخر العوائق هو عدم قدرة النظام السوري على تأمين العدد المطلوب من الحجاج لتغطية عقد الحج، فأكثر من نصف السوريين يقيمون خارج مناطق سيطرته، وهذا ما قد يتسبّب في حرمان عدد كبير من الحجاج من تأدية فريضة الحج لهذا العام، ويتسبب أيضاً بإخلال النظام السوري ببنود العقد.