كما فعلت بعد القصف الأميركي البريطاني لمواقع الحوثيين، دعت روسيا لعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي للبحث في القصف الأميركي لمواقع الأذرع الإيرانية الأخرى في سوريا والعراق. الإستعجال الروسي في الحالتين كان متوقعاً، فلم تكن روسيا لتفوت هذه الفرصة السانحة للتعبير عن إنزعاجها الشديد من سياسات الغرب تجاهها. والتطورات الجارية في المنطقة بعد 7 تشرين الأول/اوكتوبر منحتها العديد من الفرص المماثلة التي استثمرتها في الهجوم على “عالم الإنكلوساكسون” القائم، وفي تعزيز دعوتها لعالم متعدد الأقطاب تتشارك زعامته مع الصين.

بعد القصف الأميركي البريطاني لمواقع الحوثيين، نشرت صحيفة الحكومة الروسية نصأ بعنوان “قصف اليمن يعري ما تسميه الولايات المتحدة ب”نظام عالمي قائم على القواعد”. نقلت الصحيفة في 14 المنصرم عن المندوب الروسي الدائم في الأمم المتحدة سعيه لتجريد القصف من أي مشروعية وفق مبثاق الأمم المتحدة، وقال بأن معاقبة سفينة قراصنة يقتضي مصادرة السفينة ومحاكمة طاقمها، لكن ليس قصف بلد وإعادته إلى العصر الحجري.

تحت العنوان الرئيسي للنص الذي استفاضت فيه الصحيفة في الحديث عن لا شرعية القصف الأميركي البريطاني لبلد ذي سيادة، وليس لمواقع الحوثيين، نشرت الصحيفة الرسمية نصوصاً مستقلة لعدد من الخبراء والكتاب الروس يعلقون فيها على هذا القصف. فقد رأى البوليتولوغ  Georgy Bovt أن تركيز الولايات المتحدة على القوة قد يشعل حرباً كبيرة في كل الشرق الأوسط. ويتحدث البوليتولوغ مطولاً عن تأثير حرب كبيرة في المنطقة على وضع قناة السويس وما يتركه من عواقب على النقل البحري بين آسيا وأوروبا عبر رأس الرجاء الصالح. ويرى أنه على المدى الطويل قد يكون “طريق الشمال البحري” منافساً لقناة السويس. لكنه يقارن بين حجم ما ينقل عبر قناة السويس وطريق الشمال، فيقول أن الشحن البحري عبر قناة السويس تخطى منذ زمن بعيد المليار طن، في حين تجمد منذ سنوات هذا الحجم عبر الشمال عند 30 مليون طن، منها مليون طن للنقل العالمي.

نائب رئيس مجلس الإتحاد الروسي Konstantin Kosachev رأى أن “هجوم الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن يؤكد ضرورة إصلاح الأمم المتحدة وميثاقها”. قال Kosachev بأن الهجوم تم بصورة إستعراضية وقحة ما أن إنتهى إجتماع مجلس الأمن الدولي بمبادرة من روسيا. ويشير إلى تعديل مواد ميثاق الأمم المتحدة بعد هجمات أيلول/سبتمبر 2001 المتعلقة بالإرهاب وحق الدولة المهددة بالإرهاب بتوجيه ضربات مسبقة أو تحذيرية. وتوقف عند تفسير الكونغرس لهذا التعديل وكيف مارس تفسيره في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا.

يفند Kosachev التبريرات الأميركية للهجوم، ويقول بأن الولايات المتحدة رفعت إسم حركة “أنصار الله” من قائمة الإرهاب في العام 2021. ويرفض التبرير بأن الولايات مارست الدفاع عن النفس ضد هجوم مسلح، حيث أن أراضيها تبعد آلاف الكيلومترات عن اليمن. كما يرفض القول بالتناسب بين الهجوم وبين ما أتاه الحوثيون. ويستنتج من ذلك أن “الثغرات” في ميثاق الأمم المتحدة هي التي سمحت بنشوء هذا الوضع نتيجة التفسير الغربي الموسع للمواد ذات الصلة، وهو ما يحتم إصلاح الأمم المتحدة وميثاقها.

موقع الأعمال الروسي BFM نشر في 3 الجاري نصاً نقل فيه عن خبيرين روسيين تعليقهما على القصف الأميركي لمواقع أذرع إيرانية في سوريا والعراق.

البوليتولوغ والمستشرقة Elena Suponina قالت للموقع بأن دولاً عديدة أدانت أعمال الولايات المتحدة واعتبرتها خرقاً للسيادة السورية والعراقية.  كما اعتبرتها إستفزازاً مباشراً ومكشوفا لإيران، وتلاعباً بأعصاب المجتمع الدولي. لكن على الرغم من هذه الإدانة سوف يواصل الأميركيون ضرباتهم، مما يعني في الواقع عجز مجلس الأمن الدولي عن الحؤول دون ذلك. ولذا فإن كل ما يجري الآن في الشرق الأوسط يشهد على ما “كنا نتحدث” عنه مؤخرا، من أن نظام الضوابط والتوازنات الدولية الذي نشأ نتيجة الحرب العالمية الثانية ينهار، والأميركيون يزيدون هذا الوضع اضطراباً. الأميركيون لا يخفون أن هدفهم الآن ليس محاربة الإرهاب الدولي، بل إيران وحلفائها.

المستشرقة على ثقة بأن المجموعات الموالية لإيران سوف ترد على القصف الأميركي، مما يعني أن دوامة العنف ستكون طويلة الأمد. وترى أن إيران أيضاً لا تريد الإنجرار إلى حرب كبيرة، وهي تعبر عن تضامنها مع “فلسطين في قطاع غزة”. وأحد أهداف طهران الان ـ العمل على ضمان وقف الإسرائيليين لعمليتهم في غزة، و”كل هذه العمليات مترابطة في ما بينها”.

وتقول Suponina أن إيران سوف تدعم المنظمات الحليفة لها، ولذلك ينظرون في طهران إلى أعمال الولايات المتحدة الآن على أنها هجوم على أمنهم الذاتي. وترى أنه على الرغم مما تبدو عليه الضربات من شدة، إلا أنها لم تسفر عن ضحايا وخسائر كبيرة. وتستنتج من ذلك أن الضربات مرتبطة بشدة بالحملة الإنتخابية الأميركية، ولا تتوخى أهدافاً محددة في الشرق الأوسط، “وليس هذه الأهداف فقط”، بل تهدف لرفع شعبية بايدن في الداخل.

الباحث في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الإستشراق الروسيBoris Dolgov علّق على مطالبة سوريا والعراق إثر القصف بإنسحاب القوات الأميركية . ردد الباحث الموقف الروسي الرسمي الذي يقول بشرعية وجود القوات الروسية والإيرانية بطلب من الأسد، ولا شرعية وجود قوات الأطراف الأخرى. ويقول بأن القواعد العسكرية الأميركية منتشرة في العديد من بلدان المنطقة، ويرى في ذلك سياسة أميركية للتواجد السياسي العسكري في المنطقة، و”طبعاً سيستمر” هذا التواجد. كما لايعتقد بان الولايات المتحدة ستوجه ضربة لإيران، لأن ذلك ليس في صالحها وهو مطلب إسرائيلي. وستكتفي الولايات المتحدة، برأيه، بتوجيه ضربات محددة لبعض أذرع إيران الناشطين في سوريا والعراق، وقد يكون في لبنان أيضاً.

صحيفة الأعمال الروسية الكبيرة Vedomosty نشرت في 5 الجاري نصاً بعنوان ” تضيف الولايات المتحدة “ضربات انتقامية” في سوريا والعراق إلى هجماتها على الحوثيين”.

نقلت الصحيفة عن المحاضر في مدرسة الإستشراق في المدرسة العليا للإقتصاد Andrey Zeltyn قوله بأن ضربات الولايات المتحدة لا تشبه خطوات لتصعيد جدي في الصراع، بل هي على الأرجح إعلان سياسي بوسائل عسكرية. فهي أعلنت مسبقاً عن الأهداف، وقصفت بحذر شديد محاولة تفادي الخسائر البشرية.

وفي اليمن، يقوم الأمريكيون والبريطانيون بشكل أساسي بضرب قاذفات الصواريخ لمنع الحوثيين من مهاجمة السفن. في سوريا، الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو وحدات الحرس الثوري الإيراني ومواقعها، وفي العراق – التشكيلات الموالية لإيران. ويضيف بأن كتائب حزب الله الشيعية أعلنت  رسميًا أنها ستتوقف عن ضرب الأهداف الأمريكية كي لا تخلق مشاكل للحكومة العراقية. ويذكّر بأن الوضع في العراق الآن صعب بسبب عدم الاستقرار والصراعات الداخلية، وبالتالي من الصعب التنبؤ بالإجراءات الإضافية التي ستتخذها حكومته.

الباحث في معهد الولايات المتحدة وكندا Vladimir Vasiliev، يتفق مع زملائه الآخرين بأن إدارة بايدن لا تسعى لتوسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط وتحويله إلى حرب شاملة. وثمة سببان لذلك: أولوية العمليات الحربية في اوكرانيا، وغموض  الوضع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويعتقد أن العالم العربي لم يعد يعتبر أن الولايات المتحدة بوسعها القيام بدور الشرطي. والولايات المتحدة نفسها لم يعد لديها أي أهداف ذات أهمية خاصة في المنطقة، سوى منع إيران من الحصول على السلاح النووي.