img

منذ فترة ليست بالبعيدة نادت السعودية بقيام تكتل يحمل اسم التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب وكان هذا الأسبوع موعد اللقاء الثاني والذي استضافته العاصمة الرياض بتاريخ 3 فبراير/شباط وانضمت إليه حتى اليوم ست من دول العالم الإسلامي وجاء التمثيل على مستوى وزراء الدفاع ومثل السعودية فيه وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود. لقاء ناجح بكل المقاييس لأنه استطاع التأسيس لفكرة مكافحة الإرهاب من داخل العالم الإسلامي بدلا من الاكتفاء بما يقرّره العالم البعيد عن هذه الظاهرة، فالدول المسلمة أولى وأعرف بالطريقة التي يمكن بها مواجهة هذا الوباء. وهي قضية جوهرية تحرص السعودية على إظهارها والدفاع عنها، أن الإسلام لا ذنب له في هذه القضية، وإنما هي قراءة الغلاة للإسلام، بدليل أن الإرهابيين قلة في عالم من المسلمين لم يقترفوا جريمة قط.

هناك غلطة تتكرّر عند بعض من يتناولون بالبحث والتعليق الإرهاب وقضاياه، إذ يتصورون أن الإرهاب قد انتهى وأن الكلام فيه يشبه الضرب في الميت، لمجرد أن رأوا شيئا من الانزواء تعيشه الجماعات الإرهابية في هذه الحقبة الزمنية. الواقع المجرب الذي نعرفه من التاريخ أنك حين تتجاوز الأسماء المضللة، أقصد أسماء الجماعات الإرهابية، فإنك ستجد أن مواصفات الإرهاب موجودة منذ زمن قديم جدا. عندما تستعرض تاريخ الأمة العربية الإسلامية فستجد جماعات الخوارج التي وُجدت منذ زمن مبكر جدا، وكيف أنهم حاربوا عليا بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان على حد سواء، وأنهم لم ينتهوا عن بقر بطون الحوامل. وكانوا يعيشون على ضفاف الدولة، ويشنون الهجمات عليها متى ما شعروا بقوتهم وضعف الدولة، ثم يعودون إلى الاختباء إذا هزمتهم الدولة واضطرتهم إلى أضيق السبل، أو حين يشعرون بقوتها وصرامتها. لكن هذا الاختفاء لا يعني النهاية، بل يبقون كبقاء الجمر تحت الرماد، بأفكارهم السوداء.

 

كل دين يُمكن أن يُقرأ قراءة صوفية ويمكن أن يقرأ قراءة سياسية وأيديولوجية طاردة وعنيفة

الإرهاب ليس خاصا بالمسلمين، فقد نشأت في أميركا جماعات كثيرة تشبه الخوارج، منها جماعة الكو كلوكس كلان، وهي جماعة دينية عنصرية تؤمن بتفوق العرق الأبيض وتحمل بغضا شديدا للأعراق الأخرى، خصوصا الأفارقة السود، ولم يكونوا يرعوون عن قتل السود بأبشع الأساليب مما جعلهم يوصفون بأنهم جماعة إرهابية لا تمثل البروتستانتية.

ليس شرطا أن يكون الإرهابي مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، فكل جماعة في الدنيا يمكن أن تجنح صوب العنف، حدث هذا من بعض الرهبان البوذيين الذين يفترض أن يكونوا أبعد الناس عن سفك الدماء.

هذه الجماعات أقدم من الإسلام نفسه، بل أقدم من المسيحية واليهودية، ولا شك أنها وجدت في زمن الفراعنة، أو بعبارة أخرى، هي جماعات مرتبطة بالأديان، أو بالقراءات الراديكالية للأديان. كل دين يُمكن أن يُقرأ قراءة صوفية ويمكن أن يقرأ قراءة سياسية وأيديولوجية طاردة وعنيفة.

وهذه الجماعات ستظل تختفي ثم تظهر أبد الدهر. تظهر إذا وجدت البيئة الحاضنة التي تشجعها وتدعم نشاطها، بمعنى أن تحصل على الاستغلال المتبادل من القوى الفاعلة في المجتمع. وتختفي عندما يكون هناك أرادة جادة، كالتي تعيشها السعودية اليوم، للقضاء على كل الجماعات الإرهابية وتجفيف منابع الإرهاب بمنهجية جديدة. هل يمكن أن يأتي يوم ويُقضى تماما على الإرهاب؟ هذا صعب لكنه ليس بمستحيل، يمكن أن نتحدث عن نصر كهذا متى ما أصبح هناك وعي عالمي وترسخت القيم الأخلاقية التي تنفر من العنف والاعتداء وصار هناك تقديس للحياة، أي حياة كانت.