لم يكن الأثر السلبي للزلزال والاستجابة الدولية الخجولة الأمر الوحيد الذي أثّر على حياة السوريين ككل في شمال غربي البلاد بحسب الناشط علي أبو الفاروق، بل شهدت المنطقة وقوع أحداث عدة زادت من معاناة السوريين.

عام كامل مضى على كارثة الزلزال في تركيا وشمال سوريا، ولا تزال خيمة محمود المعراوي المكان الوحيد لإيوائه مع أسرته، مكان منزله الذي دمّره الزلزال، وتسبّب بوفاة عدد من أقاربه في مدينة سلقين غرب إدلب.

يقول المعراوي مُقلّباً التراب بيده أمام خيمته: “لا أكاد أصدق أن 12 شهراً مضت من لحظة وقوع الزلزال، ولا أزال أنا وأطفالي وزوجتي هنا في هذا المكان تحت سقف خيمة تنقّلنا بها مرات عدة لنستقرّ أخيراً في مكان البناء الذي كان يحوي منزلنا قبل وقوع الكارثة في مثل هذا اليوم من شهر شباط/ فبراير 2023، مضت وكأنها الأمس لما فيها من صور وذكريات لم تفارق أذهاننا لحظة، بما فيها من ألم على وفاة أشقائي وعائلاتهم”.

خيم لمتضرري الزلزال في مدينة سلقين

بلغ عدد المباني التي دمرها الزلزال بحسب “فريق منسقو استجابة سوريا” 1983 مبنى، إضافة الى 4073 مبنى غير آمن للعودة وغير قابل للتدعيم، في حين أن عدد المباني التي كانت تحتاج الى التدعيم لتصبح آمنة للعودة 12043 مبنى، بالتزامن مع وجود 19446 مبنى كانت بحاجة الى صيانة أضرار خفيفة في شمال غربي سوريا. ولا يزال 265 ألف شخص فقدوا منازلهم، بحاجة إلى ملاجئ كريمة بحسب بيانات الأمم المتحدة.

من اللحظات الأولى للزلزال في مدينة سلقين

“لعنة” الانتظار في الخيمة

زار مركز الإيواء الذي تقطنه إم عبد الله وأولادها أكثر من 20 منظمة وفريقاً، بينهم فريق من الأمم المتحدة في مدينة جنديرس خلال الأشهر التسعة الماضية. لكن لم تغيّر تلك الزيارات بالحال شيئاً للقاطنين في المركز المتضررين من الزلزال، إذ مرّ عليهم الصيف بلهيبه والشتاء ببرودته بينما هم في الخيام.

تقول أم عبد الله، “توفي زوجي ومعه إحدى بناتي بسبب الزلزال ونجوت أنا وثلاثة من أبنائي، وتوجهنا للعيش في مركز الإيواء على أمل نقلنا الى منزل خلال أشهر بعد دمار منزلنا في الزلزال، لكن مر شهر وثلاثة وستة وسنة والمنظمات تأتي وتسجل بياناتنا، حتى الفرق الأممية تأتي وتذهب، ولم يسعفنا ذلك بالخلاص من السكن في الخيم التي كوت أجسادنا في الصيف ونخرت عظامنا من البرد ولا نزال ننتظر”.

لم تكن خسارة المنزل وبناء الخيمة على أنقاضه في ريف منطقة حارم بسبب الزلزال أكثر ما يؤرق علي الحسين، إذ لم تعد المساعدات الغذائية تصل له خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وهو بأمسّ الحاجة إليها إثر إصابته بالزلزال وعجزه عن العمل وتأمين الغذاء لعائلته.

أما أبو زيدو فعاد إلى منزله في مدينة سلقين بعدما رمّمته من إحدى المنظمات بشكل جزئي بقيمة لا تزيد عن الـ 1000 دولار أميركي، في حين لا يزال المنزل بحاجة الى ترميمه بشكل كامل لمبلغ يتجاوز الـ 2500 دولار.

دعم محدود ومبادرات محلّية

يقول أبو زيدو بعد 6 أشهر من وقوع الزلزال: “قبلت إحدى المنظمات طلبي لترميم المنزل، لكن لم تتعدَّ قيمة عملها مبلغ الـ 1000 دولار، والآن أمكث مع عائلتي في غرفة من المنزل، فيما باقي الغرف بحاجة الى نوافذ وترميم للجدران تفوق تكلفتها الـ 2500 دولار”.

عملت منظمات عدة على ترميم قسم من المنازل المتضررة بفعل زلزال شباط في شمال غربي سوريا بمبلغ لا يتعدى الـ1500 دولار، وهذه المنازل لا تعادل 40 في المئة من حجم الأضرار التي حلّت بالمنطقة، في حين تسلّم قسم من السكان التي تعرضت منازلهم للهدم الكلي ولم تعد صالحة للسكن، مساعدات مالية لا تتجاوز الـ 500 دولار بحسب شهادات لناشطين حقوقيين في شمال غربي سوريا، والذين أرجعوا السبب إلى ضعف التمويل الدولي لمعالجة كارثة الزلزال.

وأعلن فريق “ملهم” التطوّعي عن بناء 900 منزل لمتضرّري الزلزال، موزّعة على مدن إعزاز شمال حلب، وأرمناز وحارم غرب إدلب.

بيد أنه حتى اليوم لم يتم الانتهاء من تلك المشاريع بسبب العقبات اللوجستية التي واجهت الفريق، والذي أكد على لسان المتطوع محمد الشيخ، أن بناء تلك القرى السكنية خاص لمتضرري الزلزال، وبتمويل من متبرعين بعد إعلان الفريق فتحه حملة تبرعات منذ الأيام الأولى لكارثة الزلزال.

تضمّ القرى السكنية منازل للمتضررين وأسواقاً ومدارس وحدائق للترفيه، تؤول ملكيتها إلى الذين خسروا منازلهم بفعل الزلزال والعائلات التي توفي أفرادها  نتيجة الكارثة.

إحدى قرى ملهم لمتضرري الزلزال

انخفاض قيمة السوريين دولياً

لم تحمل الأشهر التي تلت وقوع الزلزال الخير معها للسوريين بحسب الناشط سامر العبد الباقي، ففيما كان الوضع يتطلّب جهداً دولياً للعمل على مشاريع تعافٍ من الزلزال للسكان، بيد أن المجتمع الدولي تخلى عن مسؤولياته تجاه الكارثة التي خلفت أكثر من 5000 شخص ودماراً كبيراً بالبنية التحتية ومنازل السكان، في بيئة تعاني أصلاً من الحرب لأكثر من 13 عاماً.

يأتي هذا فيما أعلن برنامج الغذاء العالمي عن تخفيض برنامجه الخاص بسوريا منذ نيسان/ أبريل 2023 حتى كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته، ووقف نشاطاته في سوريا بنسبة 72 في المئة بسبب ضعف في التمويل، بحسب ما ورد في بيان له حينها.

وكان برنامج الغذاء العالمي يخدم أكثر من مليون ونصف المليون نسمة في شمال غربي سوريا، باتوا جميعاً من دون مساعدات وتحت خط الفقر، وفق عامر علوه، العامل في مكتب تنسيق العمل الإنساني في محافظة إدلب.

قد تكون صورة ‏نص‏

وكان البنك الدولي قدّر بحسب تقرير سريع للأضرار في سوريا أصدره في آذار/ مارس2023، أن زلزال  شباط الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا، تسبب بأضرار مادية مباشرة في سوريا، تُقدّر بنحو 5.1 مليار دولار أميركي، موزعة على حلب التي كانت أشد المحافظات تضرراً، إذ سجلت 45 في المئة من مجمل الأضرار التقديرية (2.3 مليار دولار) تلتها إدلب (بنسبة 37 في المئة أو 1.9 مليار دولار) واللاذقية (بنسبة 11 في المئة أو 549 مليون دولار).

وتسبّب الزلزال اللاحق الذي وقع في 20 شباط بأضرارٍ إضافية في المناطق الحدودية في اللاذقية وإدلب وحماة وحلب، فيما كانت إدلب واللاذقية الأشدّ تضرراً.

قتل متعمّد فوق المأساة

لم يكن الأثر السلبي للزلزال والاستجابة الدولية الخجولة الأمر الوحيد الذي أثّر على حياة السوريين ككل في شمال غربي البلاد بحسب الناشط علي أبو الفاروق، بل شهدت المنطقة وقوع أحداث عدة زادت من معاناة السوريين.

وأبرز الأحداث هو التصعيد الميداني الملحوظ للطائرات الحربية الروسية وقذائف النظام وميليشيات إيران على البلدات والمدن في المنطقة، ومنها تلك التي ضربها الزلزال بشدة، مثل إدلب وجسر الشغور، ما أحدث موجة نزوح منها خلال شهري آب/ أغسطس وتشرين الأول/ أكتوبر2023 باتجاه القرى والبلدات الحدودية وما رافقها من احتياج غذائي وصحي.

وخلال تشرين الأول 2023 وحده، وثق فريق “منسقو استجابة سوريا”، 538 هجوماً لقوات النظام على 72 بلدة وقرية في شمال غربي سوريا، من بينها 109 غارات جوية للطائرات الحربية الروسية خلفّت بمجملها مقتل 60 مدنياً وإصابة 285 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال.