تزايدت في الفترة الأخيرة زلات لسان الرئيس الأميركي جو بايدن مما أثار المزيد من التساؤلات والمخاوف حيال وضعه الصحي، وما إذا كان لائقا صحيا لخوض الانتخابات الاميركية لفترة رئاسية ثانية سيبلغ في نهايتها عامه السادس والثمانين، وبذلك سيكون الرئيس الأكبر سنا في التاريخ الأميركي.
وكثرت المخاوف على صحة بايدن، من أن يؤدي قيامه بأعماله الوظيفية الى إجهاده مما يعرضه لأخطار صحية، ومن أن حالته الجسدية والعقلية ليست في أحسن حالاتها مما يعرقل دوره كرئيس للولايات المتحدة الأميركي، في ظل أوضاع داخلية صعبة واستقطاب حاد بين الديمقراطيين والجمهوريين وتدنّ قياسي لمستويات شعبيته، وأيضا في نظام دولي ملتهب بالصراعات، وصعود للدور الصيني والتحديات الروسية في مناطق مختلفة من العالم، وخروج منطقة الشرق الأوسط عن السيطرة الأميركية، ومحاولة إدارة بايدن لملمة أوراق المنطقة من جديد قبيل الانتخابات نهاية العام.
فقدان للذاكرة وللحضور
فقد لوحظ ان الرئيس بايدن لا يتمتع بالحضور الذهني الكافي لكونه رئيسا، فهو يخلط حينا بين أسماء الرؤساء، وحينا آخر يصافح أفراد طاقمه باعتبارهم ضيوفا، ويتحدث في أحيان أخرى عن مفاوضات تجري خلف الأبواب المغلقة ولم يتم الحديث عنها أو التصريح بها، كما فعل حين تكلم عن المفاوضات لوقف إطلاق النار في قطاع غزة مما أثار استهجان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الواضح بحسب ما أظهرته عدسات الكاميرات.
يعد بايدن من بين تسعة رؤساء دول الأكبر سنا، طبقا لتحقيق أجراه مركز “بيو” للأبحاث في أميركا عام 2023، حيث يأتي الرئيس الكاميروني بول بيا الذي يبلغ من العمر 90 عاما على رأس هذه القائمة. نعم، بايدن متقدم في السن وهو أكبر الرؤساء الأميركيين سنا بعمر يناهز 81 عاما، لكن هذا العمر المتقدم ليس بالمبرر الكافي لأن تجعل الحالة العقلية الرئيس بايدن ينسى معلومات مهمة أو المكان الذي يخرج منه بعد المؤتمر الصحافي.
وفقا لمقال نشر أخيرا في “ذي إيكونوميست”، فإن الحالة العقلية والحضور الذهني ليسا متساويين لدى كل الرجال المتقدمين في السن، إذ تدخل في تحديد ذلك عوامل كثيرة منها الجينية وعوامل أخرى تتعلق بأسلوب النشأة والتربية. فمنصب رئيس الولايات المتحدة لا يسمح بزلات لسان كهذه من شأنها أن تضعف مكانة الولايات المتحدة بين دول العالم.
تقرير يحرج الرئيس
زادت الأمور تعقيدا جراء اللغة التي تضمنها تقرير المحقق الخاص روبرت هور في قضية احتفاظ جو بايدن بوثائق سرية حيث وصفه بأنه رجل مسن متعاطف وحسن النية وذو ذاكرة ضعيفة.
وقد انفجرت نوبة استهجان في البيت الأبيض حيال ذلك التقرير، حيث أراد الرئيس بايدن أن يثبت بأنه يتمتع بذاكرة قوية، لكنه ما لبث أن أكد ما ذكره التقرير، فوصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه رئيس المكسيك بدلا من رئيس جمهورية مصر العربية، فأثار بذلك موجات من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، والأهم، أن ذلك زاد من القلق والشكوك حول صحته العقلية، وما إذا كان مستعدا ومناسبا لخوض الانتخابات.
من بين هذه المخاوف، أن يكون الرئيس بايدن مصابا بمرض فقدان الذاكرة أو الخرف أو أعراض التقدم في السن، وهذه أمور يبتها طاقم الرئيس الطبي. لكن منصب الرئيس يتطلب القوة العقلية الحاضرة للقيام بواجباته على أكمل وجه. أمام بايدن الآن عشرة شهور من العمل الشاق في حملته الانتخابية ليؤمن جلوسه في البيت الأبيض لأربعة أعوام أخرى.
ومن المعروف أن السباق الرئاسي الأميركي طويل ويتطلب السفر بين الولايات لإلقاء خطب تساعد الرئيس في إقناع الناخبين بانتخابه، الأمر الذي قد يصعب على بايدن أصلا نظرا إلى تدني شعبيته إلى مستويات تاريخية، وخصوصا بسبب طريقة معالجته للحرب على قطاع غزة. ويطلب من المرشح الرئاسي أن يتمتع بالكاريزما القوية والحضور الذهني في مناظرات يكون الهدف منها الإثبات بأنه المرشح القوي.
ومن المتوقع أن يكون الرئيس السابق دونالد ترمب هو المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، المعروف عنه بأنه حاد وسريع الرد وحاضر ذهنيا، مما يساعده في التغلب على غريمه بايدن بأريحية تخيف الحزب الديمقراطي.
الحزب الديمقراطي مستمر في دعم بايدن لولاية رئاسية ثانية، على الرغم من تزايد المخاوف بشأن وضعه الصحي، سواء الجسدي أو العقلي، ومع تزايد الانتقادات للرئيس بايدن لهفواته الكثيرة.وذهب البعض بعيدا في مقارنة الرئيس الأميركي بايدن بنظيره الروسي فلاديمير بوتين البالغ من العمر 71 عاما، حيث ظهر الأخير في لقاء تلفزيوني يشرح بالتفصيل، ولمدة 30 دقيقة، لماذا شن الحرب على أوكرانيا، ذاكرا أسبابا تاريخية من دون قراءة نص مكتوب، مما يدل على أنه يتمتع بحضور ذهني عال يفتقده بايدن حتى مع قراءته لنص مكتوب أمامه.
وأفاد خبراء بأن حنكة الرئيس الروسي وحضوره في هذا اللقاء أعطيا الأميركيين والغرب الفرصة للحصول على وجهة نظر أخرى، مما يسمح لموسكو تغيير دفة الرأي العام العالمي ولو في جزء بسيط، حيث حقق اللقاء أكثر من مئة مليون مشاهدة، وأحدث تفاعلا كبيرا لجهة الطريقة التي رد فيها بوتين بفاعلية وإقناع.
ماذا ينص الدستور؟
من ضمن المقارنات أيضا، مقارنة بايدن مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر الذي توفي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المنصرم عن عمر مئة عام، وكان لا يزال يتمتع بالحضور الذهني الذي مكنه من القائه محاضرات وإجراء لقاءات تلفزيونية وأيضا القيام بزيارات للصين أحدثت حراكا ديبلوماسيا مع المنافس الأول للولايات المتحدة. كما أن كيسنجر لم يخطئ في معلوماته التاريخية او أسماء الرؤساء على الرغم من تقدمه في العمر.
نظم الدستور الأميركي عملية تداول السلطة في حال عدم تمكن الرئيس من القيام بمهامه، سواء لظروف صحية، أو الوفاة، أو الاستقالة، أو الإقالة من منصبه، بحيث يقوم نائب الرئيس بواجبات الرئيس، واذا لم يكن ذلك متاحا، يتم توكيل رئيس مجلس النواب للاضطلاع بها، واذا لم يكن ذلك متاحا، توكل الواجبات إلى رئيس مجلس الشيوخ موقتا.
وأفرد الدستور الأميركي قائمة بذلك التسلسل عند عدم قيام الرئيس بمهامه وصلت الى 18 منصبا. وطالب أعضاء من الحزب الجمهوري بتفعيل التعديل رقم 25، الفقرة الرابعة، التي تتناول الحالة المثيرة للجدال لرئيس قد لا يكون قادراً على القيام بدوره الدستوري، ولكن لا يمكنه أو لا يريد الاستقالة. يخول الدستور المجموعة المقررة في البداية، وهي نائب الرئيس وغالبية من الحكومة أو جهة أخرى يمكن أن يعينها الكونغرس (على الرغم من أن الكونغرس لم يفعل ذلك قط)، اتخاذ القرار، فإذا أعلنت هذه المجموعة أن الرئيس غير قادر على أداء صلاحيات ومهام منصبه، يصبح نائب الرئيس على الفور رئيسا بالوكالة. واذا أعلن الرئيس قدرته على القيام بمهامه، لدى المجموعة المقررة أربعة أيام للمناقشة وإبداء رأي مخالف.
إذا لم يحدث ذلك، يستعيد الرئيس صلاحياته. ولكن في حال حدوثه، يحافظ نائب الرئيس على السيطرة بينما يجتمع الكونغرس بسرعة ويتخذ قرارا.
بين كل هذه الاحتمالات، تبقى صحة الرئيس وحدها هي التي تقرر مآلات الأمور في الأشهر المقبلة، لإثبات أن العلاقة بين الرئيس ومنصبه الرئاسي، خطر أحدهما على الآخر، أو يستكمل بايدن نشاطه المعتاد.