روايات صديقة شعبنا “مليكة مزان”، زاخرة بالروح الكردية – كما يقول إبراهيم القبلي، استاذ الأدب المقارن في كلية ويليامز بولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة – ومنسوجة بلغة سلسة وسرد شاعري مشوّق، وذائقة تنضح بالذات الأمازيغية الداعمة لشعبنا الكردي كي يظفر بممارسة حق تقرير المصير كسائر الشعوب الحرة.
بطلة روايتها “عارية إلا.. منك”، تُدعى “ديهيا”، وهو اسم الملكة الأمازيغية التي قاومت الغزو العربي – الإسلامي في عرينها بجبال أوراس في الجزائر، قبل أربعة عشر قرناً ونيِّف؛ أما بطلها فهو “أَكْسِيل” الثائر الأمازيغي الذي تصدى للغزاة وردهم على أعقابهم بداية، وظل يقاوم حتى استشهد.
جدير بالذكر أن بلاد الأمازيغ كانت تمتد من واحة (سيوة) في مصر شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً، قبل أن تغدو تحت هيمنة العرب الذين أطلقوا عليهم (البربر)، أي غير المتحضر، بينما تعني في لغتهم الانسان الحر النبيل، وأطلقوا على بلادهم (المغرب العربي) كمحاولة لطمس هويتهم الأصلية وتعريبها.
تقتبس الروائية “مزان” اسمَي البطلين المذكورين، وتوظفهما على أحسن ما يكون التوظيف في التاريخ المعاصر، وكأنها تقول إن التاريخ يعيد نفسه، فحين تُعتقل (ديهيا) المعاصرة، في أحد سجون بلدها المغرب بشكل تعسفي، جرّاء دفاعها المستميت عن القضية الكردية العادلة، ومؤازرتها لحقوق الشعب الكردي المُضطهَد، تقع في حب (أَكْسِيل) الأمازيغي الجزائري، الذي كان يعمل طياراً في القاعدة العسكرية الأمريكية في جنوبي كوردستان، وهو ويشارك الپێشمەرگة الباسلة لحماية الكرد من غزوات الهمجيين من تنظيم داعش؛ أما ديهيا فتتصدى بدورها للسجينة المسماة الحاجة خديجة، تلك التي تشربت ايديولوجية داعش، واعتادت وصمَ الكرد بالانفصاليين أو السخرية منهم بين الفينة والأخرى، كما راحت تواظب كل مساء على مشاهدة مسلسلها التركي المفضل “حريم السلطان”، رغم اعتراض سجينات المهجع (بارين، صابرين، مايا وغيرهن كثر).
في أحد الأيام ترسل ديهيا لابنتها “تيليلي” المقيمة في جنيڤ، وهو اسم مستعار اختارته لها كي تحميها من اختطاف أو اغتيال هناك، بعد انتشار وباء التطرف في أوربا جرّاء الهجرة من الجنوب. فأومأ الحارس لرئيسه: سيدي، شخصيات ديهيا تحمل أسماءً أمازيغية وكردية.. فتساءل رئيس الحراس: أهذا صحيح؟ أجابت: نعم، لأن السلطات تمنع أبناءنا أسماء تدل على هويتهم، على شاكلة السلطات التركية والسورية اليوم، والتي تتصرف مع الكرد بنفس الطريقة. ردَّ رئيس الحراس: لأنها أسماء غريبة لا علاقة لها بهوية هذا البلد. أجابت ديهيا بما ينسف ادعاءاته: لكن هذه الأسماء تعبر عن اعتزاز الأمازيغ بانتمائهم القومي الأصيل، وإن صارت غريبة فمرد ذلك إلى القوانين العنصرية التي تسنها سلطاتكم … إن “تيليلي” كلمة متجذرة في ثقافتنا ولغتنا، وتعني “الحرية” يا سيدي.
هذا السجال، أعاد إلى ذهني مأساة الكرد في الجزء الكردستاني الملحق بسوريا؛ فحين أراد أحدهم أن يسجل ابنه “Serdar” في أمانة السجل المدني ذات يوم، سأل أمين السجل أحد الحضور: ماذا يعني؟ أجابه أحد الحضور: (فوق الشجرة). فشمّر أمين السجل عن ساعده ليسجل الترجمة الحرفية هذه، لولا أن والد الطفل التمس منه ألا يسجله وفق هذه الترجمة المبتذلة، فتراجع أمين السجل المدني عن قراره واختار اسماً عربياً، كي ينأى بنفسه عن المسؤولية الأمنية.