شهدت الدراما السورية هذا العام دخول المخرج سليم سموع إلى ساحة المسلسلات التلفزيونية لأول مرة، بعد أن كان اسماً معروفاً في إخراج الفيديو كليبات. هذه النقلة شكّلت تحدّياً واضحاً له، إذ سعى إلى تقديم رؤية إخراجية تتناسب مع متطلبات الدراما، فجاء عمله الأول “احتمال” متماسكاً من الناحية البصرية إلى حد ما، رغم غياب الإبهار الفني الذي كان يمكن أن يرفع من مستوى التجربة.
اتسمت الحلقات الأولى بإيقاع هادئ وترقب طويل لم يُسهم في شد المشاهد مباشرة إلى الحدث. فقد افتقر الأداء التمثيلي في الحلقات الثلاث الأولى إلى حرارة واضحة، حيث بدت الشخصيات على الحياد، وكأنها تترقب لحظة الانفجار الدرامي الذي لم يأتِ سريعاً. ومع ذلك، انقلبت المعادلة في الحلقة الرابعة مع دخول فايز قزق إلى الحكاية، إذ أضفى حضوره وزخمه الفني ديناميكية واضحة على الأداء العام للممثلين، مما سمح لهم بتقديم أداء أكثر عمقاً وتفاعلاً، مع تصاعد وتيرة الأحداث تدريجياً.
تدور قصة “احتمال” حول مدرس رياضيات، يجسده الممثل هافال حمدي، يجد نفسه غارقاً في محاولة تحليل معادلات احتمالية مع أحد طلابه، الذي يلعب دوره ميخائيل صليبي، من أجل الفوز بجوائز اليانصيب وتحقيق حلم الثراء. بعد ثلاث حلقات من البحث والتجربة، ينجحان بالفعل في فك رموز الاحتمالات والفوز بالجائزة، لكن سرعان ما تأخذ القصة منحى آخر، إذ يدخل على الخط رجل غامض، يؤدي دوره فايز قزق، الذي يتبين لاحقاً أنه أشبه بتجسيد رمزي للقدر، يفرض على البطل سلسلة من التحديات والاختبارات الصعبة.
يبدو المسلسل، من ناحية الطرح، أقرب إلى عمل فلسفي يستند إلى الرمزية والإسقاطات الواضحة. فالرسالة الرئيسية تتمحور حول فكرة مقاومة القدر، والتحدي المستمر له، وكيف أن النجاح في الالتفاف على المصير قد لا يكون نهاية المطاف، بل بداية لمواجهات أكثر تعقيداً مع قوى خفية تتحدى خيارات الإنسان.
ورغم وضوح هذه الفكرة، إلا أن تعدد التأويلات التي قد يخرج بها المشاهدون يبقى احتمالاً وارداً، وهو ما يُحسب لصالح العمل من حيث تقديمه مادة تثير التفكير، ولو أن التنفيذ لم يرقَ دوماً إلى مستوى الطرح.
مع الاقتراب من نهاية العمل، يتخذ المسلسل منعطفاً درامياً غير متوقع، حيث يصبح أقرب إلى أجواء فيلم الرعب الأميركي الشهير “ساو” (Saw)، إذ يجد البطل نفسه محتجزاً على يد فايز قزق، الذي يفرض عليه سلسلة من التحديات القاسية من أجل البقاء. هذا التحول في السرد بدا وكأنه محاولة لإضفاء صبغة الإثارة على العمل، إلا أنه لم يكن بالضرورة في سياق تطور الأحداث الطبيعي. والأكثر إثارة للجدل، أن المسلسل انتهى بعبارة “يتبع”، رغم عدم وجود نية معلنة لإنتاج جزء ثانٍ.
وعلى الرغم من أن “احتمال” لا يمكن تصنيفه كعمل فاشل، إلا أنه لم يخل من ثغرات درامية من الصعب تجاهلها. من أبرز هذه الثغرات ضعف البعد الإنساني لبعض الشخصيات، مثل علاقة البطل بوالدته، التي تؤدي دورها صباح السالم، حيث ينشغل بجمع المال لإجراء عمليتها الجراحية دون أن يُبدي اهتماماً كافياً بالتواصل العاطفي معها، حتى من خلال مكالمة فيديو، وهو ما أضعف من تأثير هذا الخط الدرامي.
كما أن إدخال شخصية راما زين العابدين إلى حياة البطل بشكل مفاجئ، ومنحها دوراً محورياً دون تمهيد منطقي كافٍ، بدا مصطنعاً. قبول البطل بوجود فتاة غريبة في منزله دون أي مبررات مقنعة شكّل نقطة ضعف أخرى، عكست تسرعاً في بناء بعض الأحداث لتحقيق استمرارية القصة على حساب المنطق الداخلي لها.
من تصوير مسلسل “بورتريه”، 2020 (لؤي بشارة/ فرانس برس)
سينما ودراما
الدراما السورية: سؤال الرقابة الشائك
بالنهاية، يمكن اعتبار “احتمال” تجربة تحمل بوادر نجاح، لكنه وقع في فخ البطء السردي، خاصة أنه عمل قصير مكون من سبع حلقات فقط، ما يجعله بحاجة إلى إيقاع أكثر سرعة وتشويقاً. رغم ذلك، لا يخلو المسلسل من لحظات ممتعة واستعارات رمزية تجعله تجربة تستحق المشاهدة، ولو بتحفّظ.