تهشمت صورة إسرائيل الديموقراطية الحضارية في العالم. كان الاحتلال يدّعي أن دولته الأكثر تفوقاً أخلاقياً وأنها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. لكن كل ذلك تبدل بعد الابادة الجماعية في غزة والعدوان على لبنان والضفة الغربية.
تشير صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى بيانات قاتمة في ظل الحرب على غزة: فقط 54٪ من الأميركيين يحملون الآن رأياً إيجابياً تجاه إسرائيل، وهو رقم لم يُر منذ العام 2000. في الجانب الديموقراطي، الانهيار كامل: 60٪ لديهم رأي سلبي عن إسرائيل، فقط 1 من كل 3 يؤيدها، ولديها دعم أقل من الفلسطينيين. لدى الجمهوريين انتصار ساحق لاسرائيل، مع دعم بنسبة 83٪.
هذا ما أظهره استطلاع جديد من معهد “غالوب”، الذي يقيّم سنوياً مواقف الجمهور الأميركي تجاه دول مختلفة حول العالم. يعكس الاستطلاع الانقسام المتزايد بين إسرائيل والحزب الديموقراطي ومؤيديه، ويظهر لأول مرة في التاريخ، أن غالبية الناخبين في أحد أكبر الأحزاب في الولايات المتحدة تحمل رأياً سلبياً تجاه إسرائيل: 60٪ من الديموقراطيين أعربوا عن موقف غير مؤيد تجاه الدولة. للمقارنة، الديموقراطيون يفضلون غزة والسلطة الفلسطينية (45٪ يحملون موقفاً إيجابياً تجاهها)، ومصر (61٪)، وكوبا (55٪) أكثر من إسرائيل.
وفقاً للاستطلاع، أصبح الفارق بين الجمهوريين والديموقراطيين في ما يتعلق بإسرائيل غير مسبوق، بحيث يحمل 83٪ من الجمهوريين رأياً إيجابياً تجاه إسرائيل مقارنة بـ 33٪ فقط من الديموقراطيين. بين الديموقراطيين، كانت هذه انخفاضاً بنسبة 14٪ عن العام الماضي. كما تم تسجيل انخفاض حاد بين الناخبين المستقلين، أي أولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم بالضرورة ينتمون إلى أي من الحزبين، حيث يحمل 48٪ فقط منهم موقفاً إيجابياً تجاه إسرائيل.
تشير البيانات إلى تحول تاريخي في الاتجاهات. منذ العام 2001، كان الفارق المتوسط بين الحزبين بشأن دعم إسرائيل 18٪ فقط، بينما هذا العام وصل إلى 50٪ – ما يقرب من ثلاثة أضعاف المتوسط السنوي. يشير المراقبون السياسيون في الولايات المتحدة إلى أن التغيير الدراماتيكي في الرأي العام الديموقراطي ناتج بصورة رئيسية عن الانتقادات تجاه أعمال إسرائيل في حرب غزة، إلى جانب تأثير المواقف البارزة داخل الحزب، خصوصاً من المشرّعين المرتبطين باليسار التقدمي.
آخر مرة كانت فيها مواقف الأميركيين تجاه إسرائيل أسوأ في شباط 1992، حين كان فقط 48٪ من الأميركيين يحملون رأياً إيجابياً عنها. أدنى مستوى تم تسجيله على الإطلاق كان في العام 1989، وفقط 45٪ منهم لديهم مواقف إيجابية تجاه إسرائيل.
تمت تقريباً مضاعفة الدعم للفلسطينيين في الاستطلاع الجديد، الذي أُجري بين 3 و16 شباط، وهو جزء من سلسلة استطلاعات سنوية من معهد “غالوب” تهدف إلى متابعة مواقف الجمهور الأميركي تجاه دول مختلفة في العالم. إلى جانب التغيير الدراماتيكي في المواقف تجاه إسرائيل، يشير الاستطلاع إلى اختلافات أخرى بين أنصار الأحزاب في مواقفهم تجاه دول أخرى: بينما يميل الديموقراطيون إلى حمل آراء أكثر إيجابية تجاه أوكرانيا والمكسيك، وكذلك غزة والسلطة الفلسطينية، يميل الجمهوريون إلى رؤية السعودية وروسيا في ضوء إيجابي أكثر.
سجلت السلطة الفلسطينية زيادة كبيرة في الدعم بين الجمهور الأميركي، بحيث عبّر 32٪ من الأميركيين عن رأي إيجابي تجاه “المناطق الفلسطينية” – وهي نسبة مرتفعة بصورة كبيرة مقارنةً بالاستطلاع الذي أُجري العام الماضي، حيث كان 18٪ فقط منهم يحملون رأياً إيجابياً تجاهها. في الواقع، هذا هو أعلى تقييم حصل عليه الفلسطينيون من الجمهور الأميركي على الاطلاق.
يعكس التغيير موقفاً أكثر إيجابية تجاه الشعب الفلسطيني نتيجة الحرب والخسائر الكبيرة في قطاع غزة. تظهر بيانات الاستطلاع التحدي السياسي الذي قد تواجهه إسرائيل على المدى الطويل، لا سيما إذا استمرت هذه الاتجاهات وتعميق الفجوة بين الأحزاب الأميركية. بالنسبة الى القدس، التي اعتادت الافادة من دعم قوي من الحزبين في الولايات المتحدة لعقود، قد يؤثر هذا التغيير على العلاقات مع القوة الكبرى الأكثر أهمية لاسرائيل، ويتطلب إعادة استعداد في النهج الديبلوماسي تجاه الديموقراطيين.
في حين تبدو صورة إسرائيل مهشمة في المجتمعات الغربية، يمكن حصد النتيجة على المدى الطويل وليس شرطاً أن يكون سريعاً. وربما في يوم يكون الرئيس الأميركي مؤيداً لفلسطين وقضيتها كما حصل في بعض الدول الأخرى. فالتغير في موازين القوى وكسب المؤيدين هو أول خطوة نحو انهاء الاحتلال.