لطالما تباهت الولايات المتحدة بكونها منارة عالمية لحرّية التعبير، لكنّ الاعتقالات الأخيرة لطلّاب أجانب متّهمين بدعم “حماس”، تختبر حدود التعديل الأوّل للدستور وتهدّد سمعة الولايات المتحدة. وبينما تمضي الحكومة الفدرالية في احتجاز وترحيل أفراد بسبب انتماءاتهم السياسية المزعومة أو مخالفتهم لقوانين مضى عليها الزمن، تدور معركة شرسة على السؤال التالي: أين تنتهي حرّية التعبير وأين يبدأ الدعم غير القانوني للإرهاب؟ ويحذّر المنتقدون من أنّ هذه الإجراءات قد تشكّل سابقة خطيرة، وهو ما يؤدّي إلى قمع المعارضة وتقويض القيم الديمقراطية التي تتغنّى الولايات المتحدة بالدفاع عنها. ومع تصاعد الرهانات القانونية والسياسية والدبلوماسية، تواجه الولايات المتحدة الأميركية لحظة حاسمة في صراعها لتحقيق التوازن بين الأمن والحرّيات المدنية.
لقد أثارت الاعتقالات الأخيرة للطلّاب الأجانب المتّهمين بدعم “حماس”، وخصوصاً الفيديو الذي يظهر فيه رجال أمن فدراليون مقنّعون وهم يلقون القبض على طالبة تركيّة محجّبة، موجة من الاستنكار وأطلقت جدلاً واسعاً في المخاوف من أنّ الإدارة الحالية تقوّض حرّية التعبير. مقاطع الاعتقالات التي تنتشر على وسائل التواصل تُظهر تعاملاً قاسياً، وهو ما يزيد من فقدان الثقة بالنموذج الديمقراطي الأميركي.
أطلقت هذه الاعتقالات الأخيرة جدلاً قانونياً وسياسياً في الولايات المتحدة وخارجها. وهي تمسّ قضايا جوهرية تتعلّق بالأمن القومي، وسياسة الهجرة، وحرّية التعبير، والمكانة العالمية لأميركا.
لطالما تباهت الولايات المتحدة بكونها منارة عالمية لحرّية التعبير، لكنّ الاعتقالات الأخيرة لطلّاب أجانب متّهمين بدعم “حماس”، تختبر حدود التعديل الأوّل للدستور وتهدّد سمعة الولايات المتحدة.
بموجب القانون الفدرالي الأميركي، وخصوصاً قانون مكافحة الإرهاب لعام 1996، يُعتبر تقديم “دعم مادّي” لمنظّمة إرهابية أجنبية عملاً غير قانوني. وقد صنّفت الحكومة الأميركية “حماس” منظّمةً إرهابيّةً أجنبيّةً منذ عام 1997، وهو ما يعني أنّ أيّ شكل من أشكال الدعم الماليّ أو اللوجستي أو التأييد العلني الذي قد يُفسَّر دعماً لـ”حماس”، يمكن أن يكون سبباً للاعتقال والترحيل. وقد أيّدت المحاكم هذه القوانين في الغالب، حتى عندما جادل المتّهمون في أنّ أفعالهم كانت رمزية أو سياسية بحتة.
يحمي التعديل الأوّل للدستور حرّية التعبير، بما في ذلك التعبير السياسي. ومع ذلك، قضت المحاكم بأنّ الدعوة إلى أو التنسيق مع منظّمة إرهابية أجنبية يمكن أن يتجاوز حدود الخطاب المحميّ ليصبح نشاطاً إجراميّاً. يقوم الجدل على مناقشة قدرة الحكومة على ملاحقة الأفراد حتى لو كان دعمهم للمنظّمات الإرهابية غير عنيف. ويعقّد هذا الإطار القانوني الجدل في ما إذا كان الطلاب المتّهمون يمارسون حقّهم في حرّية التعبير أو تورّطوا في أنشطة غير قانونية.
الإضرار بسمعة أميركا دوليّاً
تمتلك الحكومة الفدرالية سلطة واسعة في تنفيذ قوانين الهجرة، بما في ذلك ترحيل غير المواطنين المتورّطين في أنشطة إجرامية. ويخضع الطلّاب الأجانب في الولايات المتحدة لشروط صارمة بموجب تأشيراتهم، وأيّ انتهاك لهذه الشروط بما في ذلك الانخراط في أنشطة سياسية محظورة يمكن أن يؤدّي إلى إلغاء التأشيرة والترحيل. ومع ذلك، يصرّ القضاء على ضرورة امتثال الحكومة لإجراءات التقاضي الواجبة، وهو ما يضمن حصول هؤلاء الطلّاب على التمثيل القانوني ومحاكمة عادلة قبل الترحيل.
قد تؤدّي هذه الاعتقالات والترحيلات المحتملة، سواء كانت قانونية أم لا، إلى الإضرار بسمعة أميركا عالميّاً، لا سيما في الشرق الأوسط وبين المجتمعات الطلّابية الدولية. ويرى المنتقدون أنّ هذه الإجراءات تشير إلى تراجع القيم الديمقراطية، وقد تثني الطلّاب الموهوبين عن الدراسة في الولايات المتحدة. ويمكن أن تؤدّي إلى توتّرات دبلوماسية مع الدول، التي تعتبر هذه الإجراءات ذات دوافع سياسية وليست مسألة أمن قومي، خصوصاً أنّ الترحيل السياسي يشمل فقط المناهضين لما تقوم به إسرائيل ضدّ الفلسطينيين.
تمتلك الحكومة الفدرالية سلطة واسعة في تنفيذ قوانين الهجرة، بما في ذلك ترحيل غير المواطنين المتورّطين في أنشطة إجرامية
تنتقد واشنطن تقليديّاً الأنظمة الاستبدادية لقمعها حرّية التعبير، لكنّ هذه الاعتقالات قد يُنظر إليها على أنّها استخدام للقوانين الأمنيّة لقمع المعارضة السياسية. وقد يقوّض هذا الموقف مصداقية أميركا في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في الخارج، خاصة في المناطق التي تُتّهم فيها واشنطن بازدواجية المعايير.
أثارت الاعتقالات نقاشاً واسعاً في التوازن بين الأمن والحرّيات المدنية. ويدعم المحافظون عموماً تنفيذاً صارماً للقوانين ضدّ الأفراد المتّهمين بدعم الإرهاب، بينما يجادل التقدّميون وجماعات الحقوق المدنيّة في أنّ هذه الإجراءات تنتهك حرّية التعبير وتستهدف بعض الفئات بشكل غير متناسب. وأعربت بعض الجامعات عن قلقها بشأن حرّية الأكاديميّين والتأثير السلبي لهذه الإجراءات على حرّية النقاش في الحرم الجامعي.
أسئلة قانونيّة وسياسيّة وأخلاقيّة خطيرة
على الرغم من أنّ الحكومة يمكنها تنفيذ قوانين الهجرة وملاحقة دعم الإرهاب، تواجه عدّة تحدّيات قانونية ولوجستية في تنفيذ سياسة ترحيل واسعة النطاق.
تثير الاعتقالات الأخيرة للطلّاب الأجانب المتّهمين بدعم “حماس” أسئلة قانونية وسياسية وأخلاقية خطيرة. وبينما تُعتبر مخاوف الأمن القومي مشروعة، فإنّ تأثير هذه الإجراءات على حرّية التعبير وسمعة أميركا العالمية والقيم الديمقراطية يجب أن يؤخذ في الاعتبار. وستشكّل الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع هذه القضيّة سابقة لمستقبل التعامل مع التعبير السياسي وسياسات الهجرة وجهود مكافحة الإرهاب.
إقرأ أيضاً: ترامب وبايدن: إدارتان تتقاسمان مآزق المنطقة
إجراءات إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاه المهاجرين والمناهضين لإسرائيل والقول إنّه لا مكان في الولايات المتّحدة لمن يعمل ضدّ سياسة واشنطن ستحرم واشنطن من استخدام الحقّ الأخلاقي بالدفاع عن الحرّيات وسيلةً سياسيةً ضدّ خصومها. ومن الطبيعي أنّها ستؤدّي إلى فقدان أميركا جاذبيّتها الثقافية وقيمها الديمقراطية لنشر نفوذها.