تبحث الباحثة الهولندية مينيكه شيبر عن شيء في كتاب مضى على صدوره نحو 20 عاماً (دار صفصافة)
ملخص
ما زالت الاتهامات بممارسة السحر تلعب من وقت لآخر الدور المأسوي نفسه في أجزاء أخرى من العالم، بخاصة في القرى التي يضنيها الفقر.
في كتابها “الأرامل: التاريخ المسكوت عنه”، تغوص الباحثة الهولندية مينيكه شيبر في رحلة بحث عبر التاريخ والنصوص الأدبية واللوحات الفنية والأديان وكتب الرحالة والفلاسفة والأمثال الشعبية والحكايات الشخصية وثقافات الشعوب، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، كي ترسم صورة متعددة الأبعاد لنموذج الأرملة، قديماً وحديثاً، في سياق دأبها المتصل عبر عدد من أبحاثها في فضح ذكورية مسكوت عنها.
تواصل مينيكه شيبر في كتاب “الأرامل: التاريخ المسكوت عنه”، الذي صدر عام 2023 عن دار “برومثيوس”، ما بدأته تحديداً في كتاب سابق لها هو “النساء في أمثال الشعوب… إياك الزواج من كبيرة القدمين”، الصادر عام 2004، من تتبع مظاهر تقليل قيمة المرأة في ثقافات مختلفة، وهذا ما تضمنه كتابها السابق عن المرأة الأرملة الذي لم يتجاوز 10 صفحات، وكما تقول فقد رغبت في تعميق هذا الحيز، وزادت حماستها بعد نحو أربعة أشهر من بدئها العمل عليه، وتحديداً عقب رحيل زوجها يوم السابع من أبريل (نيسان) 2020. كان عليها، بحسب تعبيرها، أن تبحث عن شيء في ذلك الكتاب الذي مضى على صدوره نحو 20 عاماً، “أثارت الصفحات الـ10 التي يضمها الكتاب عن الأرامل، فضولي مرة أخرى. الارتياب في الأرامل شائع إلى حد مدهش. لا بد من إبقاء الموت محاصراً عن طريق تحميل النساء بطقوس وممنوعات بعد موت الزوج. ومثلما حدث في التاريخ الغربي منذ بضعة قرون، ما زالت الاتهامات بممارسة السحر تلعب من وقت لآخر الدور المأسوي نفسه في أجزاء أخرى من العالم، بخاصة في القرى التي يضنيها الفقر”، “عام 2020 هو عام كورونا”، تضيف شيبر، “وبدأ للتو وقت طويل من العزل، واجه عملي المكثف على هذا الكتاب فترة حدادي بتاريخ عالمي اتخذ فيه الترمل أبعاداً أكبر بكثير من مجرد خسارة شخصية” ص 210.
الباحثة الهولندية مينيكه شيبر (وسائل التواصل)
الأرمل ليس أرملة
النسخة العربية من الكتاب “دار صفصافة” صدرت بتوقيع المترجم عبدالرحيم يوسف، وبدعم من المؤسسة الهولندية للآداب. وسبق أن ترجمت أعمال عدة للمؤلفة التي بدأت حياتها العملية بتدريس اللغة الفرنسية والأدب الأفريقي، في جامعة الكونغو الحرة بين عامي 1964 و1972 إلى العربية، منها: “المكشوف والمحجوب… من خيط بسيط إلى بدلة بثلاث قطع”، و”حكايات نهاية البشرية”، و”تلال الفردوس… تاريخ الجسد الأنثوي بين السلطة والعجز”، و”إياك الزواج من كبيرة القدمين”. في كتابها الأحدث استفادت شيبر من أرشيف جامعة “ليدن”، ووصفته بأنها يحوي “ثروة مدهشة من المجموعات القديمة والجديدة تماماً”. الاستهلال جاء تحت عنوان “الأرمل ليس أرملة”، وتضمن أنه وفقاً لإحصاء أجري عام 2021 توجد 258.5 مليون أرملة في مختلف أنحاء العالم، واحدة من كل 10 منهن تعيش في فقر مدقع. ويتضمن أيضاً أن الأمثال المروجة للفرح بموت الزوجة هي جزء من تقليد شفاهي شائع عبر العالم. ولاحظت شيبر أن في أقدم النصوص المكتوبة جرى جمع الأرامل مع اليتامى، مع تأكيد عجز الاثنين. فضلاً عن أن فكرة أن المرأة لا يعود بإمكانها أن تعيش حياتها الخاصة بعد موت زوجها، هي فكرة عميقة الجذور. فمثلاً، تعني الكلمة اليابانية المقابلة لكلمة أرملة “موبيجين”، أي تلك التي لم تمت بعد. ومع ذلك، تقول شيبر، بالتأكيد كان هناك كثير من الأرامل اللاتي عشن حياة مستقلة بطريقة رائعة، “لكن ليست هذه هي الصورة المحفورة في الوعي العام”.
ومن الأمثال التي أوردتها شيبر في كتابها للتدليل على صحة طرحها: “حتى الديك سيرفرف حول المرأة التي أصبحت أرملة”، وهو مثل أمهري – إثيوبيا. وفي الصين تشبه الأرملة الجديرة بالثناء بحصان أصيل “لا يحمل أبداً سرجين، ولن يعود أبداً للمكان الذي يمكنه أن يستمتع فيه بمذاق العشب الطازج”. والأرملة الشرق آسيوية المحترمة “لن تتناول الشاي أبداً مع عائلتين أو تأكل رز رجلين”. بينما هناك مقولة لشعب الزولو تحذر الرجال من الأكل مع أرملة. وتقول شيبر إن تناول الطعام الطيب، وفق تلك الثقافات، يشير مواربة إلى الجنس. بينما الأرامل الفرنسيات سـ”يوسخن النسب النقي، لو تزوجن مرة أخرى”.
بشر أدنى مرتبة
وبالنسبة إلى الهندوس، أحيطت فكرة اتباع الزوج في الموت، عند الهندوس، بإطار من الاعتقاد في العالم الآخر، “لكن كثيراً ما لعب شرف العائلة والعفة الشاملة للفتيات والنساء دوراً في الأمر”. وعلى رغم صدور قانون عام 1987 من جانب البرلمان الهندي بحظر “السوتي”، أي دفع الأرملة إلى الموت، ظهرت حالات متفرقة من هذه الممارسة غالبها في وسط الهند وشماله، بحسب ما أوردته مينيكه شيبر في كتابها. ويرجع تاريخ الموقف السلبي تجاه النساء في الهند إلى تعليقات البراهمة على النصوص الفيدية القديمة، التي أشارت إلى النساء باعتبارهن بشراً أدنى مرتبة، وبالتالي شغلت الأرامل درجة أدنى في السلم الاجتماعي، وأجبرن على العمل الشاق من أجل خلاصهن الديني من خلال الزهد والتطرف: “الأرملة التي تمارس ضبط النفس والتقشف بعد وفاة زوجها تدخل الجنة، والأرملة التي تحرق نفسها على المحرقة الجنائزية نفسها مع زوجها تدخل الجنة أيضاً” (آجني بورانا 222. 19- 23). “تخيل لو كان لأحدهم، بعد موتك، أن يضع يديه على جسد شريكتك كله، من سيكون ذلك؟”. غنى شارل أزنافور (1934 – 2018) عن هذا الهاجس المؤلم في واحدة من أشهر أغنياته Qui هذه الأغنية المغناة من منظور رجل أكبر من حبيبته بـ20 سنة، تعكس قلقاً لا يمكن احتماله من آخر متخيل “سيصبح سيدك”، كما ترى شيبر. بالنسبة إلى الأرامل “السوتي” المخلصات، فإن وجود “سيد” جديد في فراشهن كبديل للزوج الميت، “شيء لا يخطر على البال”. فلكي تكتمل سعادة زوجها، تقسم العروس الهندوسية أنها ستسمح بحرق جسدها مع زوجها لو مات قبلها، “كان هذا الوعد أفضل هدية يمكن أن يتلقاها العريس من أرملته المستقبلية، وكل هذا من دون القلق من مسألة من قد يكون ’الآخر‘ في النهاية” ص 110.
الأرامل في الأردن منسيات ومكافحات بلا دعم
مطعم لأرامل الحرب… موصليات يتحررن بالطبخ
9 طرق يمارس فيها الذكاء الاصطناعي التمييز ضد النساء
فيلم عن استغلال النساء في الزواج يثير جدلا واسعا في الهند
أرامل في محنة
“يبدأ موت الأرملة مع موت زوجها”، هكذا تؤكد مارتي شانتال نغوسا رئيسة منظمة “أرامل في محنة”، ومقرها في الكاميرون. وفي أوروبا نجد مقولات مثل: “تبكي الأرملة إذا وافق ذلك هواها”، أو “تبكي الأرملة الثرية بعين وتغمز بالأخرى”، ولا تخجل أجزاء أخرى من العالم من النظر إلى سلوك الأرملة تحت ميكروسكوب. وتقول شيبر: “إذا بحثت عن كلمتي أرامل وسحر على الإنترنت، سرعان ما ستجد أمثلة لضحايا في المناطق الأكثر فقراً في أفريقيا وآسيا”. هكذا كان الحال لأربع أرامل في مقاطعة كيسي في كينيا، اتهمن بصب لعنة على ولد صغير فقد فجأة قدرته على الكلام. على الفور أطلق السكان المحليون على النساء الأربع وصف الساحرات، وأحرقن حتى الموت. وفي حالات كثيرة عندما تقتل الأرامل اللاتي لديهن أطفال، بخاصة القاصرون، تحرمهم عائلة الزوج من ميراثهم، وينتهي بهم الأمر إلى التشرد في الشوارع، مما يعرضهم لانتهاكات عدة، مثل الاتجار بالبشر وعمالة الأطفال والعنف البدني والجنسي، بل والقتل. ومن النماذج الناجحة في دعم الأرامل، بحسب شيبر، مؤسسة “ماما زيمبي” في غانا، التي أطلقت شبكة تحالف الأرامل WANE عام 2007، التي تقدم لهن فرصاً جديدة للتمتع باستقلال اجتماعي اقتصادي، ومن ثم التمتع بإحساس جديد بتقدير الذات.
درست شيبر اللغة الفرنسية والفلسفة في جامعة “أمستردام الحرة”، ودرست النظرية الأدبية والأدب المقارن في جامعة “أولتريخت”. وكانت أطروحتها للدكتوراه عام 1973 أول رسالة دكتوراه في هولندا عن الآداب الأفريقية. وهي تعمل باحثة في مركز جامعة “ليدن” للآداب والفنون في المجتمع. وفي عام 1988 أصبحت أول أستاذة للدراسات الأدبية بين الثقافات في هولندا، في جامعة “أمستردام الحرة”، وفي عام 1993 انتقلت إلى جامعة “ليدن”.