توسّط رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، لدفع تركيا نحو تبني سياسة أكثر ليونة تجاه كوردستان سوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفي الوقت نفسه، سعى لإقناع الولايات المتحدة بأن رؤية الرئيس السوري أحمد الشرع لنظام مركزي صارم لا تتناسب مع سوريا.
وكشف موقع “المونيتور” الإخباري الأميركي اليوم الثلاثاء (22 تموز 2025) عن تفاصيل المحادثات الأخيرة بين مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتوم باراك، المبعوث الأميركي الخاص لشؤون سوريا.
وأشار الموقع إلى كيف أن الاشتباكات الأخيرة في مناطق جنوب سوريا، وخاصة في محافظة السويداء، قد عززت من موقف الكورد في مواجهة دمشق.
“دور نيجيرفان بارزاني في الوساطة”
بحسب مصادر مطلعة للموقع الأميركي، يلعب رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، دوراً دبلوماسياً مؤثراً.
ويشير “المونيتور” إلى أن نيجيرفان بارزاني، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يسعى إلى تليين الموقف التركي تجاه “قسد”، مضيفاً أنه “منذ شهر كانون الثاني، أوقفت تركيا هجماتها على تلك القوات”.
في الوقت نفسه، حاول نيجيرفان بارزاني إقناع إدارة ترمب بأن رؤية أحمد الشرع لدولة مركزية صارمة لا تتوافق مع التنوع العرقي والديني في سوريا.
وكتب الموقع الأميركي عن دور نيجيرفان بارزاني في الوساطة: “بارزاني مفاوض ماهر ومؤثر”.
من جانب آخر، تسهل فرنسا التقارب بين “قسد” ودمشق، وهناك خطة لعقد الاجتماع القادم بين مظلوم عبدي وتوم باراك في باريس، مع احتمال مشاركة ماكرون فيه.
سيكون الهدف من الاجتماع هو الإعلان عن تقدم ملموس في عملية دمج “قسد” والمؤسسات المدنية الكوردية مع حكومة دمشق، وذلك كجزء من جهود الولايات المتحدة لدعم حكومة أحمد الشرع في السيطرة على كامل البلاد.
وصرح أحد المصادر حول دور رئيس إقليم كوردستان أنه “يواصل الحوار مع جميع الأطراف لإيجاد تسوية ليست فدرالية ولا مركزية”.
من جهة أخرى، قامت فرنسا، التي تولي اهتماماً تاريخياً بسوريا ولديها علاقات قوية مع الكورد، بتسهيل التقارب بين قسد ودمشق.
“معارك السويداء تعزز موقف الكورد”
أدت المعارك التي استمرت أسبوعاً في المناطق ذات الأغلبية الدرزية بمحافظة السويداء جنوب سوريا، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1200 شخص، نصفهم تقريباً من المسلحين والمدنيين الدروز، إلى إضعاف موقف الحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع.
وكشفت مصادر الموقع الأميركي تفاصيل جديدة عن سلسلة من الاجتماعات السرية بين مظلوم عبدي وتوم باراك.
بحسب مصادر الموقع، واجهت المفاوضات، التي تهدف إلى دمج مؤسسات الإدارة الذاتية وقسد مع الحكومة المركزية في دمشق، خلافات عميقة في بداية هذا الشهر، لكن الأحداث الأخيرة بين دمشق والدروز عززت ورقة التفاوض الكوردية بشكل كبير.
“تغيّر في أجواء المفاوضات”
وفقاً لأربعة مصادر مطلعة، كان الاجتماع الأخير بين باراك وعبدي في 19 تموز في العاصمة الأردنية عمّان، أكثر إيجابية بشكل ملحوظ مقارنة بلقائهما قبل 10 أيام في دمشق.
يقول أحد المصادر: “كان باراك أكثر لطفاً؛ لقد انكسر الجليد بينهما”. ويتزامن هذا التغيير مع أعمال العنف في جنوب سوريا وضعف موقف حكومة الشرع.
“الضغط الأميركي والإصرار الكوردي”
في وقت سابق، وبعد اجتماعهما الأول في 9 تموز، مارس باراك ضغطاً علنياً على مظلوم عبدي، معرباً عن دعمه لنموذج “المركزية الصارمة” الذي يتبناه أحمد الشرع، وحذّر من أنه إذا لم تتحرك “قسد” بسرعة، فإن بقاء القوات الأميركية في المنطقة ليس مضموناً.
يقول أحد المصادر إنه قيل لمظلوم عبدي في ذلك الاجتماع: “أمامك أيام قليلة فقط، وإلا فقد يتخذ الرئيس ترمب قراراً ضد قسد. لقد كنتم شريكاً عظيماً، لكن عالمكم قد تغير وعليكم قبول الواقع”.
على الرغم من انتشار تقارير حول منح الولايات المتحدة وتركيا “مهلة 30 يوماً” لقسد للاندماج مع دمشق، تؤكد المصادر أن المسؤولين الأميركيين لم يمنحوا أي مهلة من هذا القبيل.
مع ذلك، تؤكد وزارة الخارجية الأميركية أن “المحادثات لدمج قسد مع الحكومة السورية مستمرة ونشطة”.
يكمن الخلاف الرئيسي في إصرار الكورد على الحصول على شكل من أشكال الحكم الذاتي (الأوتونومي)، بينما يلتزم الشرع بدولة مركزية موحدة.
يوم الاثنين، وفي مقابلة مع وكالة “أسوشييتد برس”، صرح باراك بشأن آخر تطورات الحوار بين قامشلو ودمشق، بأنه لا يعتقد أن أحداث السويداء قد “أخرجت” المحادثات بين قسد ودمشق عن مسارها، وأن هناك احتمالاً لـ “تقدم كبير” في الأسابيع المقبلة.
“الشرع بحاجة إلى الكورد”
أكدت المصادر أن الكورد الآن في موقف تفاوضي أقوى، تماماً كما كان وضعهم في شهر آذار عندما واجه الشرع أول أزمة كبيرة لسلطته.
في ذلك الشهر، قُتل أكثر من ألف شخص، معظمهم من المدنيين العلويين، عندما اشتبكت القوات الأمنية التابعة لسلطات دمشق مع جماعات علوية مسلحة.
وسارع الشرع في 10 آذار، “بعد أشهر من التهرب”، إلى الاجتماع بمظلوم عبدي ووقّع اتفاقية تحدد إطاراً لتوحيد إدارتي كوردستان سوريا وقسد مع دمشق.
الوضع المستقبلي: الوقت في صالح من؟
تشير مصادر موقع “المونيتور” إلى أن أزمة السويداء لم تظهر حكومة الشرع ضعيفة سياسياً وعسكرياً فحسب، بل أتاحت لمظلوم عبدي كسب المزيد من الوقت.
وكما يقول أحد المصادر: “لا أحد يستطيع المراهنة على بقاء الشرع ونظامه على المدى المتوسط. إذا حدث شيء كبير، لا يريد مظلوم أن يترك شعبه بلا حماية بعد تسليم أسلحتهم إلى دمشق”.