Skip to content
أغسطس 2, 2025
  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
Video
  • Home
  • لماذا يكره اليمين الأميركي جهاز الأمن القومي؟ الجذور التاريخية لهجوم ترمب على البيروقراطية الأمنية مايكل سينغ..المصدر:اندبندنت عربية
  • مقالات رأي

لماذا يكره اليمين الأميركي جهاز الأمن القومي؟ الجذور التاريخية لهجوم ترمب على البيروقراطية الأمنية مايكل سينغ..المصدر:اندبندنت عربية

khalil المحرر يوليو 26, 2025

 

ملخص
تفكيك ترمب لمؤسسات الأمن القومي الأميركي ليس مجرد نزوة سياسية، بل امتداد لصراع قديم بين التيار الأممي والتيار المحافظ، وأن نجاح الولايات المتحدة اليوم لا يكمن في استعادة النظام السابق أو هدمه بالكامل، بل في التوصل إلى تسوية جديدة توازن بين القوة والانضباط في مواجهة تهديدات العصر.

منذ توليه المنصب، أشرف الرئيس الأميركي دونالد ترمب على هجوم غير مسبوق على أذرع الحكومة الفيدرالية. في البداية، كان ممثله [وكيله] في هذه الحملة هو عملاق التكنولوجيا إيلون ماسك، الذي كان يدير ما يسمى بـ”وزارة الكفاءة الحكومية”. وقد وصف ماسك مهمتها بأنها تهدف إلى خفض ديون الولايات المتحدة الفيدرالية البالغة 36 تريليون دولار وإنهاء “طغيان البيروقراطية”، بعد خلاف علني كبير بين المليارديرين، أصبح ماسك خارج دائرة ترمب، إلا أن هدف تقليص حجم البيروقراطية الفيدرالية لا يزال راسخاً بعمق في سياسات الإدارة. في نهاية مايو (أيار)، على سبيل المثال، وفي خطوة لم يبد أنها نابعة من ماسك أو فريقه، استغنت إدارة ترمب عن عشرات من موظفي مجلس الأمن القومي، الذي يقدم المشورة للرئيس في الشؤون الدولية وينسق عملية صنع السياسات بين الوكالات المختلفة. ووفقاً لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي حل محل مايك والتز في مركز مستشار مجلس الأمن القومي، فإن هذه الخطوة تهدف إلى جعل المجلس يلتزم بـ”مهمته الأساسية ورؤية الرئيس”. لكن، بحسب موقع أكسيوس، فقد عبر مسؤول مجهول الهوية عن الأمر بوضوح أكبر قائلاً: “مجلس الأمن القومي هو جوهر الدولة العميقة، نحن نفكك الدولة العميقة”.

يرى المنتقدون أن تقليص حجم الحكومة الفيدرالية بهذه الصورة الجذرية سيؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة في العالم، ومع ذلك من الجدير بالذكر أن النقاشات حول حجم مجلس الأمن القومي ونطاقه وأجزاء أخرى من بيروقراطية الأمن القومي تقع ضمن تقليد سياسي أميركي راسخ منذ زمن طويل. في الواقع، فإن الهجمات الأخيرة على البيروقراطية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالأمن القومي، تعيد للأذهان ما حدث مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية.

فبعد انتصار الولايات المتحدة عام 1945، وانهيار النظام الدولي الذي سبق ذلك، وظهور الاتحاد السوفياتي كمنافس عسكري وأيديولوجي، اتفقت الأوساط السياسية والفكرية الأميركية في منتصف القرن بصورة عامة على أنه لا يمكن العودة لمستوى (عدم) الجاهزية العسكرية الأميركية قبل الحرب أو إلى سياسة العزلة النسبية عن الشؤون العالمية. لكن النقاش كان محتدماً حول الشكل الذي ينبغي أن يبدو عليه “الوضع الطبيعي الجديد”، فقد رأى دعاة الأممية أن على الولايات المتحدة أن تحافظ على دور قوي في الخارج، بينما كان المحافظون متشككين في مسألة التدخل الدولي. ومن رحم هذه النقاشات، انبثقت فكرة دولة الأمن القومي الأميركية [جهاز الدولة المعني بالأمن القومي الأميركي]، وهي مجموعة من الوكالات والمنظمات الحكومية التي تركز على حماية المواطنين من التهديدات الخارجية.

 

ترمب يفكك الاستخبارات الأميركية
وقد أصبحت مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية تتعامل مع دولة الأمن القومي كأنها مقدسة تقريباً بفضل نجاحها في الانتصار في الحرب الباردة، ولم يخضع منطقها ومؤسساتها لأية مساءلة أو تدقيق طوال عقود. ولكن الآن، بعد أن أعادت إدارة ترمب إحياء نقاش عمره 75 عاماً، تملك الولايات المتحدة فرصة لتذكر تلك النقاشات التي دارت في منتصف القرن الـ20 والتعلم منها، وأهم درس فيها على الإطلاق هو أن دولة الأمن القومي جاءت نتيجة لتسوية سياسية واستجابة للتهديد الذي صممت خصيصاً لمواجهته. إن ضمان الأمن القومي الأميركي في المستقبل لا يتطلب ببساطة التراجع عن التسريحات والتقليصات في “وزارة الكفاءة” أو إعادة تعيين الموظفين في مختلف المنظمات، بل يتطلب السعي إلى تسويات جديدة والنظر في تهديدات جديدة Bottom of Form.

ثمرة تسوية سياسية

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومع انتشار الشيوعية، كانت أولوية صناع السياسات الأميركيين من جميع الأطياف هي الدفاع عن الديمقراطية الأميركية ونمط الحياة الأميركي. ومع ذلك، برزت وجهتا نظر متباينتان حول طريقة تحقيق هذا الهدف، وكان كل جانب يرى أن السياسات المقترحة من الجانب الآخر ستؤدي إلى الكارثة ذاتها التي يسعى الجميع إلى تجنبها. كان الأمميون يعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن حذرها التاريخي في الشؤون الخارجية وتتولى قيادة النظام الدولي، وهي القيادة التي آلت إلى واشنطن. وشمل هذا، من بين أمور أخرى، بناء تحالفات دائمة، والحفاظ على وجود عسكري دائم في الخارج، والاستعداد لما كان متوقعاً أن يكون “حرباً شاملة” بين قوة عظمى وأخرى. أما المحافظون، فكانوا خائفين من هذه الأفكار، إذ رأوا فيها تعارضاً مع الثقافة السياسية الأميركية التقليدية، وتجسيداً لذاك النمط من الإمبريالية الأوروبية الذي ثار عليه مؤسسو أميركا، وعسكرة للمجتمع الأميركي بطريقة تقوض الديمقراطية.

بدلاً من ذلك، دعا المحافظون إلى التركيز على الشؤون الداخلية، التي أهملت نسبياً خلال الحرب، والعودة لنهج قديم في السياسة الخارجية الأميركية، نهج يركز على نصف الكرة الغربي ويصر على تقليص موازنات الدفاع. في عام 1947، وبينما كان الرئيس هاري ترومان ووزير خارجيته جورج مارشال يروجان لمقترح تقديم مليارات الدولارات كمساعدات لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب، وصف عضو الكونغرس هارولد كنوتسون من مينيسوتا خطة مارشال بأنها “فرض الضرائب والاقتراض ثم إنفاق الأموال في دول أخرى”، وأشار إلى أن الرجلين كانا أسيرين لـ”النخبة المثقفة، وأنصار العولمة [الأممية]، والمتحمسين لفعل الخير”. وسخر من أعضاء حزبه الداعمين للإنفاق، واصفاً إياهم بـ”الجمهوريين ذوي العقلية الدولية [المنفتحين على العالم]، الذين يقلدون الديمقراطيين”، وهو وصف يشبه إلى حد كبير العبارة الساخرة المستخدمة اليوم “جمهوري بالاسم فقط” RINO. من جهتهم، رد الأمميون على ازدراء المحافظين بالمثل، مجادلين بأن “حصنهم الأميركي” سيسمح للخصوم بالازدهار وتكديس القوة، وأن الولايات المتحدة لا يمكنها البقاء كجزيرة ديمقراطية وسط عالم شيوعي واستبدادي.

أما خاتمة هذه القصة فباتت معروفة جيداً الآن: انتصر الأمميون، وساعدتهم في ذلك بصورة كبيرة تطورات الأحداث العالمية، بما في ذلك الأزمات في تشيكوسلوفاكيا واليونان وتركيا، والاختبار النووي الناجح للاتحاد السوفياتي، وانتصار الشيوعيين في الصين. وكما أعلن ترومان عندما صاغ ما عرف لاحقاً بمبدأ ترومان عام 1947، فإن “سياسة الولايات المتحدة ستكون دعم الشعوب الحرة”، وكانت لدى الولايات المتحدة النية الكاملة للبقاء قوة عالمية وتدخلية. ومع ذلك، كما أوضح المؤرخ الأميركي مايكل هوغان في كتابه “صليب من حديد”، فإن دولة الأمن القومي التي أسسها ترومان والأمميون كانت في نهاية المطاف نتاج تسوية. فعلى رغم ميوله التدخلية في السياسة الخارجية، سعى ترومان إلى خفض الإنفاق الدفاعي وإعادة تحقيق التوازن في الموازنة، وهو ما كان لا يزال يعد من التقاليد الأميركية، ووقف بحزم ضد أكثر المقترحات طموحاً الصادرة عن إدارته، مثل توحيد الجيش تحت قيادة موحدة مطلقة الصلاحيات أو فرض تدريب عسكري شامل على الأميركيين.

وبالطبع، كان النظام الأمني القومي الناتج يميل بشدة إلى النهج الأممي. فعلى سبيل المثال، رفض مجلس الأمن القومي المشكل حديثاً مقترحات لضم وكالات حكومية محلية كانت في السابق ذات نفوذ كبير، مثل وزارتي الزراعة والتجارة، ومع ذلك، وضعت آليات رقابة ضمن بنيته التنظيمية لكبح سلطته. فبدلاً من هيكلية واحدة موحدة ومركزية، عملت دولة الأمن القومي من خلال اللجان والتنسيق. كما فرضت قيود على كل من الجيش ووكالة الاستخبارات المركزية الحديثة الإنشاء لمنعهما من أن يصبحا أكثر قوة، فعلى سبيل المثال، لم يكن بمقدور وكالة الاستخبارات المركزية الوصول بسهولة إلى معلومات أجهزة إنفاذ القانون المحلية، كما لم يكن مسموحاً لها بالمشاركة في النقاشات السياسية، وحصل وزير الدفاع على طاقم عمل صغير بهدف تبديد المخاوف من أن تكون السلطة الممنوحة له أكبر مما ينبغي.

ولكن إذا كانت دولة الأمن القومي التي بنيت بعد الحرب العالمية الثانية مصممة جزئياً لمراعاة مخاوف المحافظين في شأن التوسع الإمبريالي، فإن تلك التسوية سرعان ما ذهبت أدراج الرياح.

فترة نمو سريع

بعد خمسينيات القرن الـ20، نما جهاز الأمن القومي نمواً مطرداً: فأنشئت “وكالة الولايات المتحدة للإعلام” USIA بهدف التأثير في الرأي العام الأجنبي، عام 1953، وبعد ثماني سنوات، أنشأت الحكومة “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” USAID، التي تدير المساعدات الخارجية وبرامج التنمية، و”وكالة استخبارات الدفاع”، التي توفر الدعم الاستخباري لوزارة الدفاع والقوات المسلحة الأميركية، كذلك أنشئت منظمات أخرى مكرسة لمنع النزاعات الخارجية وحلها، مثل “الصندوق الوطني للديمقراطية” و”معهد الولايات المتحدة للسلام”، خلال ثمانينيات القرن الماضي. كان لكل هيئة جديدة أسبابها وأهدافها المبررة، لكنها جميعاً دفعت الولايات المتحدة تدريجاً بعيداً من جذورها كدولة غير تدخلية.

بحلول تسعينيات القرن الماضي، نجحت دولة الأمن القومي في تحقيق المهمة التي صممت من أجلها: وهي ضمان تحقيق النصر في الحرب الباردة، لكن ذلك النجاح جاء بتكاليف باهظة، كان حذر منها عدد من المحللين المحافظين. فمثلاً، كان المحافظون في أواخر الأربعينيات قلقين من أن إنشاء دولة الأمن القومي ينذر بضرائب مرتفعة، وعجز دائم في الموازنة، وتنامي سلطات الرئيس، وضمور المؤسسات المحلية التقليدية مثل الحكومات المحلية والمنظمات الدينية التي كانت تهيمن حتى ذلك الحين على الحياة الأميركية. علاوة على ذلك، حذر المحافظون ومن يصفون أنفسهم بأنهم واقعوين من أن منطق الأممية هو وصفة لصراعات عقيمة. فعلى سبيل المثال، رأى المعلق السياسي والتر ليبمان أن سياسة الاحتواء التي صاغها الدبلوماسي الأميركي جورج كينان تصب في مصلحة السوفيات لا الأميركيين: وكتب ليبمان أن استراتيجية كينان تعني أن “موسكو، وليس واشنطن، هي من ستختار ميدان المعركة والأسلحة المستخدمة”. وكان يعتقد أن واشنطن ستجر إلى صراعات يفرضها شركاء لا تعرف عنهم كثيراً، وستضطر في نهاية المطاف إما إلى التخلي عنهم أو الدفاع عنهم إلى ما لا نهاية بتكاليف باهظة. على رغم أن ليبمان كان مخطئاً في شأن فشل استراتيجية الولايات المتحدة في الحرب الباردة، إلا أن تحذيراته أثبتت صحتها لاحقاً في فيتنام وأماكن أخرى.

وعاد المحافظون في الكونغرس للواجهة بصورة موقتة في تسعينيات القرن الـ20، تحت قيادة رئيس مجلس النواب آنذاك نيوت غينغريتش، لكن النقاش الصريح حول مزايا دولة الأمن القومي لم يستأنف. بل على العكس، فإن الانتصار السريع والحاسم في حرب الخليج، إلى جانب الانتصار في الحرب الباردة، دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة “تمتلك قدرة فريدة على التأثير في مجريات الأحداث العالمية”، على حد قول المسؤول في إدارة كلينتون مارتن إنديك. وبحلول وقت هجمات الـ11 من سبتمبر، كانت دولة الأمن القومي مستعدة تماماً لاستئناف توسعها. بالفعل، وفي مواجهة أزمة ملحة، أعادت إدارة جورج دبليو بوش لحد كبير توظيف دولة الأمن القومي القائمة وتعزيزها وتوسيعها، مع استبدال الشيوعية بالتطرف الإسلامي العنيف كخصم جديد. وأنشأت الحكومة “وزارة الأمن الداخلي”، و”مجلس الأمن الداخلي”، و”مكتب مدير الاستخبارات الوطنية”، وخففت جزئياً القيود المفروضة على تبادل المعلومات الاستخبارية، التي كانت تهدف في الأصل إلى الحد من نفوذ وكالة الاستخبارات المركزية. أما عدد موظفي مجلس الأمن القومي، الذي بلغ 34 في أوائل سبعينيات القرن الـ20 ونحو 50 في أوائل التسعينيات، فقد ارتفع إلى أكثر من 200 موظف.

هذه ليست مجرد عودة سياسية

وساد اعتقاد واسع النطاق بأن حروب واشنطن بعد أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول)، وبالتالي الجهاز السياسي الذي يقف وراءها، فشلت في تحقيق مكاسب، منذ نهاية ولاية بوش الثانية. وبعد عقد من الزمان، أصبح هذا الاعتقاد من المسلمات، وأسهم أخيراً في إعادة إشعال النقاش الذي بدأه المحافظون في أواخر أربعينيات القرن الماضي، إلى جانب دعوات إلى إنهاء “الحروب الأبدية” وإعادة توجيه الموارد الأميركية لتلبية الاحتياجات المحلية. أصبحت هذه التوجهات هي الرأي السائد في الحزب الجمهوري مع صعود ترمب إلى السلطة، الذي تزامن مع ظهور مراكز بحوث تدعو إلى الانعزالية أو سياسة ضبط النفس، مثل “معهد كوينسي” Quincy Institute ومؤسسة “أولويات الدفاع” Defense Priorities.

يمكن القول إن إدارة ترمب الثانية هي أول إدارة يتولى فيها هذا التيار من المحافظين، الذي يعيد للأذهان أيام هربرت هوفر وروبرت تافت، دوراً أساسياً في قضايا الأمن القومي. بعد سنوات طويلة من التهميش، ليس من المفاجئ أنهم استكملوا إلى حد كبير المسار الذي بدأه أسلافهم السياسيون والفكريون، وبدأو يجذبون بقية الحزب نحو رؤيتهم. على سبيل المثال، أصبح صقور الأممية السابقون، مثل روبيو، يسهمون في قيادة إعادة توجيه [تغيير مسار] السياسة الخارجية الأميركية. في أول تصريحات رسمية له كوزير للخارجية، دعا إلى زيادة التركيز على قضايا نصف الكرة الغربي [القضايا الإقليمية] وعلى الأمن الداخلي، وأبدى حرصاً شديداً على خفض الموازنات وتقليص الوكالات التي يشرف عليها، بما في ذلك مجلس الأمن القومي، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ووزارة الخارجية. في الواقع، تجسد هذه الأولويات تقليداً سياسياً ظل مهمشاً إلى حد كبير خلال الحرب الباردة وما يسمى بالحرب على الإرهاب، لكنه بقي حياً، وفاعلاً في النقاشات السياسية، ومتجذراً بعمق في المجتمع الأميركي حتى عندما لم يكن مهيمناً. وعلى رغم أن أتباع هذا التقليد لا يتفقون دائماً في آرائهم، إلا أنه يشكل تقليداً يختلف عن النزعة الأممية، إذ يرى أن التورط الأميركي الواسع النطاق في الشؤون الدولية يجلب أخطاراً أكثر من المكاسب، وتكاليف أكثر من الفوائد.

ومع ذلك، هناك تناقض في عديد من مبادرات ترمب، الأمر الذي كان ليثير استياء المحافظين في منتصف القرن، فعلى سبيل المثال، لم يتزايد عجز الموازنة نتيجة لدولة الأمن القومي، بل بسبب توسع مخصصات برامج الرعاية الاجتماعية وتزايد عدد الأميركيين المؤهلين لها مع تقدم السكان في السن. ووفقاً لمؤسسة بيترسون، نمت النفقات الاستنسابية، التي تشمل مجمل ما ينفق على الأمن القومي، من 6.2 إلى 6.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2001 و2023. أما النفقات الإلزامية، التي تشمل الضمان الاجتماعي والخدمات الصحية المعروفة بـ”ميديكير”، والتأمين الحكومي “ميديكيد”، فارتفعت من 9.6 إلى 13.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة نفسها، بينما ارتفعت الفائدة الصافية على الدين الأميركي من 2.0 إلى 2.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. إن جهود “وزارة الكفاءة الحكومية”، مثل تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومعهد السلام الأميركي، لن تحدث تأثيراً يذكر في هذه المشكلة، ومن المفارقة أنها ستستهدف إنفاقاً قد يكون من بين الأكثر كفاءة في جهاز الأمن القومي. فمقابل كلفة بضع طائرات مقاتلة، تسعى هذه الوكالات إلى منع أو إبطاء تفاقم الصراعات والأزمات التي قد تصبح، إن تركت من دون معالجة، أكثر كلفة على الولايات المتحدة. وهذه التخفيضات تفاقم خطراً كثيراً ما أقلق المحافظين الذين باتوا اليوم في موقع السلطة في واشنطن، وهو أن الشركاء الأجانب ينظرون بصورة متزايدة إلى الجيش الأميركي باعتباره نظيرهم الأكثر استقراراً وفاعلية في واشنطن. وأصبح هذا التوجه ملحوظاً بالفعل مع صعود قادة عسكريين أقوياء في أوروبا والشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

والأهم من ذلك، أن جهود إدارة ترمب لكبح جماح مؤسسات الأمن القومي ترافقها في الوقت نفسه عملية توسيع صلاحياته الرئاسية، ويعد فرض الرسوم الجمركية بصورة أحادية مثالاً على ذلك، وكذلك التحول إلى أسلوب أكثر هرمية في صنع سياسات الأمن القومي: فقد حلت تعليقات الرئيس أو منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، محل النظام التصاعدي لصنع القرار الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى رغم أن النزعة المحافظة الداعية إلى تقليص دور الحكومة، ووضع حدود لصلاحيات الرئيس، تعد من المبادئ الراسخة منذ تأسيس الجمهورية، إلا أن هذا التوجه [أي توسيع السلطات الرئاسية إلى هذه الدرجة] يعتبر أحدث عهداً، ويمكن القول إنه بدأ مع شعور المحافظين بالإحباط في ثمانينيات القرن الماضي لأن الكونغرس القوي كان يعوق قدرة الرئيس رونالد ريغان على تنفيذ أجندته. ومهما كانت مزايا حملة ترمب، فإن التأثير المشترك لزيادة السلطة الرئاسية وتفكيك مؤسسات الأمن القومي يعني أنه ستكون هناك سلطة أكبر من أي وقت مضى تتركز في أيدي عدد محدود من الأشخاص، وهو بالضبط ما كان المحافظون في فترة ما بعد الحرب مصممين على تجنبه.

في قلب الأزمة تكمن الفرصة

في المناقشات التي سبقت بناء دولة الأمن القومي في أربعينيات وخمسينيات القرن الـ20، كان هناك قدر مدهش من الإجماع في شأن التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة. وعلى رغم كل المرارة المصاحبة لحملة “وزارة الكفاءة الحكومية” الشاملة ضد دولة الأمن القومي وجهود ترمب لتركيز السلطة في يديه، إلا أن مستوى التوافق اليوم لا يقل عما كان عليه في الماضي: فهناك شبه إجماع بين خبراء الأمن القومي في شأن عبثية الحروب الأخيرة والحاجة إلى التركيز على القوى العظمى المسلحة نووياً، وخصوصاً الصين وروسيا. هناك اختلافات حادة بين الفصائل الأيديولوجية حول طريقة التعامل مع هذه التهديدات، ولكنها ليست أكثر حدة من تلك التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة. في الواقع، يصعب تجاهل التشابه الغريب بين النقاشات والخطابات الحالية وتلك التي دارت آنذاك. ويجدر بنا أن نتذكر كيف أدت تلك المناقشات السابقة إلى تسويات أسفرت عن إصلاح شامل للبيروقراطية التي، على رغم عيوبها، خدمت الاحتياجات الأميركية في وقت حرج.

من جانبهم، ينبغي على الأمميين المعاصرين أن يدركوا أن نظام الأمن القومي الذي انتصر في الحرب الباردة ليس مقدساً، بل يحتاج إلى إعادة نظر: فقد صمم لمواجهة تهديدات مختلفة في قرن مختلف، وإخفاقاته تحمل دروساً مفيدة للجيل الحالي من صانعي السياسات. إن الاكتفاء بإلغاء تخفيضات ترمب وإعادة استخدام النظام القديم لمواجهة تهديدات جديدة، مثل القول إن المنافسة مع الصين هي “حرب باردة جديدة”، غير كاف. ومع ذلك، فإنهم محقون في أن انخراط الولايات المتحدة في العالم أصبح أكثر ضرورة من أي وقت مضى، ففكرة التراجع إلى نصف الكرة الغربي أو تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ هي فكرة غير منطقية في مواجهة خصوم يمتلكون عدداً لا يحصى من الوسائل لإلحاق الضرر المباشر بالولايات المتحدة، وهم أيضاً على حق في أن أدوات القوة غير العسكرية ضرورية لتجنب الحرب وتحقيق السلام. يجب على الحكومة الفيدرالية أن توفر بيئة حاضنة لكل من يمتلك مهارات حيوية من النوع غير المعروف، مثل علماء الأسلحة النووية أو الباحثين في مسببات الأمراض، ولأولئك الذين يتمتعون بخبرات مطلوبة للغاية في مجال التكنولوجيا الناشئة.

في الوقت نفسه، فإن المحافظين التقليديين الذين باتوا في موقع المنتصرين اليوم، محقون في أن جهاز أمن قومي أقل حجماً وتعقيداً قد يخدم مصالح الولايات المتحدة بصورة أفضل من الهيكل المتضخم الذي نشأ عن الحرب الباردة والحرب على الإرهاب. فالتواصل بين العواصم أصبح أكثر مباشرة مما كان عليه في الماضي، ويجب أن تسير عملية صنع السياسات بسرعة أكبر لمواكبة وتيرة تدفق المعلومات وتطور الأحداث. والأهم من ذلك، يجب على الولايات المتحدة تحديد الأولويات بحزم أكبر نظراً إلى التراجع الحاد في تفوقها النسبي، ولكن يتعين على أولئك المحافظين أيضاً أن يدركوا تلقائياً خطر محو نظام خدم الأمن القومي الأميركي جيداً على مدى عقود، من دون خطة أو استراتيجية بديلة، سوى الثقة في أن حفنة من المسؤولين الذين سيحتكرون السلطة بعد هذه الإجراءات والتخفيضات، يتمتعون بالذكاء وحسن النية وضبط النفس.

ومثلما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فنجاح الولايات المتحدة لا يكمن في السعي الحثيث إلى تحقيق رؤية أي من الطرفين، بل في التوصل إلى تسوية بينهما. إن فلسفة وادي السيليكون التي تتبناها “وزارة الكفاءة الحكومية” غالباً ما تتمثل في عبارة “تحرك بسرعة ودمر القواعد”. أما فلسفة واشنطن، فكثيراً ما تتجسد في مقولة “في قلب الأزمة تكمن الفرصة”. وفي الواقع، يعتبر انهيار دولة الأمن القومي أزمة، ولكنه أيضاً يتيح فرصة لإدارة ترمب أو خلفائها لبناء دولة أمن قومي جديدة مصممة خصيصاً لمواجهة تهديدات العالم المعاصرة، ومتوافقة مع التقاليد السياسية الأميركية الراسخة والمتنوعة.

 

مايكل سينغ المدير الإداري والزميل البارز في كرسي لين-سويغ في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وقد عمل مديراً أول للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في عهد إدارة جورج دبليو بوش.

مترجم عن “فورين أفيرز”، 11 يونيو (حزيران) 2025

 

About the Author

khalil المحرر

Administrator

Author's website Author's posts

Continue Reading

Previous: هل تعود لندن عن خصخصة قطاع المياه؟.شون أوغرايدي مساعد رئيس التحرير…المصدر:اندبندنت عربية
Next: “بروميثيوس” على طريقة بيتهوفن عمل موسيقي ضيعه مبدعه أم ضاع حقا؟ عندما وزع سيد السيمفونيات الكبير شتات عمله الراقص على متفرقات لسبب غامض إبراهيم العريس.المصدر:اندبندنت عربية

Related Stories

  • مقالات رأي

إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟ ياسين الحاج صالح..المصدر :موقع الجمهورية .نت

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • مقالات رأي

ما تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على عشرات الدول؟ عاطف عبد الحميدالمصدر :موقع البي بي سي

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • مقالات رأي

السوريون و”نعيم” الإفلات من العقاب ..عمر قدور…المصدر :موقع المدن

khalil المحرر أغسطس 2, 2025

Recent Posts

  • إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟ ياسين الحاج صالح..المصدر :موقع الجمهورية .نت
  • إيران: السلطات تقطع أصابع ثلاثة سجناء، ما يشكّل تعذيبا ينبغي محاسبة المسؤولين جنائيا  مركز عدل لحقوق الإنسان..المصدر: موقع المنظمة
  • ما تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على عشرات الدول؟ عاطف عبد الحميدالمصدر :موقع البي بي سي
  • حيدر ششو: نريد تسليم أمن شنكال للبيشمركة المصدر :روداو…
  • مايكل” يتهيأ لدخول المشهد لبنان… وباراك أنهى مهمته؟ آية المصري…المصدر :لبنان الكبير

Recent Comments

  1. Boyarka-Inform.Com على قمة دولية في مصر حول القضية الفلسطينية السبت. الشرق الاوسط

Archives

  • أغسطس 2025
  • يوليو 2025
  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟ ياسين الحاج صالح..المصدر :موقع الجمهورية .نت
  • إيران: السلطات تقطع أصابع ثلاثة سجناء، ما يشكّل تعذيبا ينبغي محاسبة المسؤولين جنائيا  مركز عدل لحقوق الإنسان..المصدر: موقع المنظمة
  • ما تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على عشرات الدول؟ عاطف عبد الحميدالمصدر :موقع البي بي سي
  • حيدر ششو: نريد تسليم أمن شنكال للبيشمركة المصدر :روداو…
  • مايكل” يتهيأ لدخول المشهد لبنان… وباراك أنهى مهمته؟ آية المصري…المصدر :لبنان الكبير

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

You may have missed

  • مقالات رأي

إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟ ياسين الحاج صالح..المصدر :موقع الجمهورية .نت

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • الأخبار

إيران: السلطات تقطع أصابع ثلاثة سجناء، ما يشكّل تعذيبا ينبغي محاسبة المسؤولين جنائيا  مركز عدل لحقوق الإنسان..المصدر: موقع المنظمة

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • مقالات رأي

ما تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على عشرات الدول؟ عاطف عبد الحميدالمصدر :موقع البي بي سي

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • الأخبار

حيدر ششو: نريد تسليم أمن شنكال للبيشمركة المصدر :روداو…

khalil المحرر أغسطس 2, 2025
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.