فيما كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، يحذّر من أنه «لن يبقى متفرّجاً» إزاء موت الأطفال في قطاع غزة، هدّد وزير خارجيته، حاقان فيدان، بالتدخُّل في سوريا لمنع أيّ حالات تقسيم قد تحصل هناك، في موازاة إشارة أحد أقرب مستشاري إردوغان السابقين، ياسين آقتاي، إلى أنه بعد أحداث السويداء، فإن فتح الطريق إلى القدس، بات احتمالاً أقوى من أيّ وقت مضى.
وعلى رغم عُلوّ سقف الخطاب التركي ضدّ إسرائيل، الملازم للعلاقات بين الجانبَين، لكنّ أنقرة لم تبادر إلى أيّ خطوة لترجمة خطابها عمليّاً، سواء على الصعد الاقتصادية والدبلوماسية والمحافل الدولية، أو حتى على مستوى السماح بخروج تظاهرات مناوئة لإسرائيل في تركيا؛ علماً أن الرئيس التركي كان هدّد الإسرائيليين، قبل عام بالتمام، قائلاً: «سندخل عليهم كما دخلنا إلى قره باغ وليبيا».
وفي معرض إسطنبول الدولي السابع عشر للصناعات العسكرية، والذي شاركت فيه أكثر من ألف شركة دولية ومحلّية، تطرّق إردوغان إلى الوضع في غزة، قائلاً إن «مراكز القوّة العالمية تتغيّر، وكل يوم نصحو على أزمة جديدة ولا أحد يعرف أو يمكن أن يتنبّأ بما الذي يمكن أن يحصل في اليوم التالي. فبدلاً من نظام دولي له قواعد، فإن القويّ يتصرّف اليوم على مزاجه، من دون أن يبحث عن الحقّ والعدالة. وتركيا من بين الدول الأكثر تأثّراً بهذه العوامل الجديدة».
وأضاف: «الإبادة الجماعية في غزة، والهجمات الإسرائيلية الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، والتوتّرات في منطقة واسعة، تقلقنا، وتتطلّب منّا التدخّل واتّخاذ تدابير. وعندما نقول إنّنا محاطون بحزام من نار، فهذا ليس كلاماً بل حقيقة». وتابع: «معاناة أطفال غزة، مصدر قلقنا؛ والهجمات على سوريا، حيث انتعشت الآمال بعد ثورة الثامن من كانون الأول، هي مشكلتنا»، فيما دعا المجتمع الدولي إلى التدخّل في غزة، لأن «الوحشية هناك ستلطّخ يدَيْ نتنياهو وكل مَن يلتزم الصمت في شأن غزة. أمام موت الأطفال في غزة، لن نبقى متفرّجين».
إردوغان: «عندما نقول إنّنا محاطون بحزام من نار، فهذا ليس كلاماً بل حقيقة»
في موازاة تصريحات إردوغان، حذّر فيدان، المجموعات السكانية المختلفة في سوريا، بالقول: «لا تظنّوا أن هذا النوع من الفوضى يوفّر لكم فرصاً تكتيكية، أو أنكم ستستفيدون من لعبة يديرها الآخرون بالنيابة عنكم. اسعوا إلى أن تكونوا أفراداً شرفاء آمنين ومتساوين»، داعياً إيّاهم إلى الابتعاد عن «أيّ منظور استقلالي يدمّر كلّ شيء من أجل الفوضى». وقال: «بالدبلوماسية، يمكن التحدّث عن أشياء كثيرة، وكل شيء قابل للنقاش.
ولكن، إذا تجاوزتم ذلك، وتحرّكتم نحو الانقسام وزعزعة الاستقرار بالعنف، فسنعتبره تهديداً للأمن القومي التركي، وسنتدخّل». وأضاف: «تحدّثوا عمّا تريدونه باستثناء الانقسام. قدّموا ما لديكم من مطالب، وسنبذل قصارى جهدنا للمساعدة في هذا الأمر. ولكن إذا تجاوزتم هذا الأمر، فلن نقبل بأن نتعرّض للتهديد». وقد أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، أن «الحكومة السورية طلبت دعماً رسميّاً من أنقرة لتعزيز قدراتها الدفاعية ومكافحة التنظيمات الإرهابية».
من جهته، كتب ياسين آقتاي، في صحيفة «يني شفق» الموالية، أن «طريق القدس يمرّ بالسويداء»، واصفاً تصريحات المبعوث الأميركي، توم برّاك، حول أن «الدولة القومية تشكّل تهديداً لإسرائيل»، وأن الأخيرة «تريد تقسيم سوريا والمنطقة»، بأنها «مفاجئة ومثيرة للاهتمام». وقال آقتاي إن «إسرائيل تكره الأنظمة الديمقراطية، وهي التي أطاحت محمد مرسي في مصر، لأنه اتّخذ سياسات معادية لها!».
كما اعتبر أن «نظام بشار الأسد ما كان ليبقى في السلطة، لولا الدعم الأميركي والإسرائيلي»، مذكّراً بأنه «بعد إطاحة الأسد ووصول نظام ثوري إلى السلطة، تحرّكت إسرائيل ضدّ سوريا»، فيما رأى أن «التدخّل الإسرائيلي بحجّة الدروز في سوريا، أيقظ العشائر العربية التي سارت إلى السويداء وكانت مبشّرة على صحوة الأمّة». وحذّر الكاتب من أنه «على إسرائيل أن تقلق هي والمتعاونون معها. والمجازر التي ترتكبها وكذلك التجويع، غير آبهة بردّ فعل مليارَي مسلم، سيكون كل ذلك الشرارة التي توقظ هؤلاء». وتابع: «هناك حدٌّ لتحمُّل ما يجري.
وتجاوز هذا الحدّ، كما جرى في السير إلى السويداء، مع تغيير طفيف في مركز القيادة، سينسحب أيضاً على القدس وغزة. إسرائيل تريد، عبر الدروز، أن تصل إلى الفرات عبر فتح ممرّ داود. ولكن بعد اليوم، بقدْر ما نرى، فإن الممرّ الذي يمكن أن يُفتح من السويداء نحو القدس بفضل أشاوس القبائل العربية، سيكون الاحتمال الأقوى».
في هذا الوقت، كانت الشرطة التركية تقمع تظاهرة أمام معرض الصناعات العسكرية في إسطنبول، نُظّمت احتجاجاً على الإبادة المستمرّة في غزة؛ علماً أن شركات صناعة حربية مِن مِثل «لوكهيد مارتن» و«ليوناردو» وغيرهما، شاركت في المعرض. ورفع المحتجّون شعارات، من قبيل: «إسرائيل قاتلة، إردوغان متعاون»، «اطردوا مموّلي الإبادة من إسطنبول»، و«فلسطين حرّة من النهر إلى البحر».