في مثل هذه الأيام تقريباً بدأت إسرائيل حربها الشاملة على المنطقة بعد أن كانت أطلقت شرارتها في غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول عام 2023.
بدأت الحرب الشاملة “تدريجياً” بإغتيال رئيس أركان “حزب الله” فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومن ثم رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في الليلة نفسها في طهران.
بعدها كرّت سبحة الاعتداءات بعد أن رد “حزب الله” على إغتيال شكر رداً “مضبوطاً”، في حين سادت إيران حالة من البلبلة ظهرت بتعدد الروايات حول كيفية إغتيال هنية، ما أوحى لاسرائيل بأن أطراف “محور الممانعة” ليسوا مهيئين ولا في وارد توسيع المعركة التي كان “حزب الله” قد فتحها تحت شعار “مشاغلة العدو والإسناد لغزة” في اليوم التالي لعملية “طوفان الأقصى”، وهذا ما شجعها – على ما يبدو – للإندفاع أكثر خصوصاً مع إنشغال الولايات المتحدة يومها بإنتخابات الرئاسة فيها، و”ضربت ضربتها” القوية بتفجير أجهزة “البيجرز” واللاسلكي الخاصة بـ “حزب الله”، ومن ثم الاجتياح الجوي الشامل للبنان في 23 أيلول 2024، وما تخلله من إغتيال معظم قيادات “حزب الله” الميدانية والسياسية وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله وخليفته السيد هاشم صفي الدين، ما كان له أبلغ الأثر على مجريات الحرب ونتائجها التي كرَّست – في العلن على الأقل – الاعتراف اللبناني بالقرار 1701 ومندرجاته والتعهد بتنفيذه عبر إخلاء منطقة جنوب الليطاني من أي سلاح لـ “حزب الله”، مقابل وقف إطلاق النار الذي يُنفذ حتى اليوم من جانب واحد هو الجانب اللبناني، فيما يد إسرائيل حرة طليقة في تنفيذ الاغتيالات والاعتداءات حيثما ترى ذلك مناسباً لها، الأمر الذي طرح التساؤلات حول ماهية وقف إطلاق النار وشروطه.
الحرب على “حزب الله” في لبنان كانت لها تداعياتها الاقليمية نظراً الى دور هذا الأخير وإرتباطاته وكونه “درة تاج” محور المقاومة، وهكذا بعد أيام على وقف إطلاق النار سقط نظام بشار الأسد في سوريا بما هو مؤشر على الهزيمة التي مني بها هذا المحور، بعدها تكفَّلت الولايات المتحدة بضرب الحوثيين في اليمن ما أسفر عن إتفاق بين الطرفين لوقف الضربات مقابل وقف ضرب السفن الأميركية، ما قلَّص بطبيعة الحال من قدرات اليمن على التصرف بحرية على ضعف تأثير ضرباته على إسرائيل، في حين بقيت إيران تناور وتتلطى خلف أذرعها في المنطقة ولا تبادر الى محاولة لملمة الموقف ولو ببعض التنازلات، التي كان من الممكن أن تجنّبها الكأس المرة وكرة النار التي كان واضحاً لكل مراقب محايد أنها ستصل إلى عباءتها مع تفلت بنيامين نتنياهو وعودة دونالد ترامب على رأس الادارة الأميركية الجديدة وهو المعروف بموقفه المتشدد من برنامجها النووي وتصرفاتها في المنطقة. هذا ما حدث فعلاً في شهر حزيران الماضي حين شنت إسرائيل عدوانها عليها ففتحت الممرات في الأجواء الايرانية للولايات المتحدة التي تكفَّلت بضرب المشروع النووي في فوردو ونطنز وغيرها ما أدى إلى تأخيره سنوات إن لم يكن إنهاؤه بالكامل.
أظهرت الحرب على كل الجبهات تفوقاً إسرائيلياً ميدانياً واضحاً حاولت ترجمته سياسياً سواء في غزة حيث مفاوضات صفقة التبادل، أو لبنان حيث يجول توماس باراك ويقدم “شروطاً” على شكل أوراق تفاوض، أو حتى إيران حيث المفاوضات النووية مع أميركا لم تعد ملحة بعد الضربات، كذلك في سوريا بعد أن إستغلت الوضع هناك لتدمير ما تبقى من ترسانة الجيش “الأسدي”، والتقدم للإستيلاء على المنطقة الفاصلة وإنهاء تفاهمات وقف إطلاق النار وفك الاشتباك للعام 1974، وكذلك إستغلال الخلافات الداخلية بين الطوائف والأعراق لتبني لنفسها صورة المدافع عن الأقليات الدينية والعرقية، في ظل “تشدد” بعض أطراف الحكم الجديد في سوريا كما حدث في كل من أحداث الساحل ومؤخراً في السويداء بما يؤشر إلى خطورة الأوضاع في المنطقة، وبأن الأمور لم تنضج بعد خصوصاً مع الإنسداد السياسي شبه الكامل على كل الجبهات، في ظل “الصلف الاسرائيلي” و”المقاومة السلبية” – إذا صح التعبير – التي تمارسها إيران ومحورها، من غزة حيث سقطت آخر محاولات التوصل إلى إتفاق، إلى لبنان حيث “ممانعة حزب الله” – حتى الآن على الأقل – لفكرة تسليم سلاحه للدولة من دون ضمانات والإشارات السلبية التي يرسلها، إلى إيران حيث الجمود على خط المفاوضات النووية بما يوحي بالارتباك في الموقف الايراني.
كل هذه المؤشرات تجعل الحديث عن “جولة ثانية” من الحرب في مقبل الأيام أو الأسابيع على أقصى حد أمراً معقولاً ومحتملاً خصوصاً مع إقتراب الانتخابات العامة في إسرائيل بعد حوالي السنة من الآن، في ظل طموح بنيامين نتنياهو وعدم إكتفائه بأن يكون “ملك إسرائيل” فقط ، بل يسعى على ما يبدو ليكون “ملك الشرق الأوسط الجديد” الذي بشَّر به ويسعى اليه منذ السابع من تشرين الأول 2023، فهل ينجح أم أنه سيكون لـ “راعيه” دونالد ترامب رأي آخر؟