Skip to content
يوليو 31, 2025
  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
Video
  • Home
  • ماذا فعلت الجمهورية العربية المتحدة بسوريا والسوريين؟ إبراهيم الجبين….المصدر: المدن
  • دراسات وبحوث

ماذا فعلت الجمهورية العربية المتحدة بسوريا والسوريين؟ إبراهيم الجبين….المصدر: المدن

khalil المحرر يوليو 30, 2025

بعد سلسلة من 14 مقالاً ضمن ملف “لحظات سوريا الفارقة…قبل الأسد”، هنا الحلقة الخامسة عشرة عن سوريا الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، والتي خرجت من مرحلة الانتداب الفرنسي لتتعثر بالانقلابات العسكرية في طريق بناء استقلالها المُستجد.

 

يسجّل للمبعوث الأميركي الخاص توم برّاك نبرته الاستعراضية التاريخية في التعاطي مع التحولات السياسية للحظة الراهنة، ولعلّ أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع كلمات برّاك عن سايكس بيكو ولبنان وبلاد الشام ومفاوضات الحكومة السورية مع قوات قسد، لا سيما حين قال عن سوريا إن واشنطن تريدها “دولة واحدة، حكومة واحدة، جيشاً واحد، أمة واحدة” كلمات مشابهة حدّ التطابق مع كلمات وردت في بيان قادة المجلس العسكري السوري المطالب بالوحدة مع مصر في كانون الثاني/يناير عام 1958 لم تكن تخفي توجهات الطرفين آنذاك؛ دستور واحد، رئيس واحد، علم واحد، دولة واحدة، جيش واحد، سلطة تنفيذية واحدة، سلطة تشريعية واحدة، سلطة قضائية واحدة، عاصمة واحدة. وهي ذاتها التي اتفق عليها عبدالناصر ووزير الخارجية السوري صلاح البيطار بعد أيام.

 

صحيح أن الحديث بين المناسبتين، ينصبّ على سوريا، غير أن انزياح مآلات الدولة السورية من ذلك التوق إلى الالتحاق بالحلم العربي إلى النكوص نحو الدولة القطرية الوطنية، يقول لنا الكثير بعد 67 عاماً تفصلنا عن لحظة قيام الجمهورية العربية المتحدة.

 

إعدام الحياة السياسية

في مساء دمشقي شديد البرودة، وبينما كانت صافرات الريح المسموعة من الخارج تقاطع جدالات الجالسين كلما علت وخفتت، اجتمع مجلس الوزراء السوري برئاسة الرئيس شكري القوتلي بحضور أكرم الحوراني رئيس مجلس النواب، ورئيس الوزراء صبري العسلي ووزير الدفاع خالد العظم ورئيس الأركان عفيف البزري وثلاثة من مساعديه من بينهم عبد الحميد السراج، لدراسة محضر المباحثات التي دارت بين وزير الخارجية البيطار والرئيس عبدالناصر، ورفضوا أي مطلب بمهلة زمنية كافية لدراسة المشروع، لكنهم عادوا ووافقوا على مهلة 24 ساعة فقط حتى مساء الغد لاتخاذ قرار نهائي.

 

كان الاتفاق يقضي بأن يتم تحويل نظام الحكم في سوريا من نيابي ديموقراطي إلى نظام حكم جمهوري رئاسي يتولى فيه رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية مع وزرائه، بما يشمل تنازل المجلس النيابي عن صلاحياته بتعديل الدستور لرئيس الدولة، وعدم الرجوع إلى الشعب إلا في ثلاث استفتاءات؛ قيام الدولة العربية المتحدة، ترسيخ رئيس الدولة، وتفويض رئيس الدولة بإصدار دستور مؤقت للمرحلة الانتقالية، حتى يتم وضع دستور دائم سيصوّت عليه الشعب من دون أن يشارك في وضعه.

 

الرئيس جمال عبد الناصر يضع حجر الأساس للمدينة الجامعية لجامعة دمشق عام 1961

 

اعتبر الحوراني وقادة الجيش، والبعثيون معهم، أن قرار الوحدة قرارٌ “ثوري” لا “فقهي”، على حد وصفهم، وقالوا إن نظام الحكم في أميركا رئاسي وأن ذلك لا يتعارض مع ديموقراطية الولايات المتحدة، وصبّوا جام غضبهم على الحياة البرلمانية التي عرفوها وما جلبته على سوريا من التشتت والضياع.

 

ودافع صبري العسلي والحوراني عن فكرة الاستغناء عن الأحزاب السياسية، وشجّعا على حلّها، بينما كان القوتلي يقول بصوت متهدّج “لقد ضحيت من أجل الوحدة، وتنازلت عن منصب الرئاسة، وأريد منكم مقابل ذلك أن توافقوا على طلب وحيد. زارني الرئيس هاشم الأتاسي وطلب العفو عن ابنه عدنان الذي حكم بالإعدام ثم خفف الحكم عليه بالمؤبد، فأرجو أن تمنحوه ما طلب بعدما قدّم خِدْمَات جليلة لسوريا”. فتم رفض طلب القوتلي الذي لم يُجب سوى بـ “لا حول ولا قوة إلا بالله”.

 

ولمنع تشويش النواب وصخبهم، كان الحوراني، مستفيدًا من صلاحياته كرئيس للمجلس النيابي، يؤجل انعقاد جلسات المجلس، وهكذا غاب أي صوت يمكن أن يعارض الموافقة على مشروع الوحدة، وتقرّر إيفاد القوتلي والحكومة كلّها إلى مصر لـ”مبايعة” عبدالناصر، على أن يسيّر أمر سوريا خلال غيابهم كلٌّ من الحوراني والسرّاج مؤقتًا، كما يروي خالد العظم في مذكراته الصادرة عن الدار المتحدة للنشر ببيروت العام 1973. ويستطرد العظم قائلًا “وأما الأغاني المبتذلة القاصرة على مديح ناصر، وترديد اسمه ووصف جمال وجهه وشبابه الأسمر، فتذكّرنا بطرق الدعاية التي يستخدمها ممثلو هوليوود وممثلاتها لاستجلاب عواطف المتفرجين وسوقهم إلى مشاهدة الأفلام التي يلعبون دورها الرئيس. اللهم إن هذا جرمٌ لا يغتفر في معركة القومية العربية ونحن المؤمنين بالوحدة الكاملة نبكي دمًا كلما رأينا هذه البهلوانيات تؤخر الركب عن الوصول إلى أهدافه، وكلما شاهدنا سقوط الوحدة بين سوريا ومصر إلى هذا الدرك”..

 

في يوم وصول الوفد السوري الرفيع إلى القاهرة، وزّع عبد الناصر عليهم دستور الدولة المؤقت، وكان واضحًا أنه تم إعداده مسبقًا، وكان يتضمن تكريسًا تامًا لهيمنة رئيس الجمهورية على كافة السلطات والوزارات فهو من يسمي الوزراء ويعزلهم، حتى إن عبد الناصر اقترح شفهيًا أن يتم الاستغناء عن لقب “وزير” واستبداله بـ “سكرتير عام لوزارة كذا”، مضيفًا أن “الفترة الانتقالية إلى الدستور الدائم قد تكون 5 سنوات وربما 10”.

 

السراج وعامر

 

كان الحزب الشيوعي السوري مؤيدًا لكل المراحل التي سبقت إعلان الوحدة، وكان زعيمه خالد بكداش يقول “نحن الشيوعيين في سورية، كنا قبل قيام الدولة العربية المتحدة مؤيدين للخطوط الكبرى الأساسية في سياسة الحكومة السورية وفي سياسة الحكومة المصرية. فما الذي تغير؟ أليس من الطبيعي أن يؤيد الشيوعيون استمرار هذه السياسة في الدولة العربية الموحدة الجديدة؟ بل نحن نأمل أن يؤدي التفاعل السياسي في الدولة العربية الموحدة بخطوة إلى الأمام في السياسة التحررية. إنّ ما كنا نعمل له ونناضل في سبيله من قبل، سنعمل له ونناضل من أجله في ظل الدولة العربية الموحدة، ولن تكون لنا سياسة أخرى”.

 

أُعلنت الوحدة والتقطت الصور وعاد القوتلي والوفد السوري إلى دمشق وعقدت في 5 شباط/فبراير 1958 آخر جلسة من جلسات المجلس النيابي.. حيث سيسدل الستار بعدها على الكيان السوري ومظاهر الحياة السياسية والبرلمانية فيه. لكن ورغم تأييد حزبه للوحدة، لم يحضر خالد بكداش تلك الجلسة، فغادر دمشق بعدما أبلغ كلًا من فرج الله الحلو ونقولا شاوي بأن حياته معرضة للخطر في توقيت انعقاد الجلسة. وكانت صحيفة “النور” الناطقة باسم الحزب الشيوعي تغدق المديح على عبد الناصر وعلى الوحدة في افتتاحياتها وتغطياتها حتى إن مانشيت عددها الصادر يوم زيارته إلى سوريا اقتصر على وصف خطابه الذي ألقاه في دمشق بكلمة واحدة “قنبلة”.

 

وتعاني تلك المدّة من شح في التوثيق، مع توافر العديد من المذكرات والسجلات، لكن هناك سبب آخر جعلها مدّة معتمة من الحقب السورية الحديثة، فقد عاشت الصِّحافة السورية خلال السنوات الخمس التي سبقت إعلان الوحدة السورية المصرية، سنوات انحطاط غير مسبوق، رغم بلوغ عدد المطبوعات السورية وقتها 52 مطبوعة بين صحيفة ومجلة، ومع ذلك لم تكن مواكبتها النقدية كافية لمعاينة اتجاهات السوريين وتقلبات السلطة وتوازناتها، فتحولت الصحف إلى مؤسسات يقبض ملاكها الأموال من الحكومة والوزارات وقادة الجيش، وأصحاب الشركات، وحتى من السفارات الأجنبية والعربية، للسير حسب التوجه الذي يريده من يدفع، أو لمهاجمة من تستهدفه هذه الجهة أو تلك. وحين أعلنت الوحدة اعتقد كثيرون أن الصِّحافة السورية سوف تنتعش، لكن قرار إلغاء امتيازات الصحف خيّب الآمال وترك الصحف التي تم الإبقاء عليها بين يدي رقابة متشددة من السلطة الجديدة. وعبّر عن استراتيجية الإعلام آنذاك قول وزير الإعلام عبد القادر حاتم في محاضرة من محاضراته في القاهرة “اكذبوا.. اكذبوا.. فلا بدّ وأن يعلق شيء من الكذب في نهاية الأمر”، والمفارقة أن هذا الوزير كان من بين أبرز مؤسسي المخابرات العامة المصرية، وهو الذي سينشئ مبنى ماسبيرو في القاهرة ومبنى الإذاعة والتلفزيون في دمشق، من دون أن ننسى “صوت العرب” وسياستها التحريرية.

 

وسيكون مريرًا وساخرًا أن تقلّب معاجم الصحف السورية وفهارسها لتجد أن عهد الوحدة لم يذكر فيه من صحف دمشق سوى صحيفة “الوحدة” التي أعطي امتيازها لراتب الحسامي ورأس تحريرها جلال فاروق الشريف وصحيفة “الجماهير” التي كان صاحب امتيازها جمال الأتاسي ورئيس تحريرها إميل شويري والصحيفتان كانتا من 8 صفحات فقط، قبل أن يأمر عبد الناصر بإغلاق “الجماهير” بسبب نشرها لصورته على الصفحة الأولى بحجم مطابق لصورة نائبه، كما نقل عن إميل شويري في “معجم الصحف السورية من 1865-1965” الذي أعدّه مهيار الملوحي وصدر عن دار الأولى بدمشق العام 2002.

 

عبد الناصر في ميناء اللاذقية

 

في الأمزجة السياسية عشية ولادة دولة الوحدة، انفرد حزب البعث عن غالبية الأحزاب السورية، بحرصه على إرضاء الأميركيين، وكان ممثلًا بوزير الخارجية صلاح البيطار الذي انتقل خلال سنوات قصيرة من دكان متواضع يعطي فيه دروسًا لطلابه مقابل 5 ليرات، على حد وصف خالد العظم، إلى موقع النائب في البرلمان ثم منصب وزير الخارجية، وقد أبدى في العديد من المرات امتعاضه من فعل أو قول أي شيء يغضب أميركا، حتى حين ظهرت قطع بحرية عسكرية أمام السواحل السورية. وكان تحوّل كثير من السياسيين عن مواقفهم السابقة لافتاً للأنظار، فقد بدت تلك المرحلة جارفة قوية لم تحتملها غالبية السوريين.

 

كان واضحًا أن الكلمة الأولى والأخيرة في سوريا آنذاك هي لحزب البعث، وما القوتلي والعسلي والعظم وبقية وزراء الحكومة سوى واجهات لقوة عنيفة تقود سوريا نحو اتجاه محدد.

 

بقي المشهد الختامي، واقترب موعد الاستفتاء الشعبي على الوحدة، فوصلت قسائم الاستفتاء من مصر مطبوعة جاهزة، ووزّعت على مراكز اللجان المشرفة في أنحاء سوريا، وما هي إلا ساعات حتى ظهرت النتائج زاعمة أن نسبة 99.25 بالمئة من السوريين مارسوا حقهم في الاستفتاء، بينما كانت نسبة الموافقين في مصر 99.8 بالمئة. وهبط عبد الناصر في سوريا يوم 24 شباط/ فبراير من العام 1958 وتولى عبد الحميد السرّاج مهمة مرافقته وتأمين تحركاته خلال زيارته التاريخية التي ستغيّر وجه سوريا لعشرات السنين.

 

وكتب ميشيل عفلق قبل يوم واحد من زيارة عبد الناصر يقول “صحيح أيها الإخوان إن ثورة مصر لم تتبع نفس الطريق الذي اتبعناه، فهي ثورة عسكرية لم تبدأ من الشعب، ولم تبدأ بفكرة أو نظرية، ولكن هذا لا يغير شيئًا من حقيقتها وقيمتها، فهي ثورة أصيلة صادقة، لذلك أعطت مثل هذه النتائج، ولم يمض وقت طويل عليها حتى استقرت واتضحت معالمها وخط سيرها، وبدأ الاتصال والتفاعل بينها وبين حركتنا”، وقد وردت مقالته تلك في جريدة “البعث” عدد 23 شباط/فبراير 1958 وفي كتابه “في سبيل البعث” الصادر عن القيادة القومية في بغداد 1987. وعلى الرغم من كلماته تلك إلا أن عفلق بقي حذرًا في التعامل مع فكرة حلّ حزب البعث استجابة لطلب عبد الناصر، وظلّ حريصًا على إبقاء منظمات البعث خارج سوريا ومصر نشطة تحسبًا لأي طارئ.

 

لتمكين مشروعه في سوريا، اعتمد عبدالناصر على البعثيين والضباط الموالين له حصرًا، فمنحهم صلاحيات وصفت بغير المحدودة في تكييف الدولة والمجتمع لتعزيز سيطرته، وهم، من جانبهم، استفادوا من تلك الصلاحيات الممنوحة لهم فانهمكوا بتصفية خصومهم السياسيين وتطبيق برامجهم على الاقتصاد والزراعة والحياة العامة، وتم استبعاد رجال الدولة من تشكيلة الحكم، ولم تتم دعوتهم إلى التشاور، واستثني حزب الشعب والإخوان المسلمون والمستقلون من المناصب كافة.

 

وبعد العرض الاحتفالي بإعلان الوحدة، لم تطل مدّة الانتظار أكثر من شهر واحد، حتى أعلن الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة في 5 آذار/مارس 1958 وفي اليوم التالي أعلنت تشكيلة الحكومة، ونواب الرئيس الذين كان في صدارتهم أكرم الحوراني وعبد اللطيف البغدادي وصبري العسلي وعبد الحكيم عامر، بينما تولى عبد الحميد السراج وزارة الداخلية (في الإقليم الشمالي – سوريا) وخليل كلاس وزيرًا للاقتصاد ومنح البيطار منصب وزير دولة في حين عيّن الفريق عفيف البزري قائدًا للجيش الأول في سوريا.

 

عبد الناصر في السويداء

 

ووفقًا للقرار رقم 1 الذي تضمن قانون رقم 2 الصادر عن جمال عبد الناصر في 12 آذار/مارس أي بعد ثلاثة أسابيع فقط على قيام الوحدة، حُلّت الأحزاب السياسية في سوريا، وقد نصّت المادة الأولى من القانون على “حظر تشكيل أحزاب أو هيئات سياسية جديدة”، أما المادة الثانية فقضت بمنع أعضاء الأحزاب المنحلّة من القيام بأي نشاط سياسي ويحـظر تقديم المساعدة لهؤلاء الأشخاص للقيام بأي نشاط حزبي. وصودرت أموال ومقرات جميع الأحزاب ونقلت ملكيتها إلى الاتحاد القومي، ونص هذا القانون على حبس كل من يخالفه من 10 أيام إلى ثلاث سنوات وبغرامة حدّدت بـ 15 ألف ليرة، وأعلن القانون ونشر في الجريدة الرسمية، وهكذا بدت الوحدة انقلابًا عسكريًا في سوريا يطبّق بأيدٍ مصرية.

 

ترحيب الكرملين الحذر

رافق عبدالناصر في زيارته الأولى إلى الاتحاد السوفييتي بعد قيام الوحدة نائبه أكرم الحوراني ضمن وفد الجمهورية الجديدة، فسمع الوفد من الزعيم الشيوعي نيكيتا خروتشوف في الكرملين كلاماً قاسياً حول أعضاء وفده وحكومته، اتهمهم فيه بأن بينهم عملاء للغرب، وقال لعبد الناصر “نحن نعرف كل شيء عن مباحثاتكم وعلاقاتكم مع الغرب ولا نجهل ارتباطكم بالغرب، ولكن لا بأس خذوا من هؤلاء الخنازير الغربيين المساعدات، ونحن سنبقى أوفياء ومخلصين لقضاياكم”.

 

في تلك الزيارة وقع حديث الخبراء السوفيات عن “التأميم” على مسمع عبد الناصر وقعًا مختلفًا، فنصحوه بتطبيقه، لكنهم حذّروه من أنهم واجهوا صعوبات في تأميم الزراعة والتجارة، بينما كان تأميم الصناعة ناجحًا وسلسًا. وبعد وقت قصير سيسمع عبد الناصر رأي السوفييت من فم خالد بكداش الذي وبعد أن كان مؤيدًا للوحدة، أخذ يعبّر عن انتقاده لها ولاتجاه قيادتها، فقال في كلمة له أمام اجتماع فكري ونظري عُقد في براغ في حزيران/يونيو عام 1958 “إنّ في مصر وسوريا اتجاه إلى الإصلاح الزراعي، وإنّ الأميركيين يؤيدون هذا الاتجاه الذي هو لمصلحة المزارعين الأغنياء، وإنّ نجاحه في ظل البورجوازية سيكون فاجعة أليمة، لأنه سيؤدي إلى إبعاد الفلاحين عن حليفتهم الطبيعية الطبقة العاملة”.

 

غير أن عبد الناصر لم يكترث، وأصدر القانون 161 المسمى قانون “الإصلاح الزراعي” وحدد الحد الأقصى للملكية الزراعية الخاصة المسموح بها بـ 80 هكتارًا من الأرض المروية والمشجّرة، و300 هكتارًا من الأراضي البعلية. ووفقاً لهذا القانون، تستولي الدولة على كل ما يزيد عن الحد الأقصى المحدد من الملكية الخاصة للأرضي الزراعية، مقابل تعويض. الدولة تصبح مالكةً لتلك الزيادات المستولى عليها، وتوزع حق الانتفاع بها على صغار الفلاحين. وحصة الفلاح الواحد من الأرض الموزعة، لا يجب أن تزيد عن 8 هكتارات من الأراضي المروية والمشجرة، و30-45 هكتارًا من الأراضي البعلية بحسب معدل الأمطار فيها.

 

ويتوجب على الفلاح المنتفع من الأرض الموزعة عليه، أن يدفع ثمنها على مدار أربعين عامًا. ويتم تقدّير ثمن الأرض بما يعادل التعويض الذي دفعته الدولة لصاحب الأرض المستولى عليها، إضافةً إلى فائدة مقدارها 1.5 بالمئة، كما يضاف إليها أيضًا 10 بالمئة تسمى “نفقات استيلاء”.

وشُكلت لجان لتنفيذ علميات الاستيلاء وحصر الملكيات وتوزيعها، مع فرض عقوبات مشدّدة على كل من يخالف هذا القانون، تتراوح ما بين الحبس لأيام إلى السجن لثلاث سنوات، ومع ذلك فلا يحق للفلاح التصرّف بأرضه، إلا بعد أن يتمم دفع ثمنها للدولة، فالدولة هي المالك وللفلاح حق الانتفاع.

 

وبدأ الخوف

مع استشعار مثقفي سوريا وسياسييها المخضرمين للتحوّل الخطر الذي طرأ على الحياة العامة في البلاد حين أخذت سياسات عبدالناصر تكشف عن نفسها أكثر فأكثر، حاول بعضهم التدخل لتدارك الأمور قبل أن تتفاقم، ومن بين هؤلاء كان فخري بك البارودي الذي لم يستطع الصمت على انحراف مسار الدولة الجديدة، فكتب رسالة وجهها إلى عبدالناصر من قلب دمشق بتاريخ 14 من تشرين الثاني/نوفمبر 1958، وأخرى إلى عبد الحكيم عامر الذي عين حاكمًا على الإقليم الشمالي، قال في الأولى “سيادة الرئيس! لما فُتح العراق من قبل جيوش الفتح الإسلامي جاءت هند بنت النعمان إلى الأمير، وطلبت منه إعطاءها قرية غامرة تقوم بإصلاحها وتقوى بها على متاعب الحياة. فكتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بذلك، فأمره بإعطائها ما طلبت. وبعد التحرّي لم توجد قرية غامرة في جميع العراق. فكتب إلى الخليفة يُعلمه بذلك، فأمر أن تُعطى قرية عامرة. فأجابت إنني شاكرة للخليفة هذا العطاء، ومعتذرة عن عدم قبوله لأنني أملك والحمد لله ما يكفيني. وها أنتم أولاء تسلّمتم البلاد عامرة، وما فيها قرية غامرة، فأرجو أن تبقى في ظل رعايتكم الحسنة على ما هي من عمرانها وأن تزيد”.

 

وسأورد هنا تفصيل البارودي لعبد الناصر حول الأضرار التي تنبأ بحدوثها إذا ما تم تطبيق قانون الإصلاحي “يا سيادة الرئيس! إن تربة الأراضي في الإقليم الشمالي (سوريا) تختلف عن تربة الأراضي في الإقليم الجنوبي (مصر) تمامًا من حيث تعداد أنواعها وغزارة الأمطار في بعض أقسامها وضآلتها في البعض الآخر، وانحباس الأمطار عن بعضها، وجفاف التربة في غيرها. كما أن الأراضي السقي تختلف عن بعضها من حيث قربها من العمران وبعدها عنه فهي في الأولى مرتفعة أثمانها، وفي الثانية منخفضة الأثمان. ولأضرب لذلك مثلًا: لقد خُصّص لكل مالك كبير ثمانون هكتارًا من الأراضي السقي. وهذه الثمانون هكتارًا تبلغ قيمتها في غوطة دمشق مليونين ومائتي ألف ليرة سورية. بينما تساوي في أراضي الجزيرة ما يقرب من سبعين إلى مئة ألف ليرة سورية. ومن هذه المقارنة يتضح الفرق الكبير في قيم الأراضي السقي بين كل من أراضي الغوطة والجزيرة وأمثال هذا الفرق كثيرة في مدن حمص وحماة وحلب واللاذقية ودير الزور وغيرها، حيث تختلف الأسعار باختلاف الأقطار. أما الأراضي البعلية فهي تختلف أيضًا اختلافًا كبيرًا لا يتصوّره العقل، من حيث اختلاف مواقعها. فالأراضي البعلية الموجودة بالقرب من دمشق لا تنتج أي محصول إذا لم يصبها مطر غزير في الشتاء. مع أن غيرها من الأراضي لا تنتج المحاصيل إلا إذا كانت كمية الأمطار فيها غير غزيرة. وهذا ماثلٌ للعيان تمامًا في أراضي حوران والزوية. أما في منطقتي القلمون والقريتين، فقد جرت العادة ألا يأتي هاتين المنطقتين موسمٌ جيدٌ إلا كل عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة تقريبًا. وتسمّى هذه الأراضي بـ (الأراضي العشرية)، أي إن مستثمري هاتين المنطقتين يقلّمون أراضيهم ويزرعونها في كل عام، فلا يجنون إلا النزر اليسير منها أو لا يجنون شيئًا”.

 

عبد الناصر

 

توسّع البارودي في شرح الأوضاع لعبد الناصر قائلًا “يا سيادة الرئيس! إن كثيرًا من أصحاب الأراضي الكبيرة أفنوا حياتهم وأموالهم في استصلاحها واستثمارها، وقاموا بمشاريع فردية للزراعة الواسعة تعجز عنها دولة، حتى بلغ الدخل القومي ما بلغ في السنوات الأخيرة من الوفرة، ولا يجوز بوجه من الوجوه أن يُقضى على تلك الجهود والأموال والمشاريع مع وجود أملاك الدولة التي تسدّ الحاجة وتزيد. إن الجهود الفردية في سوريا كثيرة جدًا. وقانون الإصلاح قضى على هذه الجهود، وأثخن حياة أصحابها وأوهن قواهم. وسيكون من شأنه تقلُّص نسبة الدخل القومي ونقصان الإنتاج وليست هذه النتيجة هي التي هدفت إليها الغاية من إصدار القانون. إن الدولة عندنا ما زالت في حاجة إلى تضافر جهود الأفراد مع جهود الدولة لبناء مستقبلنا الاقتصادي وكياننا السياسي. ولا بدّ للدولة من حماية الفرد أياَ كان شأنه حتى تستطيع الرفادة منه كعنصر فعّال في حياة الأمّة. وواقعنا لم يصل بعد إلى المستوى الذي يجعلنا في غنى عن الجهود الفردية”. وختم رسالته بالقول ” يا سيادة الرئيس! اسمحوا لي وأنا الشيخ الذي جرّب الحياة في هذا الإقليم (سوريا)، وأفنى مراحل عمره في التجربة والاختبار ومقاومة الاستعمار ونشدان الحياة الحرّة الكريمة أن أنصح بتأخير تنفيذ هذا القانون مؤقتًا، والبدء بأراضي أملاك الدولة كتجربة حتى إذا ما نجحت عُمدَ إلى تطبيق القانون على الملاكين والمزارعين، هذا إن بقيت هناك ضرورة أو حاجة لتنفيذه. ذلك أن هذا القانون سيُنزل الكثير من الكوارث”.

 

أما رسالته إلى المشير عبد الحكيم عامر فقد تطرقت إلى مخاوف السوريين من تغيير اتجاه الدولة ونظامها الاقتصادي وانعكاساته، وجاء فيها “يا سيادة المشير؛ تسرّب الخوف إلى قلوب الناس نتيجة القوانين الجائرة، كقانون إنشاء المؤسسة الاقتصادية، وقانون تأميم بنك مصر، وقانون العمل الموحد، وقانون النقل.. وغير ذلك من نتائج الإشاعات التي تلتها والتي تنتشر انتشار النار في الحطب. فهذا يقول إن دولتنا اشتراكية ولن تبقى فيها ملكية صناعية أو زراعية أو عقارية لأي مواطن. وذاك يدّعي بأنه سمع بأشكال وأنواع من استيلاء الدولة على أموال الناس، مما يشبه البلاد الاشتراكية المتطرفة كيوغوسلافيا”.

 

ومع تلك المحاولة كان هناك العديد من المبادرات، جميعها لم يثمر في ثني عبد الناصر عن التصرّف بسوريا وكأنها ملكية شخصية، فواجه الاقتصاد السوري خسائر فادحة وفقد توازنه نتيجة السياسات الاقتصادية المركزية المصرية التي اتبعها عبدالناصر، بفعل نقل الثقل الاقتصادي والإداري إلى القاهرة، وكانت أغلب القرارات الاقتصادية تتخذ في مصر دون مراعاة خصوصية الاقتصاد السوري. وأدى تطبيق النظام الاشتراكي والتأميم السريع والجائر إلى هروب رؤوس الأموال السورية نحو لبنان والأردن والخليج، كما دمّر ذلك المسار الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي كانت عماد الاقتصاد السوري قبل إعلان الوحدة.

 

انخفضت الصادرات السورية بعد تقييد حرية التجارة، وهبطت الليرة السورية مقابل الجنيه بعد ربطها به، وضعفت القوة الشرائية لها، ما تسبب بعجز في ميزان المدفوعات السوري بسبب توجيه الموارد السورية ووضعها في خدمة متطلبات الوحدة من دون عوائد كافية. وكانت سوريا قبل الوحدة تعتمد نظام سوق حرة إلى حد ما، لكن بعد الوحدة تدهورت حرية السوق وتقلص نشاط القطاع الخاص لمصلحة الدولة. تراجع أكثر من 50 بالمئة من استثمارات القطاع الخاص، بعد أن ابتدأت هجرة رؤوس الأموال، وقلّص التأميم الناتج الصناعي إلى ما بين 30-35 بالمئة، وفقدت عشرات الملايين من الدولارات سنويًا بسبب هبوط الليرة وربطها بالجنيه المصري.

 

(*) يتبع: كيف دعمت الجمهورية “العربية” المتحدة حقوق الأكراد بلا حدود؟

 

About the Author

khalil المحرر

Administrator

Author's website Author's posts

Continue Reading

Previous: مجازر ما بعد الأسد: التحديات الأمنية تهدد المرحلة الانتقالية. المصدر: المدن – عرب وعالم
Next: طوق الأناضول … رستم محمود…….المصدر: المجلة

Related Stories

  • دراسات وبحوث

معضلة الطاقة في إيران :القيود والتداعيات والخيارات السياسية… عمود شكري .المدوّنة صدى.المصدر :مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط.

khalil المحرر يونيو 26, 2025
  • دراسات وبحوث

كيف تستفيد تركيا من انشغال إيران بالصراع ضد إسرائيل….المصدر: العرب

khalil المحرر يونيو 16, 2025
  • دراسات وبحوث

“المطلوبون أصبحوا السلطة في سوريا”وقوانين الأسد ما تزال تحكم السوريين….المصدر: تلفزيون سوريا ـ وفاء عبيدو

khalil المحرر يونيو 6, 2025

Recent Posts

  • سلطة السيسي المطلقة نجح الرئيس في منع ظهور مراكز قوى جديدة في الجمهورية المصرية الثانية. … يزيد صايغ. المصدر : المدوّنة ديوان.مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
  • في ذكرى الأنفال.. إيطاليا تؤكد على قوة علاقاتها مع الشعب الكوردي کوردستان القنصلية الإيطالية .المصدر :أربيل كوردستان24
  • الجمهورية الثانية: إعادة تشكيل مصر في عهد عبد الفتاح السيسي.. يزيد صايغ……مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
  • التطبيع مع إسرائيل… خيار أم ضرورة؟ أنس بن صالحالمصدر :القدس العربي
  • سورية الجديدة بعيون جزائرية… المأمول والمحاذير.. رابح لكحل.المصدر :العربي الجديد

Recent Comments

  1. Boyarka-Inform.Com على قمة دولية في مصر حول القضية الفلسطينية السبت. الشرق الاوسط

Archives

  • يوليو 2025
  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • سلطة السيسي المطلقة نجح الرئيس في منع ظهور مراكز قوى جديدة في الجمهورية المصرية الثانية. … يزيد صايغ. المصدر : المدوّنة ديوان.مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
  • في ذكرى الأنفال.. إيطاليا تؤكد على قوة علاقاتها مع الشعب الكوردي کوردستان القنصلية الإيطالية .المصدر :أربيل كوردستان24
  • الجمهورية الثانية: إعادة تشكيل مصر في عهد عبد الفتاح السيسي.. يزيد صايغ……مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
  • التطبيع مع إسرائيل… خيار أم ضرورة؟ أنس بن صالحالمصدر :القدس العربي
  • سورية الجديدة بعيون جزائرية… المأمول والمحاذير.. رابح لكحل.المصدر :العربي الجديد

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

You may have missed

  • مقالات رأي

سلطة السيسي المطلقة نجح الرئيس في منع ظهور مراكز قوى جديدة في الجمهورية المصرية الثانية. … يزيد صايغ. المصدر : المدوّنة ديوان.مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط

khalil المحرر يوليو 31, 2025
  • الأخبار

في ذكرى الأنفال.. إيطاليا تؤكد على قوة علاقاتها مع الشعب الكوردي کوردستان القنصلية الإيطالية .المصدر :أربيل كوردستان24

khalil المحرر يوليو 31, 2025
  • الأخبار

الجمهورية الثانية: إعادة تشكيل مصر في عهد عبد الفتاح السيسي.. يزيد صايغ……مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط

khalil المحرر يوليو 31, 2025
  • مقالات رأي

التطبيع مع إسرائيل… خيار أم ضرورة؟ أنس بن صالحالمصدر :القدس العربي

khalil المحرر يوليو 31, 2025
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.