قدّم الدكتور محمد موسى، الباحث في الشؤون الاقتصادية، في حديث إلى “النهار”، رؤية تحليلية معمّقة تسلّط الضوء على ما تمتلكه مصر من فرص، وما تواجهه من تحديات، في سعيها إلى لعب دور محوري في أمن الطاقة الأوروبي.
المصدر: النهار
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، وتراجع الإمدادات الروسية إلى أوروبا، تبحث القارة العجوز عن شركاء جدد لتأمين حاجاتها من الطاقة. في هذا السياق، لفتت مصر الأنظار بإعلانها عن إضافة 2,2 تريليوني قدم مكعب من الغاز الطبيعي إلى مخزونها خلال عامي 2025 و2026. هذا الرقم الطموح أعاد فتح باب النقاش في الدور الذي يمكن أن تلعبه القاهرة في المرحلة المقبلة: هل تستطيع مصر أن تصبح البديل الآمن والموثوق الذي تبحث عنه أوروبا في مرحلة ما بعد الغاز الروسي؟
في هذا السياق، قدّم الباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور محمد موسى في حديث إلى “النهار”، رؤية تحليلية معمّقة تسلّط الضوء على ما تمتلكه مصر من فرص، وما تواجهه من تحديات، في سعيها إلى لعب دور محوري في أمن الطاقة الأوروبي.
تملك مصر العديد من المقومات التي تجعلها شريكاً استراتيجياً محتملاً للسوق الأوروبية. فإلى جانب موقعها الجغرافي المميز الذي يسهّل النقل ويوفّر تكاليفه، تضم البلاد بنية تحتية متقدمة نسبياً مقارنة بدول المنطقة، تشمل محطتي تسييل رئيسيتين: محطة “إدكو” بالتعاون مع شركة “شل” بقدرة 7,2 ملايين طن سنوياً، ومحطة دمياط بالشراكة مع شركات إيطالية بطاقة تقارب 5 ملايين طن سنوياً.
وتعزّز هذه المقومات علاقات مصر المتنامية مع شركاء إقليميين في منتدى غاز شرق المتوسط، خصوصاً قبرص وإسرائيل، إلى جانب الاستقرار السياسي النسبي الذي يجعل من مصر بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية.
لكن، رغم كل هذه العوامل الإيجابية، يرى موسى أن الحديث عن قدرة مصر على تعويض كامل لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا ليس دقيقاً. ويوضح: “إنتاج مصر السنوي لا يتجاوز حتى الآن 7 إلى 10 مليارات متر مكعب، في حين كانت روسيا توفّر ما يقارب 200 مليار متر مكعب سنوياً لأوروبا. ومصر قادرة على أن تكون جزءاً من الحل، لكنها ليست الحل الكامل”.
كما يشير موسى إلى أن مصر تفتقر إلى خطوط إمداد مباشرة إلى أوروبا، وتعتمد حالياً على روابط غير مباشرة عبر قبرص أو إسرائيل، “وهذا يفرض تحديات لوجستية تتطلب استثمارات ضخمة واتفاقيات دولية جديدة، وكي تصبح مصر مركزاً دائماً للغاز في المنطقة، عليها أن تُسرّع في التنقيب، وتتخلّى عن البيروقراطية، وتوسّع عدد محطات التسييل، وتجذب الاستثمارات الدولية”.
ويقول موسى إنه في ظل وجود منافسين إقليميين مثل تركيا وقبرص وإسرائيل، على مصر أن تتحرّك سريعاً لتعزيز موقعها، وتوسيع شراكاتها مع الاتحاد الأوروبي، وتطوير حضورها في المنتديات الدولية للطاقة، “فالتوسع في مخزون الغاز المصري يشكل فرصة استراتيجية نادرة يمكن أن تُعيد رسم خريطة الطاقة في شرق المتوسط، فمصر لا تفتقر إلى الموارد ولا إلى الشركاء، بل تحتاج إلى رؤية طويلة الأمد، واستثمار في البنية التحتية، وإلى قرار سياسي حاسم لتتحوّل من مجرد لاعب إقليمي إلى شريك دولي حقيقي”.
وفي عالم يبحث عن بدائل آمنة ومستقرة للطاقة، قد لا تكون مصر البديل الكامل لروسيا، لكنها من دون شك جزء من المستقبل الذي تسعى أوروبا إلى بنائه.