ملخص
تقول وزارة الصحة في غزة إن 154، منهم 89 طفلاً، لاقوا حتفهم بسبب سوء التغذية، ومعظمهم في الأسابيع القليلة الماضية، وقال مرصد عالمي للجوع أول أمس الثلاثاء إن سيناريو المجاعة يحدث الآن.
على الجدران المطلية باللون الوردي، في جناح علاج سوء التغذية لدى الأطفال بمستشفى ناصر في قطاع غزة، رسومات كرتونية لأطفال يركضون ويبتسمون ويلعبون بالورود والبالونات.
وتحت الصور مجموعة من الأمهات يرقبن أطفالهن الرضع الذين يرقدون من دون حركة أو صوت، معظمهم منهكون للغاية بسبب الجوع الشديد، لدرجة أنهم لا يقدرون حتى على البكاء.
وقال الأطباء لـ”رويترز” إن هذا الصمت شائع في الأماكن التي تعالج من يعانون سوء التغذية الحاد، وهو علامة على توقف الأجساد عن العمل.
وقالت زينة رضوان، والدة الطفلة ماريا صهيب رضوان البالغة 10 أشهر، “بتظلها مرخية، مرمية، ما بتتحركش، لا بتقعد ولا بتقف على رجليها، يعني لا بتستجيب معاك”. ولم تتمكن زينة من العثور على الحليب أو الطعام الكافي لطفلتها، ولا تستطيع أن ترضع ابنتها لأنها أيضاً تعاني نقص التغذية وتعيش على وجبة واحدة يومياً.
على مدى الأسبوع الماضي، أمضى صحافيو “رويترز” خمسة أيام في مجمع ناصر الطبي، وهو واحد من أربعة مراكز فقط متبقية في غزة قادرة على علاج الأطفال الذين يعانون الجوع بدرجة خطرة، وخلال فترة وجودهم هناك، جرى إدخال 53 حالة لأطفال يعانون سوء التغذية الحاد، بحسب رئيس القسم.
الفلسطينية زينة رضوان تحمل ابنتها ماريا البالغة من العمر 10 أشهر، والتي تعاني من سوء التغذية في مستشفى ناصر في خان يونس، 24 يوليو 2025 (رويترز).JPG
الفلسطينية زينة رضوان تحمل ابنتها ماريا البالغة من العمر 10 أشهر، التي تعاني سوء التغذية في مستشفى ناصر في خان يونس، الـ24 من يوليو 2025 (رويترز)
ونفدت مخزونات غزة من المواد الغذائية بعد أن قطعت إسرائيل، التي تخوض حرباً مع حركة “حماس” منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، جميع الإمدادات إلى القطاع في مارس (آذار) الماضي. وجرى رفع هذا الحصار في مايو (أيار)، ولكن مع قيود تقول إسرائيل إنها ضرورية لمنع تحويل مسار المساعدات إلى الجماعات المسلحة.
ورداً على طلب للتعليق، قالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق التي تشرف على تنسيق المساعدات، إن إسرائيل لا تفرض قيوداً على دخول شاحنات المساعدات إلى غزة، لكن المنظمات الدولية تواجه تحديات في جمع المساعدات داخل القطاع.
وأضافت أن الجيش الإسرائيلي يسهل بصورة منتظمة توصيل الخدمات الطبية من خلال منظمات الإغاثة والمجتمع الدولي، الذي يعمل معه لتلبية احتياجات مستشفيات غزة.
وتفاقم الوضع في شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) مع نفاد المخزونات، إذ حذرت منظمة الصحة العالمية من تفشي المجاعة، وأصابت صور الأطفال المصابين بالهزال العالم بالصدمة.
“سيناريو المجاعة يحدث الآن”
تقول وزارة الصحة في غزة إن 154، منهم 89 طفلاً، لاقوا حتفهم بسبب سوء التغذية، ومعظمهم في الأسابيع القليلة الماضية، وقال مرصد عالمي للجوع أول أمس الثلاثاء إن سيناريو المجاعة يحدث الآن.
وتقول إسرائيل إنها لا تهدف إلى تجويع غزة، وأعلنت هذا الأسبوع خطوات للسماح بإدخال مزيد من المساعدات، بما في ذلك وقف القتال في بعض المواقع، وإسقاط المواد الغذائية من الجو، وتوفير طرق أكثر أمناً.
وقالت الأمم المتحدة إن حجم ما هو مطلوب لدرء المجاعة وتجنب حدوث أزمة صحية كبير.
وقال الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم طب الأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي، “نحن بحاجة إلى حليب الأطفال، ونحتاج إلى إمدادات طبية، ونحتاج إلى بعض المواد الغذائية، وأغذية خاصة لقسم التغذية، نحن بحاجة إلى كل شيء من أجل المستشفيات”.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن كثيرين ممن ماتوا وهم يعانون سوء التغذية في غزة كانوا يعانون أمراضاً سابقة، ويقول خبراء المجاعة إن هذا أمر معتاد في المراحل الأولى من أزمة الجوع.
وقال ماركو كيراك، الأستاذ المشارك في كلية لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية، “الأطفال الذين يعانون أمراضاً سابقة هم أكثر عرضة للخطر، فهم يتأثرون في وقت أبكر”، وساعد كيراك في وضع المبادئ التوجيهية العلاجية لمنظمة الصحة العالمية لسوء التغذية الشديد.
أطفال غزة يأكلون العشب… وأنا عاجز عن إقناع صغيري بتناول الخضراوات
وقال الفرا إن مستشفاه يتعامل الآن مع أطفال مصابين بسوء التغذية لم تكن لديهم مشكلات صحية سابقة، مثل الطفلة وتين أبو أمونة التي ولدت بصحة جيدة منذ ثلاثة أشهر تقريباً وتزن الآن 100 غرام أقل عن وزنها عند الولادة، وأضاف “يعني نحن خلال الأشهر الثلاثة ما كسبنا غراماً واحداً، بالعكس تراجعت الطفلة في الوزن”.
وتابع “هناك فقدان تام للعضلات، فقط الجلد فوق العظام، دليل أنه الطفلة دخلت في مرحلة من سوء التغذية الشديد، لو لاحظنا حتى وش الطفلة، يعني فقد النسيج الشحمي الموجود في منطقة الوجنتين لدى الطفل”.
وتشير ياسمين أبو سلطان، والدة الطفلة، إلى أطراف ابنتها التي يساوي عرض ذراعيها عرض إبهام والدتها.
وقالت ياسمين مشيرة إلى ابنتها، هل ترون؟ هاتان هما ساقاها، انظروا إلى ذراعيها.
نفاد الإمدادات وندرة الأماكن في المستشفى
قال الفرا ومنظمة الصحة العالمية لـ”رويترز” إن الأطفال الأصغر سناً على وجه الخصوص يحتاجون إلى تركيبات علاجية خاصة يجري تحضيرها باستخدام المياه النظيفة، مشيرين إلى شح الإمدادات.
وذكرت مارينا أدريانوبولي، رئيسة فريق منظمة الصحة العالمية للتغذية المعني بالاستجابة في غزة، “جميع الإمدادات الرئيسة لعلاج سوء التغذية الحاد الوخيم، بما في ذلك المضاعفات الطبية، تنفد بالفعل، الوضع حرج حقاً”، وأضافت أن مراكز العلاج تعمل أيضاً فوق طاقتها الاستيعابية.
وفي الأسبوعين الأولين من يوليو (تموز)، تلقى أكثر من 5 آلاف طفل دون سن الخامسة العلاج في العيادات الخارجية لسوء التغذية، وكان 18 في المئة منهم يعانون سوء التغذية بأشد صورها.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن هذا الرقم يمثل ارتفاعاً مقارنة مع 6500 طفل في شهر يونيو (حزيران) بأكمله، ويعد هذا بالفعل أعلى رقم في الحرب ومن شبه المؤكد أنه أقل من الواقع.
نجلاء أبو آية، امرأة فلسطينية تطعم ابنتها راما، البالغة من العمر خمسة أشهر، والتي تعاني من سوء التغذية ، 24 يوليو 2025 (رويترز).JPG
نجلاء أبو آية، امرأة فلسطينية تطعم ابنتها راما، البالغة من العمر خمسة أشهر، التي تعاني سوء التغذية، الـ24 من يوليو 2025 (رويترز)
وقالت والدة وتين إنها حاولت إدخالها إلى المستشفى الشهر الماضي، لكن المركز كان ممتلئاً عن آخره، وبعد 10 أيام من دون أن يتوفر الحليب ومع توفر وجبة طعام واحدة بالكاد في اليوم لبقية أفراد العائلة، عادت الأسبوع الماضي لأن حالة ابنتها كانت تتدهور.
ومثل عدد من الأطفال الرضع في مركز ناصر، تعاني وتين أيضاً الحمى والإسهال المتكررين، وهي أمراض يكون الأطفال الذين يعانون سوء التغذية أكثر عرضة للإصابة بها، مما يجعل حالتهم أكثر خطورة.
وقالت الأم “إذا ظلت هيك (بقيت على هذه الحالة)، هافقدها”.
ولا تزال وتين في المستشفى لتلقي العلاج، حيث تشجعها والدتها على تناول رشفات صغيرة من زجاجة الحليب الصناعي، وقال الأطباء إن أحد الآثار الجانبية لسوء التغذية الحاد هو فقدان الشهية على عكس ما هو بدهي، وتعيش الأم ياسمين نفسها على وجبة واحدة في اليوم يقدمها المستشفى.
وغادر أطفال آخرون قابلتهم “رويترز”، مثل ماريا (10 أشهر)، المستشفى مطلع الأسبوع بعد أن اكتسبوا وزناً، وجرى إعطاؤهم حليباً صناعياً ليأخذوه معهم إلى المنزل. لكن آخرين، مثل زينب أبو حليب (خمسة أشهر)، لم يكتب لهم النجاة، إذ أصيب جسد الطفلة بالضعف لدرجة أنه لم يعد قادراً على مقاومة العدوى بسبب سوء التغذية الحاد. توفيت يوم السبت بتسمم الدم، وغادر والداها المستشفى يحملان جثمانها الصغير ملفوفاً بالكفن الأبيض.