مع إعلان اللجنة العليا للانتخابات عن خطة عمل النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري، والتعديلات التي أقرت وموعد بدء الانتخابات، يتبادل السوريون الآراء حول صعوبة المهمة في ظل الأوضاع الميدانية التي تعيشها البلاد وتعقيدات إجراء انتخابات تغطي الجغرافيا السورية.
وأكد رئيس اللجنة محمد طه الأحمد، زيادة عدد الأعضاء في مجلس الشعب من 150 إلى 210 أعضاء، وبالتالي زيادة حصة المحافظات بالتمثيل بناءً على الإحصاء السكاني لعام 2011، بينما يعين الرئيس 70 عضواً بدلاً من 50.
وأشار إلى أن عملية اختيار أعضاء مجلس الشعب ستجري ما بين 15 و20 أيلول/سبتمبر المقبل، حيث تحتاج اللجنة مدة أسبوع لاختيار اللجان الفرعية التي تختار الهيئات الناخبة خلال مدة 15 يوماً، بعد ذلك يفتح باب الترشح مع منح المرشحين مدة أسبوع لإعداد برامجهم الانتخابية، ثم إجراء مناظرات بين المرشحين وأعضاء اللجان الفرعية والناخبة.
اللجنة العليا التي شكلت في حزيران/يونيو الماضي، بمرسوم رئاسي، تضم 15 عضواً من الأكاديميين والقانونيين وممثلي المجتمع المدني، وكلفت بوضع آلية انتخابية لتشكيل لجان مركزية وأخرى ناخبة لاختيار ثلثي أعضاء المجلس بينما يحتفظ الرئيس بتسمية الثلث الأخير.
سياسة الدولة أهم من الاعتبارات
وبحسب ما أعلنت عنه اللجنة، فنحن أمام مدة أقل من شهرين لإتمام توصيات إجراء العملية الانتخابية، رغم التحديات الراهنة في الجنوب، وغياب الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المسيطرة على قرار ثلاث محافظات سورية شرقاً، وبالتالي توقع غياب أربع محافظات عن التمثيل الحقيقي أو عدم وجود ترشيح موسع، في حال استمرار الأوضاع الحالية.
وأوضح محمد طه الأحمد في حديثه الصحافي، أن الانتخابات ستجرى في جميع المحافظات “قدر الإمكان”، وفي حال تعذر الوصول إلى المناطق الشرقية، سيجري التواصل مع الوجهاء والأعيان لتشكيل لجان فرعية في المنطقة.
وعليه، يعتقد الباحث والكاتب السياسي درويش خليفة، أن السلطة الحالية لن تتوقف عند الاعتبارات التنظيمية، منتظرةً انفراجة مع “قسد” شرقاً، أو الشيخ حكمت الهجري في السويداء جنوباً، إنما المضي لتحقيق ما تصبو إليه، في سياق تمرير بعض السياسات العامة التي تُكرّس سلطتها وتُشرعن وجودها.
ويقول خليفة لـ”المدن”: “في الحالة السورية المستجدة، وما تعرضت له البلاد من هزات أمنية وعسكرية بدوافع ذاتية وأخرى موضوعية، فإن الأمر يتطلب التوجّه نحو انتخابات تشريعية، من شأنها سنّ القوانين والتشريعات التي تمسّ حاضر البلاد ومستقبله، ومن هنا قد تؤول حصة الرئيس من التعيينات التي زادت لتصل 70 عضواً، إلى تغطية هذه المناطق وهي دير الزور والحسكة والرقة والسويداء”.
ويتفق الحقوقي السوري رديف مصطفى مع الشهادة السابقة، حول أهمية تشكيل مجلس التشريعي في إعادة بناء سوريا الجديدة، بهدف تهيئة البنية والبيئة الشرعية والقانونية للدولة في تغيير معظم القوانين والتشريعات وإحداث القطيعة مع الماضي الذي كان بؤرة للفساد والاستبداد.
خطوة لا تحتاج انتظار
لكن هذه الخطوة، تصطدم بواقع البلاد المفكك ورفض بعض القوى الاعتراف بحكومة دمشق ممثلاً شرعياً، فيما تحاول قوى أخرى الحصول على مكاسب تضمن حكماً مستقلاً، ما يصعّب الوصول إلى مجلس ممثل لمختلف مكونات وأطياف المجتمع السوري، الأمر الذي دفع البعض للتشكيك في قدرة اللجنة على تحقيق أهدافها خلال المدة المقررة، قبل عقد تسويات مرضية لجميع الأطراف.
ومع ذلك، يراهن رديف مصطفى في حديثه لـ”المدن”، على نجاح اللجنة العليا في إنجاز مهامها ضمن الوقت المحدد، “خصوصاً وأنها أنجزت عملياُ المهام التمهيدية بنجاح، ولا أعتقد بوجود معوقات باستثناء الوضع في السويداء والمناطق التي تحت سيطرة قسد”.
ويوضح أن “من يرفض الاعتراف بالإدارة السورية الجديدة الشرعية، لن يعترف بها لمجرد تشكيل مجلس الشعب، ما يجعل الأزمة مرتبطة بعوامل بعيدة عن الوقت، إنما بالتعطيل ومحاولة منع بناء الدولة ومؤسساتها”.
حصة الشرع لتغطية المشكلة
ويضيف مصطفى أنه “لا يوجد هناك أي استعجال في تشكيل المجلس، خصوصاً أن اللجنة اختارت طريقة مبتكرة لإجراء هذه الانتخابات نتيجة استحالة إجراء انتخابات تقليدية ولعدة أسباب موضوعية، ولهذا لا يمكن تعطيل المجلس التشريعي وإعادة بناء الدولة بانتظار توافقات سياسية وأمنية قد تطول، علما أن الحصة التي خصصت للرئيس أحممد الشرع لتعيينها، يمكن عبرها تدارك مشكلة من يدخل الخط بعد التوافقات”.
ويتابع أن “سلوك الشيخ حكمت الهجري وقسد مؤسف، وبرغم توقيع اتفاق العاشر من آذار مع قسد، والحوار المستمر معهم، لا تزال أهدافهم التعطيل والمناورة، الأمر الذي يزيد من ضرورة الذهاب مع فكرة تجاوز هذا التعطيل، من خلال جمع أهالي السويداء أو الحسكة والرقة في دمشق، بعد تعيين لجان فرعية واختيار هيئات ناخبة لاختيار ممثليهم أسوة بباقي السوريين، وإلى حين انجاز التوافقات السياسية والأمنية يمكن للرئيس الشرع تدارك الموضوع”.
ومنذ تأسيسها، بدا واضحاً محاولات فريق اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، تلافي المطب الذي أحدثه ملتقى الحوار الوطني، عبر عقدها لقاءات حوارية مع مختلف المكونات وفعاليات المجتمع السوري، إلى جانب اجتماعها مع سفراء وممثليات الدول الحليفة للحكومة الجديدة، والحديث عن تغير في سياسات الإدارة السورية الجديدة وتوجه نحو انفتاح أوسع على منافسيها، وهي خطوات هامة لتحصيل الشرعية اللازمة للبرلمان السوري المقبل.