لم يكن ظهور أبو جهاد رضا، قائد “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” (أولي البأس)، من حيث التوقيت وطبيعة الرسائل التي وجّهها، حدثاً اعتباطياً، بل كان مدروساً للانتقال من حالة الوجود الشبحي التي أحاطت بها تساؤلات وشكوك كثيرة، إلى مرحلة الانخراط في العمليات الميدانية بعد أشهر من التحضير والاستعداد المكثف.
وتؤكد مصادر مقربة من “أولي البأس”، لـ”النهار”، أن الخطاب العلني الأول لقائدها الذي نشرته الصحيفة حصرياً السبت، يُعد “إشارة واضحة لبدء مسار العمليات ضد قوات الاحتلال”. وهذه الإشارة، بطبيعة الحال، ليست موجّهة إلى تشكيلات التنظيم وعناصره فحسب، بل أيضاً إلى قوات الاحتلال لوقف توغلاتها البرية داخل الأراضي السورية، وإلى السلطة الانتقالية لتتحمل مسؤولياتها في ردع إسرائيل عن اعتداءاتها “حتى لا تعترض على قيام الجبهة بهذا الدور بدلاً منها”، وإلى المواطنين، خصوصاً في الجنوب السوري، لأخذ الحيطة وتجنب الاقتراب من أرتال العدو وآلياته التي باتت أهدافاً مباشرة.
وتتعدد الشكوك في الأوساط السورية بشأن “أولي البأس” ودوافع ظهوره في هذا التوقيت. فهناك من يؤكد أنه “امتداد لمحور المقاومة الذي كانت تقوده إيران”، في محاولة لاستنساخ تجربة “حزب الله” اللبناني في الجنوب السوري، بهدف خلط أوراق المشهد والضغط على السلطات الانتقالية عبر توريطها في مواجهة إسرائيل، والتمهيد لعودة النفوذ الإيراني إلى سوريا. وهناك من يرى أنه “أداة بيد السلطات الانتقالية” للالتفاف على مخاطر الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، إلى جانب “العشائر” كوسائل ضغط واستعراض للقوة.
لكن مصادر قيادية في الجبهة تنفي لـ”النهار” صحة الفرضيتين، مؤكدة أن “التنظيم لا يتبع لإيران ولا يخضع للسلطات الانتقالية، وأنه لا يرتبط بأي دولة أو تنظيم خارجي”. وتوضح أن “هناك مسافة واضحة بينه وبين السلطات الانتقالية بسبب موقف الأخيرة من التطبيع مع إسرائيل، فضلاً عن عوامل داخلية أخرى”.
وبشأن انضمام مجموعات كانت تتبع الحرس الثوري الإيراني إلى التنظيم، تشير المصادر إلى أن إيران “تخلّت عن هذه المجموعات في توقيت حساس، وبالتالي فإن الإصرار على الربط بين الطرفين لم يعد منطقياً، وإلا لكانت إيران حافظت على شبكة ميليشياتها بعد سقوط النظام”.
ويتم الانضمام إلى “أولي البأس” وفق آليات واضحة، تبدأ بمشاورات واجتماعات لتنسيق العمل وتحديد الالتزامات والحقوق، وضمان الالتزام بالتراتبية القيادية، وتنتهي بصدور بيان انضمام المجموعة.
ورغم أن التنظيم يعتمد أسلوباً غير مركزي في القيادة، ما يمنح خلاياه المنتشرة عنقودياً في مختلف المناطق قدراً من الاستقلالية، إلا أن هذه الحرية تظل ضمن أطر متفق عليها، وتخضع لتعليمات واضحة، إذ تحدد القيادة المركزية المناطق التي يسمح فيها باستقلال القرار الميداني خلال فترات معينة.
حالياً، يمتلك التنظيم أربعة مراكز قيادة أساسية: في الجنوب السوري بقيادة العقيد نضال (أبو العباس)، الذي أصيب بجروح طفيفة في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت أبو جهاد، وأدت إلى مقتل سائقه شادي وإصابة ثلاثة آخرين. وفي المنطقة الساحلية والوسطى بقيادة العميد منذر ونوس، وفي محافظة دير الزور بقيادة أبو جواد، الذي كان يقود مجموعة تابعة لإيران قبل سقوط النظام.
ويبرز حالياً في هيكل التنظيم “جهاز أمن المقاومة”، الذي يتولى الرصد والمراقبة وتأمين الاجتماعات وآليات العمل، وجمع المعلومات عن المجموعات الراغبة في الانضمام، لمنع الاختراقات، إضافة إلى ملاحقة المخالفين من الأفراد أو المجموعات. وهناك دائرة “شعبة التنظيم والإدارة” بقيادة هاشم أبو شعيب، والمسؤولة عن الحفاظ على الهيكلية الإدارية للتنظيم.
وبرغم امتناع المصادر القيادية عن كشف خطط “أولي البأس” المستقبلية، تؤكد أوساط مقربة أن الأسابيع المقبلة ستشهد تحولاً نوعياً في نشاطه الميداني، إذ “سيُسمع صوته بوضوح” من خلال عمليات ينوي تنفيذها.