خمسة أعوام على جريمة العصر، ولا يزال اللبنانيون يسألون أنفسهم سؤالاً واحداُ، متى سيُحاسب المجرم على ما إرتكبه؟ ومتى سيصدر القرار الظني وتتوقف الخلافات السياسية المُعرقلة لمجرى التحقيق؟
الواضح أن المحقق العدلي القاضي طارق البيطار يُكمل في مسار تحقيقاته وإستجوابته في الملف. الا أن وزير العدل عادل نصار أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن الملف والتحقيق بات بمراحل جداً متقدمة، مشيراً الى أن ملف إنفجار مرفأ من بيروت من ضمن أولوياته.
ليبقى اللافت في هذه المرحلة، بروز ملامح حقبة جديدة للبنان تتّضح شيئاً فشيئاً، ولا سيما من ناحية تعزيز شفافية القضاء في مكافحة الفساد بكل أنواعه. وقد بدأت أولى هذه الخطوات بسلسلة من التوقيفات والاستماعات التي طالت عدداً من الوزراء السابقين والحاليين، وصولاً إلى رفع الحصانة عن النائب جورج بوشيكيان، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين عاماً.
كما شمل المسار الإصلاحي إعادة فتح ملف الاتصالات السابق، والاستماع إلى الوزراء المعنيين، وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لمتابعة الملف. ولا يمكن تجاهل أحد أبرز المؤشرات على هذا التوجه، والمتمثل في التشكيلات القضائية التي أُقرّت خلال أقل من شهرين، وهو ما أعطى مؤشراً إيجابياً وثقة في أداء الحكومة، بعد أن كانت مثل هذه التشكيلات تتأخر لأكثر من ستة أشهر بسبب الحسابات السياسية الضيقة.
وبالعودة إلى عشية الذكرى الأليمة، عُقدت جلسة حوارية مشتركة بحضور رئيس الحكومة نواف سلام، والسفير السعودي الدكتور وليد بخاري، وعدد من الوزراء، خُصصت لمناقشة تداعيات الانفجار. وكان لافتًا تأكيد سلام أن معرفة حقيقة ما جرى ومحاسبة المتورطين هي قضية وطنية جامعة، مشددًا على أن تحقيق العدالة يشكّل مدخلاً لبناء الدولة العادلة.
وأوضح رئيس الحكومة أن ثقافة الإفلات من العقاب هي التي أوصلت لبنان إلى هذا الدرك، ولا يمكن الخروج من الأزمة من دون إصلاح شامل وبناء مؤسسات تحكمها قواعد المحاسبة والقانون.
وربطاً بحديث سلام عن بناء دولة المؤسسات وفق الدستور والقانون حصراً، تتجه الأنظار الى جلسة “الثلاثاء الكبير”، والتي سيُطرح خلالها بندٌ مصيري يتعلّق بحصر السلاح بيد الدولة وتسليمه إلى الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية على امتداد الأراضي اللبنانية. لكن الملفّ لا يقف عند هذا الحد، إذ إن المطلوب من لبنان بات أعمق من مجرّد طرح العناوين، بل الانتقال إلى آليات التنفيذ، والتي ستكون محور الجلسة الحكومية في قصر بعبدا، بجدول زمني يُرسم من قبل المجلس الأعلى للدفاع. لقد بات واضحًا أن لبنان لم يعد يملك ترف الوقت، ولا قدرة على مزيد من المناورة. كما أن “الثنائي الشيعي”، وتحديدًا “حزب الله”، لم يعد يستطيع تأخير الاستحقاقات على حساب الشعب اللبناني. قرار تسليم السلاح لم يعد خيارًا بل بات ضرورة، وإن لم يتحمل المسؤولون اللبنانيون هذا القرار، فلن تنفعهم أي مساعدات خارجية.
هذا ما أكده الموفد الأميركي إلى لبنان توماس باراك، الذي شدّد مرارًا على أن “الفرصة الآن”، معتبرًا أن لبنان يعيش لحظة تاريخية قد تُفضي إلى بناء وطن، شعب، وجيش موحّد.
وانطلاقًا من التصاريح الواضحة، تشير التسريبات إلى أن جلسة الثلاثاء ستكون حامية. ورغم غياب متوقّع لوزيري “الثنائي” محمد حيدر (العمل) وياسين جابر (المال) لأسباب مقدمة مسبقاً، إلا أن مصادر وزارية لـ”لبنان الكبير” ترجّح إمكانية عودة الوزير حيدر لحضور الجلسة.
ويبقى التخوّف داخل “الثنائي الشيعي” من طرح التصويت العلني على بند حصر السلاح، لأن المؤشرات تُظهر أن الأكثرية الوزارية ستؤيده، ما يضع “الثنائي” أمام خيارين: إما الانسحاب من الجلسة وتأجيج التوتر، أو مقاطعة الجلسات الحكومية المقبلة.
وإذا كانت المعادلة قد تغيّرت داخليًا، فإن الأبرز هو تبدّل مواقف الحلفاء قبل الخصوم. فقد كان لافتًا تصريح النائب طوني فرنجيه الذي اعتبر أن “حصر السلاح بيد الدولة هو المدخل لحماية لبنان وحدوده”، مؤكدًا أن هذا المسار وحده يقي لبنان المخاطر.
ومن ينسى الحليف الأكبر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وعرّاب مارمخايل، الذي بات يشدد في كل مناسبة على أن سلاح الحزب بات يؤدي الى ضرر على لبنان، وبالتالي يجب تسليمه الى الدولة.