علي حمادة
فجأة اشتعلت مختلف الجبهات الإقليمية شبه النائمة. فبعيداً من سياقات الهجمات التي تقوم بها جماعة الحوثي ضد السفن التجارية والقوات البحرية الأميركية والبريطانية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب تحت عنوان مساندة غزة، تغير السلوك الإيراني فجأة مع العراق وباكستان. فالهجوم الإيراني المباشر والعنيف على مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق استهدف بالصواريخ والمسيّرات المفخخة منزل رجل أعمال كردي معروف بزعم أن منزله هو قاعدة للموساد الإسرائيلي تضم راداراً مخصصاً للتجسس على الداخل الإيراني، فضلاً عن أنه مقر للتخطيط لعمليات إرهابية ضد إيران.
وبعد التحقيقات الأولية للفريق الذي أوفده رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى موقع الضربة الإيرانية، تبين أن المنزل كان عبارة عن فيلّا لعائلة رجل الأعمال، وقد قُتلت نتيجة للضربة زوجته ورجل أعمال عراقي مقيم في دولة الإمارات كان في زيارة عمل وأصيب أولاده. طبعاً لم تبادر طهران إلى الاعتذار من الدولة العراقية على خرقها للسيادة العراقية بهذا الشكل الفاضح، وبررت العملية بأنها تواجه الإرهاب والتجسس الإسرائيلي عليها انطلاقاً من كردستان العراق.
بعد ذلك بيومين هاجم “الحرس الثوري” هدفاً داخل الأراضي الباكستانية زعموا أنه مأوى لجماعة “جيش العدل” المعارض والمتهم بالإرهاب في إيران. وقُتل في الهجوم سيدة وولدان. وأصرت إيران على أنها قامت بهذه العملية بعدما استنفدت كل الوسائل الدبلوماسية مع باكستان، طالبة أن تتم معادلة قضية هذه الجماعة الإيرانية التي تتخذ من أراضي باكستان مأوى لها بعد أن تكون قامت بعمليات إرهابية في الداخل الإيراني.
هذ التغير في السلوك الإيراني الذي لطالما تميز سابقاً بأنه يقوم على سياسة استخدام أذرع لتأمين مصالح إيران العليا في الإقليم، يمثل خطوة تقترب فيها إيران من نار النزاعات المباشرة في الإقليم. والسؤال المطروح: ما الذي حدا بطهران لكي تتخذ قراراً بالقيام بعملية غريبة في أربيل وأخرى في الأرضي الباكستانية في هذه اللحظة بالذات التي تستخدم فيها أذرعها في كل المنطقة بكفاءة ملحوظة؟ لماذا سارعت إيران إلى قتل رجل الأعمال الكردي الذي يقال إنه يمتلك علاقات تجارية مع إسرائيل كالعديد من رجال الأعمال العرب في مختلف البلدان؟
الحقيقة أن العملية الإيرانية ضد أربيل قد تكون صبت في مصلحة الأميركيين، وحرفت الأنظار عن أزمة الردود الأميركية على هجمات الفصائل العراقية المسلحة، والتي دفعت رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى اتخاذ مواقف متصلبة من مسألة الوجود الأميركي في العراق.
لكن الهجوم الإيراني على هدف في الأراضي الباكستانية مثير للريبة في هذه المرحلة، لا سيما أن إيران كانت تدرك أن باكستان ستكون مضطرة أن ترد. وقد ردت بالفعل في اليوم التالي على الضربة الإيرانية بسلسلة من الغارات على مواقع لجبهة تحرير بلوشستان الانفصالية المصنفة إرهابية من قبل السلطات الباكستانية. وأظهر الرد الذي أتى على شكل غارات عدة داخل الأراضي الإيرانية أن السلوك الإيراني ربما لم يأخذ في الاعتبار جارته الأكبر والأقوى عسكرياً.
لكن وبعيداً من الرواية الرسمية الإيرانية، لم يستطع المراقبون أن يفككوا “شيفرة” القرار الإيراني بتنفيذ ضربات على أهداف داخل الأراضي الباكستانية. فرواية استنفاد كل الوسائل لدفع إسلام أباد إلى التدخل لاستئصال جماعة “جيش العدل” الإيرانية المعارضة قبل اخذ المبادرة مباشرة غير مقنعة. بل إن حسابات جيوسياسية أخرى يمكن أن تكون السبب في الضربة الإيرانية التي حركت علاقات جيدة أساساً مع باكستان لكنها كانت باردة في الآونة الأخيرة. وثمة من يعزو التغير في السلوك الإيراني مع جارتها إلى الشرق إلى لعبة التنافس بين الممرين الصيني والهندي على أرض إيران وباكستان.