منظمات حقوقية قالت إن ضحايا التعذيب في سوريا يقدرون بعشرات الآلاف
منظمات حقوقية قالت إن ضحايا التعذيب في سوريا يقدرون بعشرات الآلاف (صورة أرشيفية)

مع تحديد محكمة العدل الدولية تاريخا نهائيا لتقديم كل من كندا وهولندا مذكرات الدعوى في إطار القضية التي رفعتها الدولتان ضد النظام السوري، بتهمة انتهاك اتفاقية مناهضة التعذيب، تثار الكثير من الأسئلة بشأن الموعد الذي أعلنته تلك الهيئة التابعة للأمم المتحدة، والجدوى المنتظرة، وتأثير القرار على الشعب السوري عموما، وذوي ضحايا التعذيب بشكل خاص.

وكانت محكمة العدل الدولية قد أعلنت في بيان رسمي، الجمعة، أنها حددت موعد تقديم كندا وهولندا المذكرتين القانونيتين في 3 فبراير 2025، وموعد تسليم دمشق لمذكرتها المضادة بعد عام كامل، أي في 3 فبراير 2026.

وكانت المحكمة ذاتها قد طالبت النظام السوري في نوفمبر من السنة المنصرمة، بوضع حد للتعذيب والمعاملة القاسية والمُهينة، وذلك في أول قضية أمام العدالة الدولية بشأن انتهاكات النظام خلال فترة الصراع الدامي، الذي بدأ عام 2011 عقب احتجاجات شعبية طالبت برحيل نظام بشار الأسد.

عيون اقتلعت وأصحابها أحياء.. قيصر يروي بالصور المروعة وحشية نظام الأسد
عيون اقتلعت وأصحابها أحياء.. قيصر يروي بالصور المروعة وحشية نظام الأسد

وقالت محكمة العدل إن سوريا يجب أن “تتخذ كل التدابير التي في وسعها، لمنع أعمال التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة، أو القصاص القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة”، بحسب وكالة فرانس برس.

وأضافت المحكمة أن على سوريا، حيث قُتل مئات الآلاف خلال الصراع الدموي، وفق محققين، أن “تتخذ إجراءات فعالة لمنع إتلاف الأدلة وضمان الحفاظ على جميع الأدلة” المتعلقة بأعمال التعذيب وغيرها من ضروب “المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.

واستمع قضاة المحكمة الدولية خلال أكتوبر الماضي، إلى شهادات معتقلين سوريين سابقين، وصفوا فيها عمليات اغتصاب جماعي وتشويه وطريقة عقاب “موحدة”، تنطوي على وضع الأشخاص داخل إطار (عجل) سيارة وضربهم بشكل “مبرح”.

وكانت كندا وهولندا قد طلبتا من المحكمة اتخاذ “تدابير مؤقتة” لوقف كل أشكال التعذيب والاعتقال التعسفي في سوريا، وفتح السجون أمام مفتشين من الخارج، وتبادل المعلومات مع العائلات بشأن مصير أقاربهم.

موت تحت التعذيب.. شهادات مروعة من سجون الأسد عن “الحرق والدفن”
نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان شهادات عن استخدام النظام السوري لمقابر جماعية للتخلص من جثامين ضحايا التعذيب في المعتقلات التي قال إنها تحولت إلى “مسالخ بشرية”.

ووفقاً للشكوى المقدمة من البلدين، فإن التعذيب في سوريا “منتشر ومتجذر.. ويستمر اليوم”، ويتحمل الضحايا “آلاما جسدية وعقلية لا يمكن تصورها، ويعانون جراء أعمال التعذيب، بما في ذلك المعاملة المقيتة في الاعتقال.. والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي”.

وأضافت الدولتان نقلا عن تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن “عشرات الآلاف ماتوا، أو يُعتقد أنهم قضوا نتيجة التعذيب”.

وتجاهل النظام في دمشق الجلسة الأولى، في العاشر من أكتوبر الماضي، بعدما كان قد رفض القضية، واصفا الاتهامات بأنها “تضليل وأكاذيب”، ومدعيا أنها “تفتقر إلى أدنى درجة من الصدقية”.

“قضية كبيرة ومعقدة”

وفي معرض تعليقه على طول المدة التي ستستغرقها إجراءات المحكمة، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لموقع “الحرة”: “هذا أمر طبيعي، لأنها قضية كبيرة ومعقدة، وتتعلق بأرواح عشرات آلاف الضحايا الذين قضوا في السجون والمعتقلات جراء التعذيب”.

وتابع: “قبل عرض المذكرات القانونية لهولندا وكندا، بعد نحو عام من الآن، سيتم إعداد ملف يتضمن أدلة دامغة تكشف الانتهاكات التي مارستها أجهزة النظام الأسدي، وتضمنت بالإضافة إلى القتل تعذيبا، عمليات اغتصاب وتشويه جسدي ونفسي لمئات الآلاف من الضحايا”.

من جانبه، أعرب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”، عن ترحيب منظمته “بأي جهد لمحاكمة المسؤولين عن أي انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية، وقعت أو لا تزال تحدث في سوريا، بغض النظر عن الجهة التي تقف خلفها”.

وأردف: “جميع الأجهزة الأمنية والميليشيات التابعة لرأس النظام السوري، ارتكبت، وبأوامر وتوجيهات من بشار الأسد نفسه، انتهاكات كبيرة بحق المعتقلين والمعتقلات داخل السجون وأماكن الاحتجاز الأخرى”.

وشدد عبد الرحمن على أن “لدى المرصد السوري لحقوق الإنسان معلومات مؤكدة مفادها أن ما لا يقل عن 105 آلاف شخص، قضوا تحت  التعذيب في سجون نظام الأسد”.

“خطوة متأخرة جدا”

وفي سياق متصل، أعرب الناشط والباحث الأكاديمي السوري، فايز القنطار، لموقع “الحرة”، عن “ترحيب الشعب السوري بقرار محكمة العدل الدولية، وذلك على الرغم من أنه أتى متأخرا جدا، حيث كان على المجتمع الدولي التحرك منذ زمن أطول، وتحديدا منذ عام 2015، عقب انتشار صور التعذيب الفظيعة والوحشية التي باتت تعرف إعلاميا بـ(صور قيصر)”.

وبحسب تقرير سابق نشرهموقع الحرة ، فإن “قيصر” هو اسم رمزي لسوري استطاع الهرب من بلاده صيف عام 2013، حاملا معه 55 ألف صورة مروعة، تظهر جثثا تحمل آثار تعذيب. وبفضلها، أصدر الكونغرس الأميركي عام 2019، قانونا يحمل الاسم نفسه.

وكان قيصر يعمل في مركز التوثيق للشرطة العسكرية بسوريا​، ومهمته تصوير ضحايا حوادث السيارات والحرائق والانتحار وكل ما له علاقة بوزارة الدفاع، لكن مع اندلاع الصراع، تم تكليفه هو ورفاقه بتوثيق صور ضحايا التعذيب، في المستشفيات العسكرية.

وفرض قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، عقوبات على قادة النظام السوري، وألزم الولايات المتحدة بدعم المحاكمة الدولية للمتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا.

وقال القنطار: “هذا التأخير في محاسبة الأسد وأجهزة نظامه، يجعلنا نطرح الكثير من الأسئلة بشأن مفهوم العدالة لدى النظام الدولي، الذي صمت لأكثر من عقد من الزمن عن المجازر وانتهاكات التعذيب غير المسبوقة التي ارتكبت بحق شعبنا”.

“التعذيب مستمر”

ورغم طلب محكمة العدل الدولية من السلطات السورية التوقف عن أي انتهاكات وممارسات تنطوي على تعذيب في السجون والمعتقلات، فإن نظام الأسد، حسب عبد الرحمن، “لايزال مستمرا في تلك الممارسات بحق آلاف المعتقلين، وذلك بالرغم من كل النداءات الدولية للإفراج عنهم، وفي مقدمتهم المحامي والناشط الحقوقي، خليل معتوق”.

كما طالب مدير المرصد السوري “بالإفراج عن معارضين بارزين لم يمارسوا في حياتهم أي أعمال عنف، وفي مقدمتهم عبد العزيز الخير ورجاء الناصر وحسين عيسو”.

وشدد كذلك على أن “المرصد لا يزال يسجل حتى اللحظة وفاة معتقلين”، مضيفا: “وثقنا موت 9 أشخاص تحت التعذيب في السجون السورية منذ مطلع العام الجاري”.

وأوضح أن “ميليشيات الحرس الثوري الإيراني كانت تشارك في تعذيب السوريين خلال الفترة الواقعة بين مايو 2013 ونوفمبر 2015، وبالتالي فهم شركاء في هذه القضية”.

من جانبه، أشار القنطار إلى أن الشاعر السوري، ناصر بندق، قتل “تحت التعذيب قبل 10 أعوام في سجون النظام، بينما لم تعرف عائلته بذلك حتى قبل يومين تقريبا”.

وأوضح أن “بندق كان قد جرى اعتقاله من قبل أجهزة أمن النظام في 17 مارس 2014، وقد رحل عن الدنيا بعد أن أمضى نحو 3 أسابيع من التعذيب. لكم أن تتخيلوا الجحيم الذي عاشه ذلك الشاعر الرقيق والجميل قبل أن تفيض روحه وترتقي نحو السماء”.

وتابع: “تهمته كانت أنه يوزع بعض الدواء الطعام على المدنيين في مناطق محاصرة بريف دمشق، وبالتالي أصبحت المواقف الإنسانية (جريمة نكراء) لدى ذلك النظام المستبد”.

يذكر أن النظام السوري كان يمنع توزيع المساعدات على المناطق المحاصرة التي كانت حاضنة لمعارضين.

وبدوره، أكد عبد الغني لموقع “الحرة”، أن المنظمة التي يرأسها “ساهمت في إعداد الشكاوى” التي قدمتها هولندا وكندا بشأن قضايا التعذيب، موضحا أن اتفاقية مناهضة التعذيب التي كانت سوريا قد وقعت عليها سنة 2004، تتضمن عدة بنود، من بينها “عدم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، والتي تعتبر مماسات تعذيب”.

وكانت منظمة “سوريونمن اجل الحقيقة، قد ذكرت في موقعها الرسمي، أن الأسد أصدر القانون رقم ١٦ لتجريم التعذيب، حيث ذكرت الصفحة الرسمية  لـ”رئاسة الجمهورية العربية السورية” في موقع “فيسبوك”، أن الأسباب الموجبة لصدور القانون “رقم 16″، هي التوافق مع “الالتزامات الدستورية للدولة السورية التي تحرّم التعذيب”، وليتواءم مع “أحكاماتفاقية مناهضة التعذيب” لعام 1984، التي انضمت إليها حكومة “الجمهورية العربية السورية” في 19 أغسطس 2004، مما يفرض على الحكومة السورية الالتزام بكافة أحكام المعاهدة.

وأوضحت المنظمة أن “الحكومة، لم تضمن أحكام المعاهدة في قوانينها الوطنية، مما يعني أن سوريا (النظام الحاكم) لم تقم أبداً منذ انضمامها للمعاهدة بتحويل أحكامها إلى نصوص قانونية وطنية، وتهربت من مسؤولياتها التي ألزمت نفسها بموجب الانضمام”.

من جانبه، نوه عبد الغني إلى أن “قبول (العدل الدولية) للقضية ضد النظام السوري، يعد إنجازا كبيرا”، مضيفا أنه “من المتوقع أن يصدر حكم عنها يدين ذلك النظام”.

وتابع: “سنشارك المدعين العامين في هولندا وكندا معلومات وأدلة تؤكد أن الإجراءات المؤقتة التي طالبت بها المحكمة النظام السوري، بوقف أي انتهاكات لاتفاقية مناهضة التعذيب، لم يتم العمل بها”.

واعتبر أن القانون الذي أصدره الأسد لمنع التعذيب “لا معنى له، لأن القضاء غير مستقل ويسيطر عليه النظام بشكل كامل، بالإضافة إلى أن القانون نفسه فيه الكثير من الثغرات التي فرغته من جدواه، وجعلت تطبيقه على أرض الواقع مستحيلا”.