وقد تبيّن، في وقت لاحق، أنّ “التهويل” لم يكن في مكانه على الإطلاق، فوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي كان في بيروت يوم السبت الماضي، حين حصلت عملية جدرا، أوضح، بما لا يقبل اللبس، أنّ “حزب الله” لا يريد توسيع الحرب وأنّ إيران عملت ولا تزال تعمل دون توسيع الحرب في غزة على امتداد المنطقة، ووجه تهديداً الى رئيس الحكومة الإسرائيليّة بأنّه في حال شنّ حرباً واسعة ضد “حزب الله” فسوف يشهد نهايته، معلناً أنّ التواصل بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية لا يزال قائماً.
وفي ترجمة رسمية لمواقف عبد اللهيان، خرج أمس رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” محمد رعد ليعلن، بوضوح، موقفه الرافض لتوسيع الحرب المندلعة على الحدود وقال: “نحن نَصبِر حتى لا ننزلق إلى ما يُريده العدوّ من طريقةٍ يُحاربنا بها ونحن نُريد أن نحاربه وفق طريقتنا والمبادرة بيدنا ويدُنا هي العليا إن شاء الله”.
وكلام رعد يتناقض كليّاً مع ما ذهب اليه كل من الياس بو صعب وعباس ابراهيم، إذ إنّ هذا المسؤول في “حزب الله” كاد يقول: مهما فعلت إسرائيل، فنحن لن ننجر الى حرب واسعة، وسوف نُبقي الأمور عند مستوياتها الحاليّة!
هل أخطأ بو صعب وابراهيم؟
لا، فالرجلان كانا يؤديّان مهمّة. في الواقع، كانا على وقع قرار إيران باحتواء الساحة الجنوبية اللبنانية، يستدعيان المستشار الأميركي آموس هوكشتاين، عن طريق التهويل، الى لبنان، بعدما زار إسرائيل، في بداية شباط (فبراير) الجاري وغادرها، من دون التعريج على لبنان أو التواصل مع مسؤوليه، وفي ظل تسجيل وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه “صمتاً صاخباً”، على الرغم من المبادرة التي تعمل عليها بلاده بالتعاون مع البيت الأبيض، لاحتواء الساحة اللبنانية، إذ إنّ رئيس الدبلوماسيّة الفرنسي رفض إطلاق أي موقف، خلال زيارته للبنان، الأسبوع الماضي، وفي ختامها.
ولكن يبدو أنّ هوكشتاين لم يعد يستمع كثيراً إلى صديقيه بو صعب وابراهيم، فهما أقنعاه بالمجيء الى لبنان في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لبدء مفاوضات، على وقع الحرب، من أجل ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وفق ما كان يعمل من أجله، قبل بدء حرب “طوفان الأقصى”، إذ كانت التوترات قد تصاعدت بين “حزب الله” الذي تتهمه إسرائيل بإقامة مواقع له داخل الخط الأزرق، وهو الحدود المؤقتة التي فصلت فيها الأمم المتحدة في العام 2000 الأراضي اللبنانية عن الأراضي الإسرائيلية، وبين إسرائيل التي يتهمها لبنان بخرق السيادة اللبنانية في 13 نقطة تمتد من الناقورة الى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وعند مجيء هوكشتاين الى لبنان، بناء على الطلب، وجد أنّ الأرضية غير مؤهلة لإطلاق المفاوضات، وذلك خلافاً لما أبلغه بأمره كل من بو صعب وابراهيم اللذين التقاهما خارج أي إطار بروتوكولي يسمح له بذلك.
وعندما عاد هوكشتاين الى لبنان، في وقت لاحق، في سياق المساعي التي كان قد بدأها لاحتواء التصعيد على الجبهة اللبنانية، لم يقبل أن يلتقي بـ”صديقيه” اللذين كانا قد ساعداه في مساعيه لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
ويوم السبت الماضي، تعاون الياس بو صعب وعباس ابراهيم، من أجل “استعادة” هوكشتاين، إذ بدا واضحاً، على وقع ما اتفق عليه وزير الخارجية الإيراني و”حزب الله”، أنّ لمساندة غزة حدوداً، إذ يجب عدم تحويل “المشاغلة الحدودية” الى حرب شاملة.
والحالة هذه، هل يعود هوكشتاين الى لبنان؟
يحتاج الوسيط الأميركي، على ما يبدو، إلى ما هو أكثر جدية من أقوال بو صعب وابراهيم، لأنّ واشنطن، في الوضع الراهن، وهي التي تعمل ما أمكنها لمنع توسيع حرب غزة نحو عمليات هجومية في مدينة رفح، لن تتورّط في تقديم أي تنازل في غزة لمصلحة احتواء التصعيد على الجبهة اللبنانيّة.
وهذا يعني أنّ هوكشتاين ينتظر دليلاً مباشراً من المسؤولين اللبنانيين على أنّ “حزب الله” مستعد لبدء مفاوضات مع إسرائيل، من دون انتظار مآلات ما يحصل في غزة.
ولكن “حزب الله” حتى تاريخه لا يزال يربط التهدئة في الجنوب اللبناني بالتهدئة في غزة.
وعليه، في حال عاد هوكشتاين الى بيروت، يكون “حزب الله” قد تخلّى عن ربط الجبهتين. وفي حال رفض المجيء الى بيروت، فالبيت الأبيض لن يعجل سفره اليها، لأنّه مطمئن الى الحدود التي رسمتها طهران لـ”حزب الله”: إترك إسرائيل تفعل ما يحلو لها في لبنان وليكن ردكم “صبوراً”!