استطاع رجل الأعمال الدمشقي البارز، خالد أحمد حبوباتي، تكريس نفسه زعيماً للعمل الإغاثي في سوريا، عبر نجاحه في المحافظة على رئاسة منظمة الهلال الأحمر لولاية ثالثة تستمر حتى عام 2028، بعدما خَلَف رئيسها السابق عبدالرحمن العطار عام 2016 بظروف لا يزال يسودها الكثير من الغموض لجهة صحتها قانونياً ومدى علاقتها بالتدخّلات الحكومية.
وجاء إعلان منظمة الهلال الأحمر الأسبوع المنصرم عن إعادة انتخاب حبوباتي رئيساً لها، ليجدّد الجدل بين الموالاة والمعارضة حول أدائه وأدواره وارتباطه بالسلطة، بالإضافة إلى سجل أعماله السابق المتعلق بإدارة كازينوهات ونادٍ للقمار، الأمر الذي يتناقض من حيث طبيعته مع أخلاقيات العمل الإغاثي.
ومن جانبه، اعتبر حبوباتي أنّ إعادة انتخابه تحمّله مسؤولية كبيرة، “بخاصة أنّ سوريا تمرّ بوقت هو الأصعب على الإطلاق”، مؤكّداً أنّه سيبذل أقصى جهده لأداء هذه المسؤولية مع الأعضاء المنتخبين.
ورأى المعارضون أنّ الحفاظ على حبوباتي في هذا المنصب إنما يدلّ إلى أنّه نجح في خدمة أهداف السلطة ومصالحها، وأنّ الولاية الجديدة ربما تشهد مزيداً من تطويع العمل الإغاثي لخدمة أهداف سياسية.
ومن أبرز الانتقادات التي وُجّهت إلى اختيار حبوباتي بدلاً عن العطار، أنّ الأول على عكس الثاني جاء من خارج معادلة العمل الإغاثي في سوريا، حيث لم يقم بأي دور في أي منظمة تطوعية أو إغاثية من قبل، وهو ما اعتبره المنتقدون بمثابة إنهاء للقدر القليل من الحيادية الذي حاول العطار المحافظة عليه في أداء المنظمة.
وكان منصب رئيس المنظمة مخصّصاً لشخصيات اجتماعية بارزة، ساهمت في أعمال منظمة الهلال الأحمر التي تُعتبر وفق ميثاقها الداخلي منظمّةً مستقلة، إلّا أنّ هناك دوراً للحكومة السورية التي تضمّ وزير دولة بمنصب وزير شؤون الهلال الأحمر، كممثل عن الدولة السورية في الجمعية العامة للدول الأعضاء في حركة الهلال والصليب الأحمر. وبينما كانت المنظمة قبل عام 2011 تلعب دوراً يوازن بين تنفيذ الخدمات العامة المناطة بها وفق تعليمات النظام السوري أو بما تقتضيه المصلحة العامة، فإنّ هذا الأمر لم يعد مقبولاً على ما يبدو لحظة استقالة عبد الرحمن العطار من رئاسة المنظمة، وهي استقالة يشير إليها عارفون ضمن الهلال الأحمر بالإقالة، وفق تقرير صدر عن معهد “الجمهورية” السوري المعارض.
ومنذ استلام حبوباتي رئاسة “الهلال الأحمر” في 2016، ارتبطت المنظمة بالنظام الحاكم بشكل مباشر، في حين كانت قد فقدت أي مؤشر إلى استقلالها بعد 2011، عندما جمّدت الحكومة انتخابات “الهلال الأحمر” إلى أجل غير مسمّى، وتخلّصت من أعضاء الإدارة المستقلّين، وفصلت طاقم العمل المؤهل، وفق تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية في أيلول (سبتمبر) 2018.
غير أنّ حبوباتي تمكّن خلال سنوات تولّيه منصبه من تحقيق نجاحات كبيرة، وصولاً إلى حصده عدداً من التكريمات التي كان أبرزها تكريم اللجنة الدولية للصليب الأحمر قبل عامين. حيث أعلن رئيس اللجنة بيتر ماورير في شهر حزيران (يونيو) 2022، “تكريم رئيس منظمة الهلال الأحمر السوري، رجل الأعمال الدمشقي خالد حبوباتي، عبر منحه ميدالية تكريماً لجهوده وتفاني المنظمة في تخفيف معاناة الأسر الأشد ضعفاً في سوريا”، وذلك ضمن أعمال مجلس مندوبي الحركة الدولية التي عُقدت في تلك الفترة.
وكذلك حظي حبوباتي بتكريم من البابا فرنسيس أثناء لقائه به في شهر كانون الثاني (يناير) 2023. حيث عبّر البابا فرنسيس وفقاً للبيان عن “إعجابه بمنظمة الهلال الأحمر التي قدّمت 81 عاماً من الأعمال الإنسانية”. وأشاد بتفاني المتطوّعين وجهودِهم باستجابتهم في ظلِّ الظروف الصعبة، معبّراً عن أسفِه لخسارة أرواح من العاملين في المجال الإنساني فقدَوا حياتَهم خلال أدائهم لواجبهم.
وفيما قدّم حبوباتي هديةً رمزيةً، وهي عبارةٌ عن أيقونة من حلب لقداسة البابا، قدّم له الأخير مجموعةً قيّمةً من الميداليات.
لكن ما اعتبرته الجهات المكرّمة “تفانياً” و”تخفيفاً عن الأسر الأشد ضعفاً” يشير إليه المعارضون السوريون على أنّه لا يتعدّى كونه وضع المنظمة وإمكاناتها المادية الهائلة تحت خدمة أجندات النظام السوري ومصالحه. وتشير العديد من التقارير إلى أنّه منذ استلام حبوباتي رئاسة منظمة الهلال الأحمر “بدأت شاحنات الهلال تنقل المساعدات بشكل مباشر إلى مستودعات الفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية”، وأنّ “المنظمة -التي تضخّمت كثيراً بفضل الدعم الذي تلقّته مالياً وسياسياً من اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي- تحولت إلى تنفيعة كبيرة لأبناء الضباط والمسؤولين”.
وفي حين كان حبوباتي يتفاخر خلال مؤتمرٍ صحافي مشترك مع الأمم المتحدة، بأنّ منظمته قد قدّمت أكبر استجابة إنسانية في تاريخ المنظمات الوطنية للهلال والصليب الأحمر في العالم، فإنّ مهجّري الغوطة كانوا يتعرّضون للاعتقال من مراكز الإيواء التي وُضعوا فيها بعد تهجيرهم من بلداتهم عام 2018، والتي شارك الهلال الأحمر في إدارتها، وفق ما ذكرته التقارير المعارضة.
ولد خالد حبوباتي في دمشق عام 1957، ووالده توفيق حبوباتي الذي كان يملك ثلاثة كازينوهات في دمشق (كازينو بلودان، وكازينو فندق المطار، وكازينو الشرق)، والتي أغلقتها الحكومة السورية جميعًا عام 1977 بقرار من رئيس الوزراء حينها، عبد الرحمن خليفاوي.
ويحمل خالد حبوباتي شهادة في الهندسة المعمارية، وكان يملك نادي “الشرق” الذي ترتاده نخبة من رجال الأعمال السوريين والسياسيين من داخل البلد وخارجها، إلاّ أنّ حبوباتي باع النادي عام 2009 لرجل الأعمال موفق القداح.
وبعدها بعام افتتح حبوباتي “كازينو دمشق”، في فندق ومطعم مطار دمشق الدولي، وهو ما أثار غضب الأوساط الشعبية والدينية حينها، الأمر الذي دفع السلطات السورية لإغلاقه بعد ثلاثة أشهر من افتتاحه واختفاء حبوباتي عن الأضواء؛ إلى حين تعيينه عام 2016 من قبل رئيس مجلس الوزراء حينها، عماد خميس، رئيسًا لمنظمة “الهلال الأحمر”.