حبس الغزاويون أنفاسهم أمس الإثنين بانتظار نتائج مفاوضات القاهرة على مصيرهم في المرحلة القادمة. يدرك أهل القطاع المنكوب صعوبة الجولة الجديدة من المفاوضات التي تجري منذ أشهر دون طائل، وأشد ما يخشونه أن تنتهي الجولة إلى النتيجة عينها. ليست المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها عن أجواء إيجابية تسبق المفاوضات، لكن ما ينتظر الغزاويين هذه المرة في حال فشل آخر بالمفاوضات لايقارن بنتائجه عما سبقه من كوابيس. فلم يعد في القطاع زاوية يفرون إليها، ويرفض الجميع توفير مثل هذه الزاوية حتى لو كانت صحراء سيناء. ما تعدهم به إسرائيل من شريط ساحلي لا يخفف من وطأة وضعهم، بل يجعلهم بين البحر وما تبقى من غزة، بدل أن يكونوا بين أشلاء قطاعهم والصحراء.
المفاوضون على مأساة الغزاويين، بمن فيهم الوسطاء، ليسوا في وضع مريح. وزير الخارجية الأميركي بدأ في يوم المفاوضات جولته السابعة في المنطقة منذ اندلاع جولة العنف الجديدة الخريف المنصرم. ومع أن خطر المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل قد انخفض إثر تبادل الضربات الإستعراضية بين الطرفين، إلا أن خطر توسع رقعة الحرب إلى المنطقة بأسرها لا يزال ماثلاً إذا أصر نتنياهو على تدمير آخر ما تبقى من قطاع غزة في رفح. فمن المستبعد أن تسكت إيران عن هزيمة حماس وخسارة قطاع غزة، وتحرك الحوثيين الأخير، بعد هدوء نسبي في البحر الأحمر دام أكثر من شهر، لا يقول بإمكانية السكوت الإيراني.
لا أحد يتوهم بأن تلويح المحكمة الدولية بتوجيه الإتهام لمسؤولين إسرائيليين بارتكاب ما يودي بهم إلى قفص الإتهام، لن يفضي بنتنياهو إلى مصير سلوبودان ميلوشوفيتش اليوغسلافي. لكن إشارة المحكمة الدولية هذه، يمنح المعارضة الإسرائيلية ورقة رابحة جديدة في مطالبتها بإنتخابات مبكرة تسقط حكومة نتنياهو أو تنهي حياته السياسية. كما أن إشارة المحكمة الدولية لن تعفي الولايات المتحدة من إحراج، ولو بحدوده الدنيا، أمام الرأي العالمي في دعم متهم دولي بخرق قوانين الحرب.
فشل لقاء القاهرة بالخروج بما يبلسم جراح الغزاويين ولو مؤقتاً، لن يتيح لحماس إمكانية التملص من الرد على اسئلة الغزاويين عما حصدوه من كل الموت والدمار الذي لا يزال يلحق بهم. وستجد نفسها ملزمة بالخضوع لمتطلبات الوحدة الفلسطينية، كي لا تتحمل مسؤولية إضافية في عرقلة حلم الدولة الفلسطينية المستقلة. ولن يقدم أحد على إعادة إعمار غزة في ظل سلطة حماس على القطاع.
اللافت أن غياب الصوت الروسي في كل ما يجري الآن في الشرق الأوسط، بقي خارج إهتمام أجهزة الإعلام في المنطقة والعالم. لكن الإعلام الروسي الدائر في فلك السلطة تجاهل هذا الغياب، وتابع تطور الحدث من دون أن يلحق نصوصه بالتعليقات الكثيرة المعتادة
صحيفة Kommersant الروسية نشرت في 19 الجاري نصاً ناقشت فيه كيف تساوم إسرائيل الولايات المتحدة على العملية في رفح. نقلت الصحيفة عن مطبوعة عربية تأكيدها بأن الولايات المتحدة وافقت على عملية إسرائيل في رفح، بعد تطمين الأخيرة أن قواتها لن تخوض معارك في المناطق المأهولة، ولن تستهدف سوى مقاتلي حماس. لكنها نقلت عن موقع Walla الإسرائيلي نفي مصادره الموافقة الأميركية على العملية، وتأكيد إسرائيل بأنها لن تقوم باجتياح رفح وتهجير كل سكانها، بل ستقوم بتمشيط كل حي من أحياء المدينة على حدى. غير أن الموقع الإسرائيلي نقل عن مصدره الأميركي بأن الإدارة الأميركية، وعلى الرغم من تطمينات إسرائيل، تخشى العواقب الإنسانية لمثل هذه العملية.
نقلت الصحيفة عن السفيرة الإسرائيلية في موسكو Simone Galperin قولها بأن للعملية الإسرائيلية في غزة مهمتين: تحرير الرهائن الذين تحتجزهم حماس، وتدمير القدرة العسكرية ل”المجموعة الإرهابية”. ورداً على سؤالها ما إن كانت إسرائيل قد قدمت خططاً لإجلاء السكان المدنيين من رفح، قالت السفيرة بأن إسرائيل تمتنع عن العمليات العسكرية في الأماكن المكتظة بالسكان، وتعمل في المدن “بمقنضيات القانون الدولي”.
كما نقلت الصحيفة حينها عن الخبير العسكري الإسرائيلي David Gendelman قوله بأن الجيش الإسرائيلي يقوم بالإستعداد للعملية في رفح خلال الأسابيع القادمة على مستوى الوحدات والأقسام. والتقدم إلى الوراء أو الأمام يتوقف على قرار القيادة السياسية وتطور الوضع مع إيران. وقال الخبير أن حماس رفضت مرة أخرى العروض التي تقدم بها الوسطاء، مما جعل العملية تتقدم إلى المقام الأول، ولا يجوز تأجيلها إلى أمد طويل.
أشارت الصحيفة إلى أن القوات المصرية المرابطة على الحدود مع غزة تمنع الفلسطينيين من دخول مصر. لكنها نقلت عن رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين Filippo Grandi تصريحه بأن فرار سكان رفح إلى مصر هو الطريق الوحيد لضمان أمنهم.
موقع الخدمة الروسية في BBC ناقش في 24 الجاري دعوة إسرائيل سكان غزو للنزوح عن القطاع والإستعداد لاجتياح إسرائيل، وأشار إلى رفض الولايات المتحدة للعملية الإسرائيلية. في سياق نص طويل، ناقش الموقع في مقطع خاص مسألة إصرار إسرائيل على اجتياح غزة على الرغم من معارضة الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرين للعملية.
قال الموقع بأن إسرائيل تؤكد أن عليها التقدم إلى رفح على الحدود مع مصر، من أجل تحييد التهديد العسكري الذي تمثله حماس. ويؤكد العسكريون الإسرائيليون أنهم قد قضوا على 20 كتيبة من اصل 24 تمتلكها حماس، وعليهم استئصال الوحدات العسكرية المتبقية الموجودة حاليا في رفح. كما على إسرائيل أن تجد الرهائن 129 الذين تحتجزهم حماس، والذين تفترض أن الكثيرين منهم موجودون في رفح.
نقل الموقع عن خبراء تحدثوا إلى Wall Street Journal، ورأوا أن إسرائيل لن تتمكن من القضاء على الكتائب الأربع المتبقية من مقاتلي حماس، دون إجتياح رفح. لكن الهدف الإستراتيجي البعيد والأكثر أهمية رآه الخبراء في فرض إسرائيل سيطرتها على ممر فيلادلفيا. وكانت إسرائيل قد رفضت السيطرة على هذا الممر أثناء سحب قواتها من غزة العام 2005، حيث اعتبرت العمل حساس على الممر الذي يفترض التنسيق مع السلطات المصرية. وسبق أن رفضت القاهرة إقتراح إسرائيل نشر قواتها على خط الحدود في منطقة رفح.
موقع The insider المستقل والناطق بالروسية نشر في 26 الجاري نصاً تحدث عن وضع المجتمع الإسرائيلي بعد مضي 6 اشهر على إنطلاق عملية “السيوف الحديدية”، وخصص مقطعاً طويلاً للحديث عن العملية الإسرائيلية في رفح، وعنونه بالقول “إختبار رفح”.
استهل الموقع نصه بالقول أن المستوى الرفيع من إلتفاف المجتمع الإسرائيلي حول القيادة العسكرية السياسية، تحول خلال هذه المدة وما شهدته من مفاوضات صعبة مع حماس حول الرهائن إلى نقاش داخلي حاد حول ما العمل لاحقاً، وماذا سيكون عليه الأمر بعد القضاء على الإرهابيين، وهل من الضروري إجراء إنتخابات مبكرة قبل إنتهاء الحرب.
وتحت العنوان الفرعي “إختبار رفح”، قال الموقع أن منتقدي الحكومة يرون أنه بدلاً من إستخدام الكارت بلانش الأميركي، أضاع فريق نتنياهو الوقت والجهد على الصراع غير المثمر مع الإدارة الأميركية، مما حدا بالاخيرة الى الإمتناع عن إستخدام حق الفيتو في التصويت بمجلس الأمن على قرار معاد لإسرائيل.
يقول الموقع أن الولايات المتحدة وأوروبا تقف ضد العملية في رفح إلى أن يتم إجلاء السكان المدنيين من المدينة. وإنذار الرئيس الأميركي لرئيس الوزراء نتنياهو كان شديد الصراحة: “إحمِ السكان المدنيين والعاملين في المهمات الإنسانية، وإلا…”.