أسعد عبود
نشطت الديبلوماسية الأميركية منذ هجوم حركة “حماس” على غلاف غزة في 7 تشرين الأول  (أكتوبر) وما تلاه من حرب إسرائيلية واسعة النطاق على القطاع، في اتجاه البحث عن صيغة مستقبلية للحكم في هذا الجيب الفلسطيني المطل على البحر المتوسط والذي كان يخضع لحصار اقتصادي إسرائيلي منذ 2007.
الصيغة الأميركية التي لم تتضح معالمها بالتفصيل بعد، تستند إلى فرضية واحدة وهي عدم عودة حماس إلى حكم القطاع. وفي سبيل هذا الهدف ذهب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى عمان والتقى وزراء خارجية خمس دول عربية، هي إلى الأردن، السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وقطر وممثل عن السلطة الفلسطينية، قبل أن ينتقل إلى رام الله للقاء الرئيس محمود عباس ويبحث معه في الدور الذي يمكن السلطة أن تلعبه في غزة في مرحلة ما بعد الحرب.
الصيغ الأولية المطروحة والتي يتم التداول بها هي أن يعهد بأمن غزة إلى قوة متعددة الجنسيات تشارك فيها دول عربية وإسلامية، تتولى إدارة المنطقة بمشاركة من السلطة الفلسطينية. لكن ما فوجئت به الولايات المتحدة هو إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن أن إسرائيل ستحافظ على وجود أمني إلى فترة غير محددة في غزة، بما يرقى في التفسير السياسي إلى قرار بإعادة احتلال القطاع.
هنا سارع بلينكن إلى إعلان معارضة الولايات المتحدة إعادة احتلال إسرائيل للقطاع، وكذلك فعل الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، إلى مسؤولين أميركيين على مستوى أدنى. ومن باب التذكير، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن كان اعتبر في تصريحات سابقة لإعلان نتنياهو، أن إعادة احتلال غزة سيكون بمثابة “خطأ كبير”.
ما تمكن ملاحظته هو أن نتنياهو يكاد يكون السياسي الإسرائيلي الوحيد الذي تحدث مباشرة عن النية بإعادة احتلال غزة. والأعضاء الآخرون في “حكومة الحرب”، مثل وزير الدفاع يوآف غالانت والوزير بلا حقيبة بيني غانتس، لم يشيرا إلى هذه المسألة لا من قريب ولا من بعيد. وقال غالانت إن الأمر الأكيد هو أن “لا إسرائيل ولا حماس ستحكمان غزة بعد الحرب”.
إذن، ما الذي قصده نتنياهو من خلال إعلانه هذا في ذروة المساعي الديبلوماسية الأميركية؟ هل أراد تعطيل هذه الجهود وإطالة أمد الصراع في غزة؟
 لا يخفى أن نتنياهو يهجس منذ الآن باليوم الذي سيلي انتهاء الحرب، لأنه سيكون عليه تقديم جردة حساب عن الإخفاق الأمني الكبير في 7 تشرين الأول. ومعلوم أنه حاول في لحظة معينة أن يستبق الأمور ويلقي باللوم على الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، لكنه ووجه بمعارضة شديدة من قبل وزراء في الحكومة، اضطرته إلى التراجع.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا يريد نتنياهو أن يشكل أي نموذج للحكم في غزة، بداية لانطلاق عملية سياسية مع الفلسطينيين، تعيد طرح حل الدولتين بقوة على بساط البحث.
ولذلك، فإن بقاء الأوضاع في غزة في حالة غير مستقرة هي النموذج المثالي، الذي قد يكون نتنياهو يبحث عنه في المستقبل من أجل إنقاذ مستقبله السياسي، في ظل تدني شعبيته إلى 18 في المئة، وتزايد المطالبات الشعبية برحيله اليوم قبل الغد.
لا بد أن صراعاً خفياً يدور بين واشنطن وتل أبيب حول مستقبل غزة. وبايدن الذي يريد نوعاً من الاستقرار في المنطقة، يدرك أنه من دون إيجاد صيغة مقبولة من الفلسطينيين، فإنه لا يمكن تطبيع الأوضاع ولا تحقيق الهدوء.
كل ما تقدم سيناريوات مبنية على افتراضات وليس على وقائع ملموسة، ولا أحد يمكنه التنبؤ بمآل الأحداث، لا على الأرض ولا في السياسة.