مهرجان بيروت للأفلام الفنية يتحدى الطروف (خدمة المعرجان)
في وقت ترزح فيه بيروت تحت أزمة حياتية خانقة، وتشهد المنطقة أحداثاً دامية، وتحديداً في غزة والجنوب اللبناني، انطلق مهرجان بيروت للأفلام في ما يشبه المغامرة التي يقدم عليها منظمو المهرجان في إدارة مؤسسة أليس مغبغ
يمتد المهرجان خلال عام كامل ويحمل عنوان “الحرية”، ويقدم سلسلة من العروض السينمائية والندوات واللقاءات والمعارض، من شأنها تسليط الضوء على العلاقة بين الإنسان والفن، الفن بوصفه أداة تواصل واتصال ووسيلة، بل أداة ومرآة تجسد أشكال أحوال هذا العالم الذي هو في تغير مستمر.
في حديثها إلى “اندبندنت عربية” تقول أليس مغبغب مديرة المهرجان “يأتي الحدث بنسخته التاسعة حاملاً رسالة الإنسان وحريته بعيداً من الأيديولوجيات والسلطات. الرسالة التي من شأنها إعلاء كلمة الفن والارتقاء به لتبقى لدى الناس تلك الهوامش للتحرك والقول والتعبير”. وعن تزامن المهرجان مع ما يحصل في غزة تقول “نحن مستمرون في عملنا لأن الفن والثقافة يتطلبان تضحية ومقاومة أيضاً، ولا يمكن أن ننسى أن ما يجري في غزة ونترقب ما قد يحدث في لبنان في أية لحظة. نحن لسنا على طرف البركان، بل في قلبه. المهرجان باقٍ حتى آخر لحظة. ومن خلاله نؤكد رفضنا العنف، ونرفع كلمتنا بوجه التسلط والهمجيتة. الفن والثقافة بكل أشكالهما هما اللذان يرسخان رسالتنا ويبعدان الإفلاس والتصحر الفكري عنا، ويسهمان في رفعنا من هذا الحضيض الرث الذي نحن فيه”.
تجربة إليان الراهب
تقام العروض والأنشطة المركزية للدورة التاسعة من مهرجان BAFF على خشبة مسرح بيريت، في حرم معهد الدراسات السمعية البصرية والسينمائية في جامعة القديس يوسف في بيروت، وعلى الجدول 16 فيلماً و11 محاضراً ومؤتمران ومعرض. تشارك في تنظيم المهرجان مؤسسات ثقافية محلية عديدة، إضافة إلى المعهد الثقافي الإيطالي، والمراكز الثقافية الملحقة في سفارات بولونيا بلجيكا وكندا وسويسرا واليابان ومعهد سرفانتس.
خلال فترة المهرجان وعلى مدرج ليلى تركي في المكتبة الشرقية، يجري عرض الفيلم الوثائقي “معركة الأرز” الفيلم الذي يحكي قصة مغامرة استثنائية خاضها يوسف طوق الذي عمل وحيداً على إعادة غابات الرز في لبنان إلى الحياة. على أن تلي العرض جولات إرشادية في المكتبة مع الحاضرين وجلسات نقاش. وجرى توجيه الدعوة إلى جميع المدارس في لبنان لعرض الفيلم الوثائقي داخل الصفوف. ويقدم المهرجان بالشراكة مع المعهد الثقافي الإيطالي، وبمناسبة الذكرى الـ500 على ولادة الفنان الإيطالي بيترو بيروجينو، معرضاً استرجاعياً من 15 ملصقاً عن حياة أستاذ رافاييلو وأعماله.
وتسلم إدارة المهرجان جائزة Lucioles d’or للمخرجة السينمائية إليان راهب. هذه النسخة الثالثة من الجائزة تذهب إلى راهب تقديراً لأعمالها السينمائية الملتزمة ذاكرة الحرب وبناء مجتمع أكثر إنصافاً. على أن تطل الراهب في لقاء حواري مع المخرج هادي زكاك، مع محاضرة لماستر كلاس حول إنتاج تصوير البورتريه الوثائقي.
عن هذه الأنشطة تؤكد مغبغب “نقدم هذه الأنشطة المتنوعة هذا العام تأكيداً أن الفن هو أداة رفض. رفض وإيمان بمعنى السلام وضرورته. نقول الفن اليوم لنرفض العقبات ونواجه الحواجز ونقف ضد العنف الذي نراه وننتصر للإنسان الضحية”. وتضيف “الإنسان يتطور ويتقدم والسلطات تبقى في مكانها. في هذه الأيام العصيبة تغدو السينما وسيلة مهمة لإيصال المعنى بالصورة والصوت، إضافة إلى حلقات النقاش والأفكار التي تنطلق منها. هذه النسخة ببساطة هي نسخة الإيمان بالإنسان والوقوف إلى جانبه ودفاعاً عنه أينما كان في أصقاع الأرض”.
احتفال بمئوية “النبي”
في حلقات اختتام خريف 2023 المخصصة للكتاب والشعر والفلسفة وبمناسبة مئوية كتاب “النبي” لجبران خليل جبران، أوكل منظمو مهرجان BAFF إلى المخرجة لينا أبيض، والمتخصص في الشعر العربي الفصيح ألفريد الخوري، على التوالي، إنجاز سلسلة من أربعة عروض تضع هذا الكتاب الذي ألفه جبران (1923) في حوار مع القطع الأثرية الموجودة في متحف الجامعة الأميركية في بيروت. فالعروض التي تخرجها أبيض تسعى إلى الملاءمة بين جو جبران والأبعاد التي توحي بها الآثار تلك.
ومن 28 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 28 ديسمبر (كانون الأول) 2023، يقدم ممثلان، كل يوم ثلاثاء الساعة الرابعة عصراً، قراءات من “النبي” داخل صالات المتحف، في حوار بين الشواهد على حضارات الشرق الأدنى التي يعود تاريخها لآلاف السنين والنص الذي كتبه جبران قبل قرن من الزمن، على أن تستمر الاحتفالات بالمئوية طوال عام 2024 في المكتبة الشرقية وفي متحف جبران في بلدة بشري، تزامناً مع صدور الطبعة الجديدة من ترجمة يوسف الخال لـ”النبي” عن متحف جبران.
برنامج المهرجان
تسترجع المخرجة فيروز سرحال مسيرة الفنان إلياس الرحباني الشقيق الأصغر للفنانين عاصي ومنصور، في صعوده في الساحة الموسيقية اللبنانية والعربية، قبل أن يصبح الرحباني الثالث. “إلياس الرحباني – ثالث الرحابنة” فيلم وثائقي يسلط الضوء على حياة الملحن اللبناني إلياس الرحباني (1938 – 2021) ومسيرته المهنية وإرثه الفني، انطلاقاً من المحفوظات الشخصية الغنية وعديد من المقابلات.
وتطرح المخرجة أوانا سوتو خينتيريان من خلال فيلمها “ما وراء الورق” موضوع مكانة الورق في مجتمعنا ودوره كموجه للمعرفة. من ثم يطرح الفيلم الوثائقي تساؤلاً عن علاقتنا بنقل الذاكرة البشرية: كيف نحافظ على تراثنا في عالم يبدو فيه كل شيء غير مادي، لا بل رقمياً؟ ما وراء الورق يقدم نفسه، وبسرعة، للمشاهد على أنه أكثر من مجرد فيلم: هو بمثابة رحلة فكرية وشاعرية حقيقية في تاريخ البشرية، وأيضاً ضمن التاريخ العائلي للمخرجة.
ويحضر الشعر في هذه النسخة من خلال فيلم “الشاعرة”، وهو فيلم وثائقي من إخراج ستيفاني بروكهاوس وأندرياس وولف، يروي قصة حصة هلال، المرأة السعودية التي تتحدى الأعراف الثقافية من خلال مشاركتها في مسابقة “شاعر المليون”، الذي يشارك فيه الرجال تقليدياً. من خلال قصائدها الصائبة، تتناول حصة هلال القضايا المجتمعية، وتتساءل عن الدور المناط بالرجل والمرأة، من طريق الدفاع عن حقوق المرأة. يقدم الفيلم لمحة حميمية عن مسيرتها. ويؤكد قدرتها ومدى تأثير كلماتها الشجاعة على النطاق العالمي.
مكتبة أمبرتو إيكو
من بين الأفلام المعروضة أيضاً، يقترح المخرج ديفيد فيراريو، من خلال الجمع بين الأرشيفات والمقابلات، انغماساً رائعاً في العالم بحسب رؤية الكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو (1932 – 2016) وتفكيره. إيكو الذي يجعلنا نكتشف مكتبته الخاصة ومن ضمنها نحو 30 ألف كتاب، وهو مكان يجسد، أكثر من كونه مساحة من الثقافة والأدب، بل رمزاً للذاكرة العالمية. يقترح المخرج عبر أمبرتو إيكو وفيلمه “مكتبة من العالم” شهادة قوية عن أهمية الأدب في مجتمعنا ودوره وتأثيره في العالم المعاصر وإنسانه.
أما الفيلم الوثائقي “بيروجينو أيترنال رينيساسن” فيعيد النظر، بدقة، في عمل الفنان الذي كان معلم رافائيل. قام الممثل ماركو بوتشي برواية الفيلم الذي هو عبارة عن انغماس في تاريخ الرسم الإيطالي، سامحاً بإعادة اكتشاف هذا الفنان الذي كان التوازن المثالي بين الإنسان والطبيعة أكثر من مجرد وهم لديه، لا بل نهجاً لمهنة تنقلنا من معرض أومبريا الوطني إلى كنيسة سيستين في الفاتيكان. توفي بيترو بيروجينو، أحد أشهر الفنانين في عصر النهضة الإيطالية، قبل 500 عام بالتحديد، في عام 1523.
يتضمن المهرجان 3 أفلام بالتعاون مع المعهد الثقافي الإيطالي، و3 أفلام مع السفارة السويسرية، و3 أفلام مع سفارة بلجيكا، وفيلمين مع سفارة إسبانيا، وفيلم واحد مع كل من قناة الجزيرة وبولونيا والسعودية وكندا.
تجدر الإشارة إلى أن الإعلان عن موسم الشتاء – الربيع 2024 يجري في 12 ديسمبر 2023 على أن يتضمن 16 فيلماً موزعة على 38 عرضاً، و9 ندوات مع 23 متحدثاً، و3 معارض. لن يتم بث مهرجان BAFF عبر الإنترنت هذا العام، ولكن سيقام في عروض مباشرة، في الأماكن الثقافية: الرابطة الثقافية في طرابلس، المكتبة الشرقية في جامعة القديس يوسف، مركز الآداب والفن والإنسانيات في الجامعة الأميركية، المركز الثقافي، تبنين، المركز الثقافي للتنشيط، بنت جبيل، بلدية زغرتا، متحف جبران، سينما إشبيلية، بلدية زحلة ومراكز أخرى عديدة يعلن عنها في حينها.
