توجه الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى فيلولي لعقد اجتماع بين رئيسين “متكافئين”. إلا أن الفجوة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة اتسعت منذ آخر اجتماع من هذا القبيل.
وقبل عام من هذا اللقاء، عندما التقى بايدن وشي جينبينغ في جاكرتا على هامش قمة مجموعة العشرين، كانت الصين تشكل ما يقارب من 71 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وتنبأ شي جينبينغ بـ”صعود الشرق وانحدار الغرب”.
وفي عام 2023، تشير التقديرات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي إلى أن الصين تشكل حوالي 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. كما أن الاقتصاد الأميركي آخذ في التوسع، على الرغم من تزايد احتمالات الركود. على الجانب الآخر، يظهر أن تقدم الوضع الاقتصادي في الصين، والذي يمنح بكين الشرعية السياسية الداخلية والقوة الدولية، يسير بشكل بطيء.
ومن خلال التركيز على العلاقة بين الاقتصاد والأمن، غامر كل من بايدن وشي بإعادة بناء مجالات جديدة للنفوذ العالمي وتحريك الاقتصاد المحلي خلال العام الماضي
وأبرم بايدن اتفاق كامب ديفيد- المعاهدة الأمنية الثلاثية- بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، كاشفا عن حلف شمال الأطلسي الآسيوي. وحظي الرئيس الهندي مودي بشهرة كبيرة في العاصمة واشنطن، حيث انطلق التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال الطيران والدفاع بشكل سريع. وإضافة إلى ذلك، قام بايدن بزيارة إلى فيتنام الشيوعية، والتي كانت عدوا للولايات المتحدة خلال فترة الحرب الباردة، حيث أعلن عن شراكة استراتيجية ثنائية بين البلدين. وسعت الولايات المتحدة إلى التنافس مع الصين في تجديد شبكات البنية التحتية الأوراسية، من خلال ربط الهند عبر الخليج بأوروبا؛ حيث سيوفر ممر دبي– مومباي، المتصل بقطار يسير تحت الماء بسرعة تتراوح بين 600 إلى 1000 كيلومتر في الساعة، مستقبلا أشبه بالوضع بين لندن وباريس. وستحصل مومباي على إمدادات النفط من الخليج، فيما سيحصل الخليج على المياه من الهند. كما أكملت الولايات المتحدة المرحلة الأولى من الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (IPEF)، بهدف تعزيز سلسلة التوريد بعيدة المدى في غرب المحيط الهادئ والبعيدة عن الصين.
وتركزت الجهود في الصين على احتواء مشاكل القطاع العقاري لتجنب امتدادها إلى القطاع المالي. ونجحت الصين في كسر الحصار الأميركي على الرقائق من خلال تقديم رقائق متقدمة محلية الصنع ضرورية لهواتف “هواوي” من الجيل الخامس. ولا تزال التطبيقات الصينية تسيطر على قائمة أفضل خمسة تطبيقات تُحمّل في متجر التطبيقات الأميركي. وقادت الصين توسعا لكتلة “البريكس”، حيث تسعى الكتلة الموسعة، التي تضم مصر وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى تعميق التكامل العالمي الناشئ وتوسيع عملية التحرر من الاعتماد الكامل على الدولار.
وفي ظل الضعف الحالي لروسيا، اتجهت الصين نحو المحيط المتجمد الشمالي من خلال إقامة طريق الحرير القطبي، بهدف الاستفادة من الموارد الطاقية الوفيرة وفتح طريق تجاري جديد يربط بين آسيا وأوروبا عبر المحيط المتجمد الشمالي. وتعتبر الصين أن فلاديفوستوك تمثّل هونغ كونغ الخاصة بشمال أوراسيا.
ومنذ اجتماع جاكرتا، انشغل رئيسا الولايات المتحدة والصين بإزالة بعضهما البعض من سلاسل التوريد المثالية المتبادلة، والهياكل الاقتصادية والأمنية الجديدة متعددة الأطراف، وتوسيع مصالحها العالمية من خلال التعاون مع حلفاء مختارين يشتركون معهم في الرؤى والأهداف. وشهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين حالة من التراجع خلال العام الماضي.
جوهر المصالح الأساسية للصين هو تايوان. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يأمل شي جينبينغ أن يصدر بايدن بيانا قويا للمرشحين الرئاسيين في تايوان يؤكد فيه معارضة الولايات المتحدة لاستقلال الجزيرة
ما الذي جمع بين الولايات المتحدة والصين؟
شكلت تحديات مثل الانكماش، وضعف الصادرات، وتدفق رأس المال الأجنبي إلى الخارج، وانخفاض قيمة سعر الصرف، والصدمات الاقتصادية المركبة نقطة الاهتمام المركزية في بناء دولة شي جين بينغ؛ فالولايات المتحدة ما تزال الشريك الاقتصادي الأعظم للصين. ومن أجل تحقيق استقرار في مجالات التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، يحتاج شي إلى إقناع الولايات المتحدة بأن الصين لا تزال وجهة استثمارية جذابة ونقطة جذب للسوق الاستهلاكية.
ومن بين أولوياتها، تريد الصين من الولايات المتحدة أن تتراجع عن الحظر المفروض على الرقائق الصينية، والامتناع عن فرض قيود تجبر الدول الأخرى على عدم بيع منتجات صناعة الرقائق للصين. كما تطمح الصين إلى رفع اسم بعض من مئات الشركات ومعاهد الأبحاث الصينية من القوائم السوداء وقوائم الكيانات الأميركية. وتسعى أيضا إلى إعادة التفاوض بشأن الرسوم الجمركية بهدف إعادة تنشيط صادراتها. بالإضافة إلى ذلك، ترغب الصين باستمرار في تدفق رأس المال الأميركي إلى أسواقها المالية المحلية، وتهدف إلى استعادة مكانة هونغ كونغ باعتبارها مركزا عالميا للتجارة الحرة تابعا للصين.
ومن وجهة النظر الأمنية، فإن جوهر المصالح الأساسية للصين هو تايوان. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في يناير/كانون الثاني، يأمل شي جينبينغ أن يصدر بايدن بيانا قويا للمرشحين الرئاسيين في تايوان يؤكد فيه معارضة الولايات المتحدة لاستقلال تايوان. ورغم التصريحات المتكررة للرئيس بايدن بأن “الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان”، إلا أن هذه التصريحات لا ترقى إلى مستوى المعارضة الرسمية لاستقلال تايوان.
بالنسبة للرئيس بايدن، يُّعدّ اللقاء وجها لوجه مع المنافس العالمي اللدود للولايات المتحدة فرصة لاستعراض قوة بلاده وقوته الشخصية. ومن المتوقع أن يعبّر بايدن عن دعمه القوي للدفاع عن تايوان، وحقوق الإنسان في شينغ يانغ، والحرية في هونغ كونغ، فضلا عن دعم إدارته لأوكرانيا وإسرائيل، وهي جميعها مواضيع لا يمكن اعتبارها جديدة أو مبتكرة.
وتعتبر تايوان قضية أساسية أيضا بالنسبة للولايات المتحدة. حيث ستسعى الولايات المتحدة إلى التأكد من أن الصين لن تخطئ في تقديرها لمخاطر الاستفزازات العسكرية عبر مضيق تايوان.
ما التسوية التي يمكن الوصول إليها؟
وتركز الصين على تنشيط اقتصادها بدعم من الولايات المتحدة. فيما تسعى الولايات المتحدة إلى بناء شبكة أمان أمنية لضمان عدم نشوب حروب في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومن المتوقع أن يسلط الاجتماع بين بايدن وشي الضوء على التبادل بين المصالح الاقتصادية للصين والمصالح الأمنية الأميركية.
لن يستطيع أي من بايدن أو شي جين بينغ تحقيق فوز معنوي في اجتماع سان فرانسيسكو، إلا أن اللقاء بينهما يمكن أن يؤدي إلى اتفاقهما على قضية أو اثنتين لهما ذات الأهمية لدى الطرفين. وستكون النتيجة اتفاقا انتقائيا يحقق نجاحا محدودا
سيكون الوصول إلى تسوية على الصعيد التجاري هو الأسهل؛ إذ قامت الصين خلال الأسبوع الماضي بشراء ثلاثة أطنان من فول الصويا كبادرة لتعزيز التجارة، مما يدعم المزارعين الأميركيين؛ حيث تعتبر الأصوات الزراعية المحافظة في الغرب الأوسط ضرورية جدا بالنسبة لرئاسة بايدن.
ولربما تعرض الصين أيضا شراء طائرات “بوينغ” بشرط قيام الولايات المتحدة برفع المزيد من القيود التجارية والاستثمارية المفروضة على المجمع الصناعي العسكري الصيني.
ويشاع أن الولايات المتحدة والصين حققتا تقدما في مكافحة سلسلة توريد الفنتانيل في الصين. وسيُعتبر التعاون في السيطرة على صادرات الفنتانيل مع الصين انتصارا سياسيا كبيرا لبايدن، إذ يقتل الفنتانيل أكثر من 100 أميركي يوميا. وفي المقابل، ستطلب الصين إزالة اسم معهد أبحاث الأمن العام التابع لها من القائمة السوداء الأميركية.
ومن المقرر أن تتفق الصين والولايات المتحدة على حظر استخدام الذكاء الاصطناعي في الأسلحة النووية والمستقلة. ويبدو أن احتواء المخاطر التي تشكلها تقنيات الذكاء الأخرى على البشر هو القاسم المشترك لكلا الزعيمين.
ولن يستطيع أي من بايدن أو شي جينبينغ تحقيق فوز معنوي في اجتماع سان فرانسيسكو، إلا أن اللقاء بينهما يمكن أن يؤدي إلى اتفاقهما على قضية أو اثنتين لهما ذات الأهمية لدى الطرفين. وستكون النتيجة اتفاقا انتقائيا يحقق نجاحا محدودا.
ولن يتحدث الزعيمان إلى بعضهما البعض بقدر ما سيتحدثان إلى جمهورهما المحلي، الذي يمنحهما في نهاية المطاف شرعيتهما السياسية.
في عام 2024، ينبغي على العالم أن يستعد لعلاقة أكثر برودة بين الولايات المتحدة والصين.