تمدّد فصل الصيف في تونس.

تمدّد فصل الصيف في تونس.
فرضت التغيّرات المناخية تقاليد جديدة وبدّلت الكثير من العادات في تونس، خصوصاً ما يُطلق من مصطلحات عديدة على التغيّرات الدورية في حالة الطقس، مرتبطة بتبدّل الفصول، وكان القدامى يعتمدونها في التقويم الزراعي.
تعيش تونس على وقع التغيّرات المناخيّة مثل كل دول البحر الأبيض المتوسط، وهي من الدول الأكثر تأثراً بها. فمنذ 4 سنوات تعاني البلاد من موجة جفاف أثّرت على إنتاج القطاع الزراعي وتسبّبت في نقص كبير في المحاصيل.
خلال السنوات الأخيرة، صار فصل الصيف في تونس يمتد على أكثر من ثلاثة أشهر، ولم يعد شتاؤها بارداً وممطراً، في حين تتساقط الأمطار في غير توقيتها المعتاد.
ويقول الخبير في المناخ عامر بحّة لـ”النهار العربي”، إنّ ذلك يعود للتغيّرات المناخية التي تعيشها تونس ومنطقة المتوسط ككل.
أسماء لتغيّرات الطقس
شهد العديد من الظواهر المناخية الموسميّة في تونس، التي كان القدامى يعتمدونها في تقويم السنة الزراعيّة، اضطراباً في السنوات الأخيرة من حيث توقيتها ومدّتها.
ومنذ القدم، اعتمد سكّان شمال أفريقيا تقويماً زراعياً لتنظيم الفصول والأعمال الفلاحية، وأطلقوا تسميات خاصّة عليها، ولكلّ منها ميزاته وظواهره التي ترتبط بمستوى درجات الحرارة وفتراتها أو كميّات الأمطار وعدد أيّام تساقطها.
وقديماً كانت الجدّات يحدّثن أحفادهنّ في ليالي الشتاء الطويلة عن “أبواب السنة”، فيخبرن عن “الليالي البيض” و”الليالي السود”، وعن “القرّة العنز” التي كانت تُعرف بشدّة البرد، وعن “أوسّو” في فصل الصيف و”غرة القيلولة”، وهو اليوم القائظ الذي يحرق واليابس، وكان لكلّ من هذه التسميات أو “الأبواب” أمثال وأقوال تفصّل خصائصها وميزاتها المناخية.
ومن بين هذه التسميات “غسّالة النوادر” و”قوايل السفرجل والرمّان”، وتُطلق على تغييرات الطقس في نهاية الصيف وبداية الخريف.
و”غسّالة النوادر” هو مصطلح فلاحي قديم متوارث عن الأجداد، ويُطلقه التونسيون على الأمطار الموسمية التي تهطل نهاية شهر آب (أغسطس) وبداية شهر أيلول (سبتمبر).
وعادةً ما تتساقط هذه الأمطار بكميات كبيرة في ظرف زمني وجيز، فتغرق الأرض وتمتلئ الوديان بالمياه بعد أشهر من الجفاف.
وسمّى الأجداد هذه الأمطار “غسّالة النوادر” لأنّها تغسل الأرض وبخاصّة “النوادر” أو “المندر”، وهو ساحة مستديرة توجد في بيت كلّ مزارع يخصّصها لتجميع الحبوب.
ويستبشر التونسيون عادةً بهطول هذه الأمطار، رغم تسبّبها ببعض الأضرار المادية نتيجة ما قد يرافقها من ظواهر كالبرد والرياح وفيضانات الأودية.
من الموروث الشعبي
وفي الموروث الشعبي التونسي، يكون الموسم الزراعي المقبل خصباً إذا هطلت هذه الأمطار خلال أول عشرة أيام من شهر آب (أغسطس)، فيقول أحدهم لصاحبه “يعطيك الروى” ويجيبه الآخر “يعطيك الخير”.
وتغنّى المزارعون بفوائد هذه الأمطار، فكانوا يقولون مثلاً “خرابها ولا جدابها” (ما يعني أضرارها أفضل من الجدب)، أو “يا مطر أوسو خوذي ما نحسو وأعطينا ما ندسو” (يا مطر أوسو خذي ما يؤلمنا وأعطنا ما نخزنه).
غير أنّ هذه الأمطار التي توصف بـ”الطوفانية” ورغم فائدتها الزراعية، عادةً ما تُغرق شوارع ومدن تونس، ما كان يشكّل مصدر قلق للسلطات والمواطنين.
أمّا “قوايل الرمّان والسفرجل”، فتُطلق على الأسابيع الأولى من الخريف، وعادةً ما تتميز بارتفاع شديد لدرجات الحرارة ولمستوى الرطوبة، وسُمّيت كذلك لأنّ تلك الفترة هي التي تنضج فيها ثمار السفرجل والرمّان. ويشرح القدامى هذه التسمية، مؤكّدين أنّ نضج ثمرتي السفرجل والرمّان يتطلّب درجات حرارة مرتفعة، لذلك يقولون “آش يطيّب السفرجل والرمّان” ما يعني “كم يلزم من الحرارة حتّى ينضج السفرجل والرمّان”.
هل تغيّر نوع المناخ؟
وغابت “غسّالة النوادر” عن تونس في السنوات الأخيرة مع تراجع المتساقطات المطرية في نهاية شهر آب. وفي المقابل صارت الفترة التي يُطلق عليها اسم “قوايل الرمّان والسفرجل” تمتد على أسابيع طويلة تفوق مدتها المعتادة.
وقبل أسابيع، توقعت مصلحة الأرصاد الجوية التونسية تساقط كميات كبيرة من الأمطار، لكن درجات الحرارة ظلّت في ارتفاع، وهو ما ينذر بصعوبات قد يواجهها الموسم الزراعي المقبل، وبتواصل اختفاء “غسّالة النوادر”.
ويسري لدى التونسيين اعتقاد بأنّ “التطرّف المناخي” أثّر على نوعية مناخ بلدهم، من مناخ متوسطي في العموم إلى مناخ مداري استوائي، وهو ما يفسّر اختلال التقويم الزراعي القديم. لكن بحّة يقول إنّه لا يمكن الحديث عن تغيّر في نوعية المناخ واختفاء ظواهر مناخية إلا بعد مرور 30 سنة. ويوضح أنه “حين تغيب ظاهرة على امتداد سنوات طويلة عندها يمكن الحديث عن اختفائها وعن تغيّر في نوع المناخ”، ويضيف أنّ التغيّرات المناخية التي تعيشها تونس خلال السنوات الأخيرة لا تزال تعتبر تغيّرات ظرفية، لأنّه “لا بدّ من مرور 30 سنة على الأقل لاحتساب المعدلات والخروج باستنتاجات تؤكّد اختفاء ظاهرة مناخية ما أو ظهور أخرى”.