أربيل (كردستان العراق) – سعى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في زيارته إلى مدينتي أربيل والسليمانية لتوحيد موقف القوى الحزبية حول أولوية تشكيل حكومة الإقليم في أقرب وقت ممكن وضمان استقراره واستقرار العراق كله وتحييد البلد عن التوترات الإقليمية.
وقالت مصادر عراقية مطلعة إن السوداني يقود وساطة بين الحزبين الكبيرين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وذلك بهدف تقريب وجهات النظر بينهما وتسريع خطوات تشكيل الحكومة الجديدة في الإقليم، وعبر السوداني عن أمله في أن تتوصل الأطراف السياسية إلى اتفاق بشأن تشكيل الحكومة الجديدة في إقليم كردستان في أقرب وقت ممكن وحل مختلف الخلافات.
وأشارت المصادر إلى أن رئيس الحكومة العراقية دعا الأحزاب والكتل البرلمانية الكردية إلى عدم تقديم مصالحها الخاصة على مصلحة الإقليم، وضرورة اعتماد نتائج الانتخابات كأرضية للتوصل إلى تفاهمات معقولة بدلا من وضع الشروط المسبقة وكأن الهدف هو التعجيز وليس التسريع بتشكيل حكومة في أقرب وقت لتلافي مخاطر عدم الاستقرار.
المشكلة التي تعترض تشكيل الحكومة تتعلق بخطط تعطيل من إيران والأحزاب الحليفة ببغداد عبر واجهة الاتحاد الوطني
وحذر من “أن ما تشهده المنطقة يحتاج تضافر كل الجهود على مستوى الإقليم والحكومات المحلية وعلى مستوى الحكومة الاتحادية لمعالجة الكثير من الملفات التي جرى ترحيلها من الحكومات السابقة، وأنه مازالت هناك محطات لمعالجة باقي الملفات.”
ولا يريد السوداني لإقليم كردستان أن ينقل الصراعات التي تسيطر على المشهد السياسي والنيابي في بغداد، والتي عطلت لأشهر انتخاب رئيس البرلمان إلى حين فرض أجندتها دون أن تهتم لمصلحة العراق. وفي حال استجاب السياسيون في الإقليم لرغبة رئيس الحكومة الاتحادية فإن السوداني سيكون قد حقق مكسبا يحسب له.
وربما يجد رئيس الحكومة العراقية نفسه قريبا في مأزق مع الفصائل في أن تفرض شكل الحكومة، ما يجعله يستعين بما حققه في كردستان ليمنع لاحقا تدخل الإيرانيين والميليشيات والقوى السياسية العراقية الموالية لإيران ومحاولة فرض سياساتهم عليه.
ويقول مراقبون إن وساطة السوداني ستظهر لسكان الإقليم من يقف وراء التعطيل ومن يسعى إلى تسهيل مفاوضات الحكومة.
وكان الزعيم الكردي رئيس الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني قد أكد قبل أيام أن الوقت قد حان للتفاوض على تشكيل الحكومة الجديدة. وأضاف “المقياس هو الاستحقاق الانتخابي، ولكن ما يهم أكثر هو تشكيل الحكومة المقبلة في إقليم كردستان بناءً على المبادئ التالية: إقليم واحد، برلمان واحد، حكومة واحدة، وقوة بيشمركة موحدة.”
وتقابل رغبة الديمقراطي في توحيد الصف الكردي على أساس الثوابت المعروفة وتسريع تشكيل الحكومة برغبة واضحة من الاتحاد في التعطيل.
ويقوم تكتيك الاتحاد على الرفع من سقف مطالبه بشأن حصته من المناصب بشكل تعجيزي يقفز على نتيجة الانتخابات ويعتمد على المساومة بملفات جانبية مثل ملف الرواتب وطريقة إيصالها إلى أصحابها، مع الاعتماد على تحالف قيادته مع قادة الأحزاب والفصائل الشيعية الحليفة لإيران والمتحكّمة بشكل رئيسي في زمام السلطة الاتحادية في العراق.
وترى أوساط سياسية كردية أن المشكلة التي تعترض تشكيل الحكومة لا تتعلق بالحقائب ولا الوظائف في مختلف المؤسسات الكردية، التي تثير عادة الخلافات، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق بخطط للتعطيل صادرة من إيران ومن الأحزاب الحليفة لها في بغداد، وهي ترفض أي استقرار في الإقليم لا يراعي مصالحها، وهي نقطة الخلاف الرئيسية مع قادة الديمقراطي الكردستاني، الذين يرفضون أي تدخل خارجي.
ويكتسب إقليم كردستان أهمية استثنائية في المرحلة الراهنة، وتحديدا بعد الانتخابات البرلمانية واستعادة شرعيته الدستورية والسياسية والدولية، يعزوها مراقبون إلى قنوات التواصل الدبلوماسية وشبكة العلاقات لرئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني.
وبدأ السوداني من أربيل زيارته إلى إقليم كردستان والتقى مسؤولي الأحزاب ورئيسي الإقليم والحكومة. وأشاد مسعود بارزاني، رئيس الديمقراطي الكردستاني والمرجع الكردي، بدور السوداني في نجاح عملية الانتخابات البرلمانية.
وتم خلال اللقاء بحث الحوارات الجارية بين القوى الفائزة بالانتخابات، وأبدى السوداني استعداده لتقديم المساعدة وتقريب وجهات النظر من أجل الإسراع في تشكيل حكومة الإقليم الجديدة.
وخلال لقاءات منفصلة برئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس الحكومة مسرور بارزاني، بحث السوداني الأوضاع السياسية في العراق وآخر التطورات في المنطقة، كما جرى التأكيد على اتخاذ خطوات إيجابية وبنّاءة في مسار تعزيز العلاقات والارتقاء بمستوى التنسيق المشترك بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية.
وأشار إلى أهمية الإسراع في تشكيل الحكومة، والحفاظ على الاستقرار السياسي في الإقليم الذي يعضد استقرار مجمل العملية السياسية في العراق.
وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الإقليم، تم في الاجتماع بين السوداني ونيجيرفان بارزاني بحث نتائج الانتخابات، وخطوات تشكيل الحكومة، والعلاقات بين أربيل وبغداد، بالإضافة إلى الوضع في البلاد وآخر التطورات التي تشهدها المنطقة.
وأكد الجانبان على أهمية تعزيز آليات التنسيق المشترك وضرورة معالجة الملفات المشتركة بين أربيل وبغداد عن طريق الحوار البنّاء والالتزام بالدستور العراقي.
وحث على “ضرورة الإسراع بالتفاهمات والمباشرة بتشكيل الحكومة، ومباشرة برلمان الإقليم مهامه، لأن المواطنين بأمس الحاجة إلى أن يروا البرامج الانتخابية تترجم وتنعكس على واقعهم المعيشي والخدمي.”
وفي مدينة السليمانية التقى رئيس الوزراء العراقي برئيس الاتحاد الوطني بافل طالباني ومسؤولين حكوميين وحزبيين، حيث ناقش معهم مجمل الأوضاع الراهنة في العراق والمنطقة، وشهد الاجتماع مناقشة مواضيع التعداد العام للسكان والرواتب ونتائج الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة الجديدة في إقليم كردستان.
واستعرض اللقاء آخر التطورات الأمنية والسياسية في المنطقة، حيث جرى التأكيد على مواقف العراق الثابتة والمبدئية إزاء التحديات التي تواجه الأمن والاستقرار والحرص على سيادة العراق.
وكان واضحا أن السوداني ركز في مختلف لقاءاته على مراعاة مصلحة العراق في ظل التوترات الإقليمية، ما يؤكد أن حكومته تجد نفسها تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية بشأن تحييد العراق عن الصراع بين إسرائيل وإيران وضرورة إجبار الميليشيات على وقف هجماتها.